الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثواب وعقاب. وهذا قول الضحاك. وقال الكلبي: يكتب القول كله حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب. وقال ابن عباس: هو الرجل يعمل بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلاله فهو الذي يمحو والذي يثبت هو الرجل يعمل بطاعة الله ثم يموت، وهو في طاعته فهو الذي يثبت، وقال الحسن: يمحو الله ما يشاء يعني من جاء أجله فيذهبه ويثبت من لم يجيء أجله وقال سعيد بن جبير يمحو الله ما يشاء من ذنوب عباده فيغفرها ويثبت ما يشاء منها فلا يغفرها. وقال عكرمة: يمحو الله ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويثبت بدل الذنوب حسنات. وقال السدي: يمحو الله ما يشاء يعني القمر ويثبت الشمس. وقال الربيع: هذا في الأرواح يقبضها الله عند النوم فمن أراد موته محاه وأمسكه، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه، وقيل: إن الله يثبت في أول كل سنة حكمها فإذا مضت السنة محاه وأثبت حكما آخر للسنة المستقبلة وقيل: يمحو الله الدنيا ويثبت الآخرة. وقيل: هو في المحن والمصائب فهي مثبتة في الكتاب ثم يمحوها بالدعاء والصدقة. وقيل: إن الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء لا اعتراض لأحد عليه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فان قلت مذهب أهل السنة أن المقادير سابقة وقد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فكيف يستقيم مع هذا المحو والإثبات. قلت:
المحو والإثبات مما جف به القلم وسبق به القدر فلا يمحو شيئا ولا يثبت شيئا إلا ما سبق به علمه في الأزل وعليه يترتب القضاء والقدر.
مسألة: استدلت الرافضة على مذهبهم في البداء بهذه الآية: قالوا: إن البداء جائز على الله وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له خلاف ما اعتقده وتمسكوا بقوله يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ والجواب عن هذه المسألة أن هذا مذهب باطل ظاهر الفساد لأن علم الله قديم أزلي، وهو من لوازم ذاته المخصوصة، وما كان كذلك كان دخول التغيير والتبديل فيه محالا كذا ذكره الإمام فخر الدين الرازي في تفسير هذه الآية. وقوله تعالى وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ يعني أصل الكتاب، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدل، وسمي اللوح المحفوظ أم الكتاب لأن جميع الأشياء مثبتة فيه ومنه تنسخ الكتب المنزلة، وقيل: إن العلوم كلها تنسب إليه وتتولد منه، قال ابن عباس: هما كتابان كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء وأم الكتاب الذي لا يغير شيء منها وروى عطية عن ابن عباس قال: إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوتة، لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب، وسأل ابن عباس كعبا عن أم الكتاب فقال: علم الله ما هو خالق وما خلقه وما هم عاملون.
[سورة الرعد (13): الآيات 40 الى 43]
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43)
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ يعني يا محمد بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يعني من العذاب أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ يعني قبل أن نريك ذلك فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ يعني ليس عليك إلا تبليغ الرسالة إليهم والبلاغ اسم أقيم مقام التبليغ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ يعني وعلينا أن نحاسبهم يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم. قوله عز وجل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها يعني أو لم ير كفار مكة الذين سألوا محمدا صلى الله عليه وسلم الآيات أنا نأتي الأرض يعني أرض الشرك ننقصها من أطرافها. قال أكثر المفسرين: المراد منه فتح دار الشرك فإن ما زاد في دار الإسلام فقد نقص في دار الشرك والمعنى أو لم يروا أنا نأتي الأرض فنفتحها لمحمد صلى الله عليه وسلم أرضا بعد أرض حوالى أراضيهم أفلا يعتبرون،
فيتعظون وهذا قول ابن عباس وقتادة وجماعة من المفسرين: وذلك أن المسلمين إذا استولوا على بلاد الكفار قهرا وتخريبا كان ذلك نقصانا في ديارهم، وزيادة في ديار المسلمين، وقوتهم وكان ذلك من أقوى الدلائل على أن الله تعالى ينصر عبده ويعز جنده ويظهر دينه، وينجز له ما وعده. وقيل: هو خراب الأرض والمعنى أو لم يروا أنا نأتي الأرض فنخربها ونهلك أهلها أفلا يخافون أن نفعل بهم مثل ذلك، وقال مجاهد: هو خراب الأرض وقبض أهلها. وعن عكرمة والشعبي نحوه وهذا القول قريب من الأول وقال عطاء وجماعة من المفسرين نقصانها موت العلماء وذهب الفقهاء (ق) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، وفي رواية من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» قال الحسن قال عبد الله بن مسعود: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار، وقال عبد الله أيضا: عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله، وقال سليمان: لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر فإذا هلك الأول ولم يتعلم الآخر هلك الناس. وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: هلاك العلماء. فعلى هذا القول فالمراد بالأطراف العلماء، والأشراف من الناس: حكى الجوهري عن ثعلب قال: الأطراف الأشراف. واستدل الواحدي لهذه اللغة بقول الفرزدق:
واسأل بنا وبكم إذا وردت مني
