الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله عز وجل قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني المطر والنبات قُلِ اللَّهُ يعني إن لم يقولوا إن رزاقنا هو الله فقل: أنت إن رازقكم هو الله وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ معناه ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال، وهذا ليس على طريق الشك بل جهة الإلزام والإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى ومن خالفه في ضلال فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب ومنه بيت حسان:
أتهجوه ولست له بكفء
…
فشركما لخيركما الفداء
وقيل أو بمعنى الواو، ومعنى الآية إنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا أي لا تؤاخذون به وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ أي من الكفر والتكذيب وقيل أراد بالإجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن وبالعمل الكفر والمعاصي العظام قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا أي يوم القيامة ثُمَّ يَفْتَحُ يعني يقضي ويحكم بَيْنَنا بِالْحَقِّ يعني بالعدل وَهُوَ الْفَتَّاحُ يعني القاضي الْعَلِيمُ يعني بما يقضي قُلْ أَرُونِيَ أعلموني الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ يعني بالله شُرَكاءَ يعني الأصنام التي أشركوها معه في العبادة هل يخلقون أو يرزقون وأراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله كَلَّا كلمة ردع لهم عن مذهبهم والمعنى ارتدعوا فإنهم لا يخلقون ولا يرزقون بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ أي الغالب على أمره الْحَكِيمُ أي في تدبير خلقه فأنى يكون له شريك في ملكه. قوله عز وجل وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ يعني للناس كلهم عامة أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم وقيل الرسالة عامة لهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد (ق) عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهور، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» . في الحديث بيان الفضائل التي خص الله بها نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء، وأن هذه الخمسة لم تكن لأحد ممن كان قبله من الأنبياء، وفيه اختصاصه بالرسالة العامة لكافة الخلق الإنس والجن وكان النبي قبله يبعث إلى قومه أو إلى أهل بلده فعمت رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، جميع الخلق وهذه درجة خص بها دون سائر الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وقيل في معنى كافة أي كافا تكفهم عما هم عليه من الكفر فتكون الهاء للمبالغة بَشِيراً أي لمن آمن بالجنة وَنَذِيراً أي لمن كفر بالنار وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني يوم القيامة قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ معناه لا تتقدمون على يوم القيامة وقيل: عن يوم الموت ولا تتأخرون عنه بأن يزاد في آجالهم أو ينقص منها وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني التوراة والإنجيل وَلَوْ تَرى أي يا محمد إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ معناه ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا وهم الأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وهو القادة والأشراف لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ يعني أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.
[سورة سبإ (34): الآيات 32 الى 39]
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36)
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي أجاب المتبوعون في الكفر لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ أي منعناكم عَنِ الْهُدى أي عن الإيمان بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ أي بترك الإيمان وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي مكركم بنا في الليل والنهار وقيل مكر الليل والنهار هو طول السلامة في الدنيا وطول الأمل فيها إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً أي هو قول القادة للأتباع إن ديننا الحق وإن محمد كذاب ساحر وهذا تنبيه للكفار أن تصير طاعة بعضهم لبعض في الدنيا سبب عداوتهم في الآخرة وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ أي أظهروها وقيل: أخفوها وهو من الأضداد لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا أي في النار الأتباع والمتبوعين جميعا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي من الكفر والمعاصي في الدنيا.
قوله عز وجل وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أي رؤساؤها وأغنياؤها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ وَقالُوا يعني المترفين والأغنياء للفقراء الذين آمنوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً يعني لو لم يكن الله راضيا بما نحن عليه من الدين والعمل الصالح لم يخولنا أموالا ولا أولادا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أي إن الله قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يعني أنه تعالى يبسط الرزق ابتلاء وامتحانا ولا يدل البسط على رضا الله تعالى ولا التضييق على سخطه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي إنها كذلك وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى أي بالتي تقربكم عندنا تقريبا إِلَّا أي لكن مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً قال ابن عباس يريد إيمانه وعلمه يقربه مني فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا أي يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا أي يعملون في إبطال حججنا مُعاجِزِينَ أي معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتنا أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ. قوله عز وجل قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ أي يعطي خلفه إذا كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ويعوضه لا معوض سواه إما عاجلا بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، وإما بالثواب في الآخرة الذي كل خلف دونه، وقيل ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم من خير فهو يخلفه على المنفق. قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقره، ولا يتأولن وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فإن هذا في الآخرة ومعنى الآية ما كان من خلف فهو منه (ق) عن ابن هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«قال الله تبارك وتعالى: أنفق ينفق عليك» ولمسلم «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» (ق) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا» (م) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي خير من يعطي ويرزق لأن كل ما رزق غيره من سلطان يرزق جنده أو سيد يرزق مملوكه أو رجل يرزق عياله فهو من رزق الله أجراه الله على أيدي هؤلاء وهو الرزاق الحقيقي الذي لا رازق سواه. قوله تعالى: