الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحد كقاذف الأجنبي إذا قعد عن إقامة البينة. وعن أبي حنيفة موجب اللعان وقوع الفرقة ونفي النسب وهما لا يحصلان إلا بلعان الزوجين جميعا وقضاء القاضي وفرقة اللعان فرقة فسخ عند الأكثرين وبه قال الشافعي وتلك الفرقة متأبدة حتى لو أكذب الزوج نفسه يقبل ذلك فيما عليه لا فيما له فيلزمه الحد ويلحقه الولد لكن لا يرتفع تأبيد التحريم. وعند أبي حنيفة فرقة اللعان فرقة طلاق فإذا أكذب نفسه جاز له أن ينكحها وإذا أتى ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم وعند أبي حنيفة إذا أتى بأكثر كلمات اللعان قام مقام الكل وكل من صح يمينه صح لعانه حرا كان أو عبدا مسلما كان أو ذميا. وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وبه قال ربيعة ومالك والثوري والشافعي وأكثر أهل العلم. وقال الزهري والأوزاعي وأصحاب الرأي لا يجري اللعان إلا بين مسلمين حرين غير محدودين فإن كان أحد الزوجين رقيقا أو ذميا أو محدودا في قذف فلا لعان بينهما وظاهر القرآن حجة لمن قال: يجري اللعان بينهما لأن الله تعالى قال والذين يرمون أزواجهم ولم يفصل بين الحر والعبد والمحدود وغيره ولا يصح اللعان إلا عند الحاكم أو نائبه ويغلظ اللعان بأربعة أشياء بتعدد الألفاظ وبالمكان والزمان وأن يكون بمحضر جماعة من الناس، أما تعدد الألفاظ فيجب ولا يجوز الإخلال بشيء منها، وأما المكان فهو أن يلاعن في أشرف الأماكن فإن كان بمكة فبين الركن والمقام وإن كان بالمدينة فعند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي سائر البلاد في الجامع عند المنبر، وأما الزمان فهو أن يكون بعد العصر، وأما الجمع فأقله أربعة والتغليظ بالجمع مستحب فلو لاعن الحاكم بينهما وحده جاز وفي التغليظ بالزمان والمكان قولان. قوله تعالى:
[سورة النور (24): الآيات 10 الى 11]
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي لعاجلكم بالعقوبة ولكنه ستر عليكم ودفع عنكم الحد باللعان وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ أي يعود على من يرجع عن المعاصي بالرحمة حَكِيمٌ أي فيما فرضه من الحدود. قوله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ الآيات سبب نزولها ما روي عن ابن شهاب قال حدّثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا. وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا قالوا:
قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيها خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: أقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه قالت:
وأقبل الرهط الذي كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي.
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه
كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين».
وفي رواية «موغرين في نحر الظهيرة قالت فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من النبيّ صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم ثم ينصرف فذلك الذي يريبني منه ولا أشعر بالشر حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب حين فرغنا من شأننا نمشي فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت: أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟ فقالت: يا هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: كيف تيكم قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قال وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت أبوي قالت فقلت لأمي يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به فقالت: يا بنية هوني على نفسك فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت: فقلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي قالت: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال أسامة هم أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال:
أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ قالت له بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي وفي رواية في أهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي قالت: فقام سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل فقال: أنا أعذرتك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج. أمرتنا ففعلنا فيه أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد يعني ابن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت:
وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي قالت فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم جلس ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء قالت فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه. فلما قضى