الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القربان، ثم انعطف إلى أرمينية وبوب الأبواب وبنى السد ودانت له ملوك العراق والنبط والبربر. واستولى على ممالك الفرس ثم مضى إلى الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ثم رجع إلى العراق ومرض بشهرزور ومات بها وحمل إلى حيث هو مدفون وقيل إن عمره كان ألفا وثلاثين سنة ومثل هذا الملك البسيط الذي هو على خلاف العادات وجب أن يبقى ذكره مخلدا على وجه الأرض فذلك قوله سبحانه وتعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً أي خبرا يتضمن حاله. قوله سبحانه وتعالى إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ أي وطأنا له والتمكين تمهيد الأسباب، قال علي سخر الله له السحاب فحمل عليه ومد له في الأسباب، وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء وسهل عليه السير في الأرض وذلل له طريقها. وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ما يحتاج إليه الخلق وكل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء سَبَباً أي علما يتسبب به إلى كل ما يريده ويسير به في أقطار الأرض وقيل بلاغا إلى حيث أراد، وقيل قربنا له أقطار الأرض فَأَتْبَعَ سَبَباً أي سلك طريقا حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي ذات حماة وهي الطينة السوداء، وقرئ حامية أي حارة، وسأل معاوية كعبا: كيف تجد في التوراة تغرب الشمس وأين تغرب؟ قال: نجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين. وقيل يجوز أن يكون معنى في عين حمئة أي عندها عين حمئة، أو في رأي العين، وذلك أنه بلغ موضعا من المغرب لم يبق بعده شيء من العمران فوجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة. كما أن راكب البحر يرى أن الشمس كأنها تغيب في البحر وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً أي عند العين أمة، قال ابن جريج: مدينة لها اثنا عشر ألف باب يقال إنها الجاسوس واسمها بالسريانية حريحسا سكنها قوم من نسل ثمود الذين آمنوا بصالح لولا ضجيج أهلها، لسمع الناس وجبة الشمس حين تجب أي تغيب قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ يستدل بهذا من يزعم أنه كان نبيا فإن الله خاطبه ومن قال إنه لم يكن نبيا قال المراد منه الإلهام وقيل يحتمل أن يكون الخطاب على لسان غيره إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ يعني تقتل من لم يدخل في الإسلام.
وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً يعني تعفو وتصفح وقيل تأسرهم فتعلمهم الهدى، خيره الله سبحانه وتعالى بين الأمرين قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ أي كفر فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ أي نقتله ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ أي في الآخرة فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أي منكرا يعني بالنار لأنها أنكر من القتل وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى أي جزاء أعماله الصالحة وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً أي نلين له القول ونعامله باليسر من أمرنا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي سلك طريقا ومنازل حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً قيل إنهم كانوا في مكان ليس بينهم وبين الشمس ستر من جبل ولا شجر ولا يستقر عليهم بناء، فإذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب لهم تحت الأرض، فإذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم. وقيل إنهم كانوا إذا طلعت الشمس نزلوا في الماء فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فرعوا كالبهائم، وقيل هم قوم عراة يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى، وقيل إنهم قوم من نسل مؤمني قوم هود واسم مدينتهم جابلق واسمها بالسريانية مرقيسيا وهم مجاورون يأجوج ومأجوج. قوله سبحانه وتعالى كَذلِكَ أي كما بلغ مغرب الشمس كذلك بلغ مطلعها، وقيل معناه أنه حكم في القوم الذين هم عند مطلع الشمس كما حكم في القوم الذين عند مغربها وهو الأصح.
وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً أي علما بما عنده ومن معه من الجند والعدة وآلات الحرب، وقيل معناه وقد علمنا حين ملكناه ما عنده من الصلاحية بذلك الملك والاستقلال به والقيام بأمره. قوله عز وجل:
[سورة الكهف (18): الآيات 92 الى 94]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ هما هنا جبلان في ناحية الشمال في منقطع أرض الترك حكي أن الواثق بعث بعض من يثق به من أتباعه إليه ليعاينوه، فخرجوا من باب من الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لبن حديد مشدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً أي أمام السدين قيل هم الترك لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قال ابن عباس: لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ فإن قلت كيف أثبت لهم القول وهم لا يفهمون. قلت تكلم عنهم مترجم ممن هو مجاورهم ويفهم كلامهم، وقيل معناه لا يكادون يفقهون قولا إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها كما يفهم الخرس إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أصلهما من أجيج النار وهو ضوؤها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم، وهم من أولاد يافث بن نوح والترك منهم قيل إن طائفة منهم خرجت تغير فضرب ذو القرنين السد فبقوا خارجه فسموا الترك لذلك لأنهم تركوا خارجين. قال أهل التواريخ: أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام أبو العرب والعجم والروم وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس «هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء» وروى حذيفة مرفوعا «أن يأجوج ومأجوج أمة، وكل أمة أربعة آلاف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر ألف ذكر من صلبه قد حمل السلاح، وهم من ولد آدم يسيرون إلى خراب الدنيا، وقال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية.
وعن علي: منهم من طوله شبر، ومنهم من هو مفرط في الطول. وقال كعب: هم نادرة في ولد آدم وذلك أن آدم احتلم «1» ذات يوم، وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز. فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله سبحانه وتعالى إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس. يقال له ناسك، والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض إحداهما في القطر الأيمن يقال لها هاويل، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها تأويل، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج. فقال ذو القرنين بأي قوة أكابدهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم؟
فقال الله تعالى إني سأقويك وأبسط لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك، فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك. فانطلق حتى أتى مغرب الشمس، فوجد جمعا وعددا لا يحصيهم إلا الله تعالى فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد، فدعاهم إلى الله تعالى وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب جندا عظيما وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم، حتى أتى هاويل ففعل فيهم كفعله في ناسك ثم مضى حتى أتى منسك ففعل فيهم كفعله في الأمتين، وجند منهم جندا عظيما ثم أخذ ناحية اليسرى فأتى تأويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض. فلما كان فيما يلي منقطع الترك مما يلي المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس: يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلق في الأرض، وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا شك أنهم يتملكون الأرض ويظهرون عليها
(1). قوله. احتلم، هذا مردود فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الشيطان، والاحتلام من الشيطان اهـ من هامش.