الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرون الماضية فيعتبرون بها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ المعنى أن عمى القلب هو الضار في أمر الدين لا عمى البصر لأن البصر الظاهر بلغة ومتعة وبصر القلوب النافع وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ نزلت في النضر بن الحارث وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ أي إنه أنجز ذلك يوم بدر وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال ابن عباس: يعني يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وقيل يوما من أيام الآخرة يدل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة» أخرجه أبو داود بزيادة فيه وأخرج الترمذي نحوه ومعنى الآية أنهم يستعجلون بالعذاب وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة. وقيل إن يوما من أيام العذاب في الثقل والاستطالة كألف سنة فكيف يستعجلونه وقيل معناه أن يوما عنده وألف سنة في الإمهال سواء لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلونه من العذاب وتأخيره وهذا معنى قول ابن عباس.
[سورة الحج (22): الآيات 48 الى 52]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَاّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها يعني أمهلتها وَهِيَ ظالِمَةٌ يعني مع استمرار أهلها على الظلم ثُمَّ أَخَذْتُها يعني أنزلت بهم العذاب وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ يعني مصيرهم إلي في الآخرة ففيه وعيد وتهديد. قوله عز وجل قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أمر رسول الله أن يديم لهم التخويف والإنذار وأن يقول لهم إنما بعثت لكم منذرا فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ لما أمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول «إنما أنا نذير مبين» أردف ذلك بأن أمره بوعد من آمن ووعيد من عصى فقال «فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة» يعني ستر لصغائر ذنوبهم وقيل للكبائر أيضا مع التوبة ورزق كريم يعني لا ينقطع أبدا وقيل هو الجنة وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا يعني عملوا في إبطال آياتنا مُعاجِزِينَ يعني مثبطين الناس عن الإيمان وقرئ معاجزين يعني معاندين مشاقين وقيل معناه ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا ويفوتوننا فلا نقدر عليهم بزعمهم أن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ قال ابن عباس وغيره من المفسرين: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تعالى تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم فكان يوما في مجلس لقريش فأنزل الله عز وجل سورة والنجم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ «أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى» ألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى. فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد غير الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمد نصيبا فنحن معه فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه
جبريل فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله تعالى فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله تعالى خوفا كبيرا فأنزل الله تعالى هذه الآية يعزيه وكان به رحيما وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم. وبلغهم سجود قريش وقيل قد أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا: هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا يحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد منهم إلّا بجوار أو مستخفيا. فلما نزلت هذه الآية قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم وقوله وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ الرسول هو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا وَلا نَبِيٍّ النبي هو الذي تكون نبوته إلهاما، أو مناما فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا إلا إذا تمنى يعني أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه مما لم يؤمر به أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ يعني في مراده وقال ابن عباس: إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه ووجد إليه سبيلا. والمعنى ما من نبي «إلا تمنى» أن يؤمن قومه ولم يتمن ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضى قومه فينسخ الله ما يلقي الشيطان. وقال أكثر المفسرين معنى تمنى قرأ وتلا كتاب الله ألقى الشيطان في أمنيته يعني في تلاوته قال
حسان في عثمان حين قتل:
تمنى كتاب الله أول ليلة
…
وآخرها لاقى حمام المقادر
فإن قلت: قد قامت الدلائل على صدقة وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا قال الله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى وقال تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فكيف يجوز الغلط على النبيّ صلى الله عليه وسلم في التلاوة وهو معصوم منه؟. قلت ذكر العلماء عن هذا الإشكال أجوبة: أحدها: توهين أصل هذه القصة وذلك أنه لم يروها أحد من أهل الصحة ولا أسندها ثقة بسند صحيح أو سليم متصل وإنما رواها المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب الملفقون من الصحف كل صحيح وسقيم والذي يدل على ضعيف هذه القصة اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها فقائل يقول إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في الصلاة وآخر يقول قرأها وهو في نادي قومه وآخر يقول قرأها وقد أصابته سنة وآخر يقول بل حدث نفسه بها فجرى ذلك على لسانه وآخر يقول إن الشيطان قالها على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا عرضها على جبريل قال ما هكذا أقرأتك إلى غير ذلك من اختلاف ألفاظها والذي جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته قال عبد الله فلقد رأيته بعد قتل كافرا». أخرجه البخاري ومسلم وصح من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس» . رواه البخاري فهذا الذي جاء في الصحيح لم يذكر فيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر تلك الألفاظ ولا قرأها والذي ذكره المفسرون عن ابن عباس في هذه القصة. فقد رواه عنه الكلبي وهو ضعيف جدا فهذا توهين هذه القصة الجواب الثاني: وهو من حيث المعنى هو أنّ الحجة قد قامت بالدليل الصحيح وإجماع الأمة على عصمة النبيّ صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة وهو تمنيه أن ينزل عليه مدح إله غير الله أو أن يتسور عليه الشيطان ويشبه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه حتى نبهه جبريل عن ذلك فهذا كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل «ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين» . الآية الجواب الثالث: في تسليم وقوع هذه القصة وسبب سجود الكفار أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ يرتل القرآن ترتيلا ويفصل الآي تفصيلا كما صح عنه في قراءته فيحتمل أن الشيطان ترصد لتلك السكنات فدس فيها ما اختلقه من تلك الكلمات محاكيا لصوت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسمعه من دنا منه من الكفار فظنوها من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم فسجدوا معه لسجوده فأما المسلمون فلم يقدح ذلك عندهم لتحققهم من حال النبيّ صلى الله عليه وسلم ذم الأوثان وعيبها وإنهم كانوا يحفظون السورة كما