الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيركم أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر، ومقصود الآية الرد على المشركين، حيث قالوا ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله فنحن نعبد المقربين إليه، وهم الملائكة. ثم إنهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالا وصورة وقد اشتغلوا بعبادته فاحتج على بطلان قولهم بهذه الآية وبين عجز آلهتهم ثم قال تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ أي الذين يدعون المشركون آلهة يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أي القربة والدرجة العليا. قال ابن عباس:
هم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم. وقال عبد الله بن مسعود: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم أولئك الجن، ولم يعلم الإنس بذلك فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية. قوله تعالى أَيُّهُمْ أَقْرَبُ معناه، ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به، وقيل: أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله، ويتقرب إليه بالعمل الصالح وازدياد الخير والطاعة وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ أي جنته وَيَخافُونَ عَذابَهُ وقيل: معناه يرجون ويخافون كغيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً أي حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرب، ونبي مرسل فضلا عن غيرهم من الخلائق. قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الإسراء (17): الآيات 58 الى 64]
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَاّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَاّ تَخْوِيفاً (59) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَاّ طُغْياناً كَبِيراً (60) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَاّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَاّ قَلِيلاً (62)
قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَاّ غُرُوراً (64)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أي بالموت والخراب أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً أي بالقتل وأنواع العذاب إذا كفروا وعصوا، وقيل: الإهلاك في حق المؤمنين الإماته وفي حق الكفار العذاب قال عبد الله بن مسعود: إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله في هلاكها كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ أي في اللوح المحفوظ مَسْطُوراً أي مكتوبا مثبتا. عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب فقال: ما أكتب قال: القدر وما هو كائن إلى يوم القيامة إلى الأبد» أخرجه الترمذي.
قوله سبحانه وتعالى وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ قال ابن عباس «سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وفضة وأن ينحي الجبال عنهم ليزرعوا فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت أن أستأني بهم فعلت وإن شئت أن أوتيهم ما سألوا فعلت، فإن لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل تستأني بهم» فأنزل الله عز وجل وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ أي التي سألها الكفار قومك إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ أي فأهلكناهم فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكناهم، لأن من سنتنا في الأمم إذا سألوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها أن نهلكهم ولا نمهلهم وقد حكمنا بإمهال هذه الأمة إلى يوم القيامة، ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فأهلكوا فقال تعالى وَآتَيْنا
ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً
أي بينة، وذلك لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم فَظَلَمُوا بِها أي جحدوا أنها من عند الله. وقيل: فظلموا أنفسهم بتكذيبها فعاجلناهم بالعقوبة وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة إِلَّا تَخْوِيفاً أي وما نرسل بالآيات إلا تخويفا من العذاب، فإن لم يخافوا وقع عليهم. وقيل: معناه وما نرسل بالآيات يعني العبر والدلالات، إلا تخويفا أي إنذارا بعذاب الآخرة إن لم يؤمنوا فإن الله سبحانه وتعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون. قوله عز وجل وَإِذْ قُلْنا لَكَ أي واذكر يا محمد إذ قلنا لك إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ أي إن قدرته محيطة بهم فهم في قبضته وقدرته لا يقدرون على الخروج من مشيئته وإذا كان الأمر كذلك فهم لا يقدرون على أمر من الأمور إلا بقضائه وقدره وهو حافظك ومانعك منهم، فلا تهبهم وامض لما أمرك من التبليغ للرسالة، فهو ينصرك ويقويك على ذلك وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ الأكثرون من المفسرين على أن المراد منها ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات. قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وهي ليلة أسري به إلى بيت المقدس أخرجه البخاري. وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج وغيرهم. والعرب تقول: رأيت بعيني رؤية ورؤيا فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا فكانت فتنة للناس، وازداد المخلصون إيمانا. وقال قوم: أسري بروحه دون جسده وهو ضعيف. وقال قوم كان له معراجان: معراج رؤية عين في اليقظة ومعراج رؤيا منام. وقيل: أراد بهذه الرؤيا ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، أنه دخل مكة هو وأصحابه فعجل المسير إلى مكة قبل الأجل، فصده المشركون فرجع إلى المدينة فكان رجوعه في ذلك العام بعد ما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم، ثم دخل مكة في العام المقبل وأنزل الله عز وجل لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة فساءه ذلك. فإن اعترض معترض على هذا التفسير وقال السورة مكية وهاتان الواقعتان كانتا بالمدينة أجيب بأنه لا إشكال فيه فإنه لا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك بمكة، ثم كان ذلك حقيقة بالمدينة وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يعني شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى في سورة الصافات والعرب تقول لكل طعام كريه: طعام ملعون، والفتنة فيها أن أبا جهل قال: إن ابن أبي كبشة يعني النبي صلى الله عليه وسلم توعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنه تنبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجر. وقيل: إن عبد الله بن الزبعري قال: إن محمدا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر، فقال أبو جهل: يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بزبد وتمر فقال يا قوم فإن هذا ما يخوفكم به محمد، فأنزل الله سبحانه وتعالى حين عجبوا أن يكون في النار شجر إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ الآيات. فإن قلت: أين لعنت شجرة
الزقوم في القرآن؟ قلت: لعنت حيث لعن الكفار الذين يأكلونها لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن، وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز. وقيل وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة، وهي في أصل جهنم في أبعد مكان من الرحمة، وقال ابن عباس: في رواية عنه إن الشجرة الملعونة هي الكشوث الذي يلتوي على الشجر والشوك فيجففه وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ أي التخويف إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً أي تمردا وعتوا عظيما قوله سبحانه وتعالى وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً أي من طين وذلك أن آدم خلق من تراب الأرض من عذبها وملحها، فمن خلق من العذب فهو سعيد ومن خلق من الملح فهو شقي قالَ يعني إبليس أَرَأَيْتَكَ الكاف للمخاطب والمعنى أخبرني هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أي فضلته لَئِنْ أَخَّرْتَنِ أي أمهلتني إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أي لأستأصلنهم بالإضلال. وقيل: معناه لأقودنهم كيف شئت. وقيل:
لأستولين عليهم بالإغواء إِلَّا قَلِيلًا يعني المعصومين الذي استثناهم الله تعالى في قوله إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قالَ الله تعالى اذْهَبْ أي امض لشأنك وليس هو من الذهاب الذي هو ضد المجيء فَمَنْ