الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال، بحيث تدل على الصانع وقدرته ولطيف حكمته فكأنها تنطق بذلك، ويصير لها بمنزلة التسبيح والقول الأول أصح كما دلت عليه الأحاديث، وأنه منقول عن السلف. واعلم أن لله تعالى علما في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن نكل علمه إليه. وقوله تعالى وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أي لا تعلمون ولا تفهمون تسبيحهم، ما عدا من يسبح بلغتكم ولسانكم إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وجهلكم بالتسبيح. قوله عز وجل وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً أي يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به، وقيل: معناه مستورا عن أعين الناس فلا يرونه كما روي عن سعيد بن جبير أنه قال: «لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر فلم تره فقالت لأبي بكر: أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني فقال لها أبو بكر والله ما ينطق بالشعر، ولا يقوله فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول الله. قال: لا لم يزل ملك بيني وبينها» وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي أغطية أَنْ يَفْقَهُوهُ أي لئلا يفهموه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أي ثقلا لئلا يسمعوه وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ يعني إذا قلت لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً جمع نافر.
[سورة الإسراء (17): الآيات 47 الى 57]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَاّ قَلِيلاً (52) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56)
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أي من الهزء بك وبالقرآن وقيل: معناه نحن أعلم بالوجه الذي يستمعون به وهو التكذيب إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أي وأنت تقرأ القرآن وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي وبما يتناجون به في أمرك، وقيل: معناه ذوو نجوى بعضهم يقول: هو مجنون وبعضهم يقول هو كاهن وبعضهم يقول ساحر أو شاعر إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً أي مطبوبا وقيل مخدوعا وقيل: معناه أنه سحر فجن. وقيل: هو من السحر وهو الرئة، ومعناه أنه بشر مثلكم يأكل ويشرب قال الشاعر:
أرانا موضعين لأمر غيب
…
ونسخر بالطعام وبالشراب
أي يغذى بهما انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ أي الأشباه فقالوا: ساحر شاعر كاهن مجنون فُضِّلُوا أي في جميع ذلك وحاروا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا أي إلى طريق الحق وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً أي بعد الموت وَرُفاتاً أي ترابا وقيل: الرفات هي الأجزاء المتفتتة من كل شيء تكسر أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً فيه أنهم استبعدوا الإعادة بعد الموت والبلى. فقال سبحانه وتعالى ردا عليهم قُلْ أي قل يا محمد كُونُوا حِجارَةً
أي في الشدة أَوْ حَدِيداً أي في القوة وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيزي أي استشعروا في قلوبكم، أنكم حجارة أو حديد في القوة أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قيل: يعني السماء والأرض والجبال لأنها أعظم المخلوقات. وقيل: يعني به الموت لأنه لا شيء في نفس ابن آدم أكبر من الموت، ومعناه لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا أي من يبعثنا بعد الموت قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أي خلقكم أَوَّلَ مَرَّةٍ فمن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ أي يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بما تقول وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ يعني البعث والقيامة قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً أي هو قريب يَوْمَ يَدْعُوكُمْ أي من قبوركم إلى موقف القيامة فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ قال ابن عباس: بأمره وقيل بطاعته وقيل مقرين بأنه خالقهم وباعثهم ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد، وقيل: هذا خطاب مع المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ أي في الدنيا وقيل في القبور إِلَّا قَلِيلًا وذلك لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر ألوفا من السنين، عد ذلك قليلا بنسبة مدة القيامة والخلود في الآخرة، وقيل: إنهم يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة. قوله سبحانه وتعالى وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المسلمين، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل. وقل لعبادي يقولوا يعني للكفار التي هي أحسن، أي لا يكافئوهم على سفههم بل يقولون لهم يهديكم الله وكان هذا قبل الإذن في القتال والجهاد. وقيل: نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أنه شتمه بعض الكفار، فأمره الله بالعفو. وقيل: أمر الله المؤمنين أن يقولوا ويفعلوا الخلة التي هي أحسن وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أي يفسد ويلقي العداوة بينهم إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً أي ظاهر العداوة. قوله عز وجل: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أي يوفقكم للإيمان فتؤمنوا أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ أي يميتكم على الشرك فتعذبوا، وقيل معناه إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة، وإن يشأ يعذبكم أي يسلطهم عليكم وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا أي حفيظا وكفيلا قيل: نسختها آية القتال وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع الموجودات والمعدومات ومتعلق بجميع ذات الأرضين والسموات، ويعلم حال كل أحد ويعلم ما يليق به من المصالح والمفاسد وقيل: معناه أنه عالم بأحوالهم واختلاف صورهم وأخلاقهم ومللهم وأديانهم وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وذلك أنه اتخذ إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما، وقال لعيسى: كن فكان وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبورا وذلك قوله تعالى وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً وهو كتاب أنزله الله على داود يشتمل على مائة وخمسين سورة، كلها دعاء وثناء على الله تعالى وتحميد وتمجيد ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود ولا أحكام. فإن قلت: لم خص داود في هذه الآية بالذكر دون غيره من الأنبياء؟ قلت: فيه وجوه: أحدها أن الله ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض ثم قال تعالى: وآتينا داود زبورا وذلك أن داود أعطي مع النبوة الملك، فلم يذكره بالملك وذكر ما آتاه من الكتاب تنبيها على أن الفضل المذكور في هذه الآية المراد به العلم لا الملك والمال. الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى كتب له في الزبور أن محمدا خاتم الأنبياء، وأن أمته خير الأمم فلهذا خصه بالذكر. الوجه الثالث: أن اليهود زعمت أن لا نبي بعد موسى، ولا كتاب
بعد التوراة فكذبهم الله بقوله: وآتينا داود زبورا ومعنى الآية أنكم لن تنكروا تفضيل النبيين، فكيف تنكرون تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن وأن الله آتى موسى التوراة، وداود الزبور وعيسى الإنجيل فلم يبعد أن يفضل محمدا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قوله عز وجل قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ وذلك أن الكفار أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف، فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم فقال الله عز وجل: قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ أي الجوع والقحط وَلا تَحْوِيلًا أي إلى