…
أطراف كل قبيلة من يتبع
قال: يريد أشراف كل قبيلة. قال الواحدي: والتفسير على القول الأول أولى لأن هذا وإن صح فلا يليق بهذا الموضع. قال الإمام فخر الدين الرازي: ويمكن أن يقال أيضا إن هذا الوجه لا يليق بهذا الموضع وتقديره أن يقال: أو لم يروا أن كل ما يحدث في الدنيا من الاختلاف خراب بعد عمارة وموت بعد حياة وذل بعد عز ونقص بعد كمال وإذا كانت هذه التغييرات مشاهدة محسوسة فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله الأمر على هؤلاء الكفرة، فيجعلهم ذليلين بعد ما كانوا عزيزين ومقهورين بعد أن كانوا قاهرين، وعلى هذا الوجه أيضا يجوز إيصال الكلام بما قبله. وقوله تعالى وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ يعني لا رادّ لحكمه ولا ناقض لقضائه، والمعقب هو الذي يعقب غيره بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق: معقب، لأنه يعقب غريمه بالاقتضاء والطلب والمعنى: والله يحكم نافذا حكمه خاليا من المدافع والمعارض والمنازع لا يتعقب حكمه أحد غيره بتغيير، ولا نقض وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ قال ابن عباس: يريد سريع الانتقام ممن حاسبه للمجازاة بالخير والشر فمجازاة الكفار بالانتقام منهم، ومجازاة المؤمنين بإيصال الثواب إليهم، وقد تقدم بسط الكلام في معنى سريع الحساب قبل هذا وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من قبل مشركي مكة من الأمم الماضية، الذين مكروا بأنبيائهم والمكر إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر مثل ما مكر نمرود بإبراهيم وفرعون بموسى واليهود بعيسى، فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يعني عند الله جزاء مكرهم. وقال الواحدي: يعني جميع مكر الماكرين له ومنه أي هو من خلقه وإرادته فالمكر جميعا مخلوق له بيده الخير والشر وإليه النفع والضر. والمعنى أن المكر لا يضر إلا بإذنه وإرادته، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وأمان له من مكرهم كأنه قيل: قد فعل من كان قبلهم من الكفار مثل فعلهم وصنعوا مثل صنيعهم، فلم يضروا إلا من أراد الله ضره، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله لا من أحد من المخلوقين يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ يعني أن جميع اكتساب العباد وتأثيراتها معلومة لله هو خالقها أو خلاف المعلوم ممتنع الوقوع وإذا كان كذلك فكل ما علم وقوعه فهو واجب الوقوع وكل ما علم عدمه كان ممتنع الوقوع وإذا كان كذلك فلا قدرة للعبد على الفعل والترك، فكان الكل من الله ولا يحصل ضررا إلا بإذنه وإرادته، وفيه وعيد للكفار الماكرين وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ على التوحيد وقرئ وسيعلم الكفار على الجمع.
قال ابن عباس: يعني أبا جهل. وقيل: أراد المستهزئين وهم خمسة نفر من كفار مكة لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ
والمعنى أنهم وإن كانوا جهالا بالعواقب فسيعلمون أن العاقبة الحميدة للمؤمنين، ولهم العاقبة المذمومة في الآخرة حين يدخلون النار، ويدخل المؤمنون الجنة قوله تعالى وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا لما أنكر الكفار كون محمد رسولا من عند الله أمره الله بقوله قُلْ أي قل: يا محمد لهؤلاء الكفار الذين أنكروا نبوتك كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ المراد بشهادة الله على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما أظهر على يديه من المعجزات الباهرات والآيات القاهرات الدالة على صدقه، وكونه نبيا مرسلا من عند الله وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ يعني ومن عنده علم الكتاب أيضا يشهد على نبوتك يا محمد وصحتها. واختلفوا في الذي عنده علم الكتاب من هو فروى العوفي عن ابن عباس أنهم علماء اليهود والنصارى، والمعنى أن كل من كان عالما من اليهود بالتوراة ومن النصارى بالإنجيل علم أن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من الله لما يجد من الدلائل الدالة على نبوته فيهما شهد بذلك من شهد به وأنكره من أنكره منهم، وقيل: إنهم مؤمنوا أهل الكتاب يشهدون أيضا على نبوته. قال قتادة: هو عبد الله بن سلام، وأنكر الشعبي هذا وقال: هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة المنورة وقال يونس لسعيد بن جبير ومن عنده علم الكتاب أهو عبد الله بن سلام؟ فقال: كيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية؟
وقال الحسن ومجاهد ومن عنده علم الكتاب هو الله تعالى. وعلى هذا القول يكون المعنى: كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيدا بيني وبينكم. قال الزجاج: الأشبه أن الله لا يشهد على صحة حكمه لغيره. وهذا قول مشكل لأن عطف الصفة على الموصوف وإن كان جائزا إلا أنه خلاف الأصل. فلا يقال شهد بهذا زيد والفقيه. بل يقال: شهد بهذا زيد الفقيه لكن يشهد لصحة هذا القول قراءة من قرأ ومن عنده علم الكتاب بكسر الميم والدال، وهي قراءة ابن عباس وغيره على البناء للمفعول والمعنى ومن عند الله علم الكتاب ودليل هذه القراءة قوله وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً وقيل: معناه إن من علم أن القرآن الذي جئتكم به معجز ظاهر وبرهان باهر لما فيه من الفصاحة والبلاغة والإخبار عن الغيوب، وعن الأمم الماضية فمن علم بهذه الصفة كان شهيدا بيني وبينكم والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.