الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله وربما كان الدخول في ذلك المباح سلما إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين وهو إنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال الله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وقال لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ فإن قلت فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيدا بإمساكها. قلت: هو أن الله تعالى أعلم نبيه أنها زوجته فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، عن طلاقها وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشي قول الناس يتزوج امرأة ابنه فأمره الله تعالى بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته، وقيل: كان في أمره بإمساكها قمعا للشهوة وردا للنفس عن هواها وهذا إذا جوزنا القول المتقدم الذي ذكره المفسرون وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد، ومثل ذلك لا يقدح في حال الأنبياء، مع أن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء، وأنه رآها فجأة فاستحسنها ومثل هذه لا نكرة فيه لما طبع عليه البشر من استحسان الحسن، ونظرة الفجأة معفو عنها ما لم يقصد مأثما لأن الود وميل النفس من طبع البشر والله أعلم.
وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أمر بالمعروف، وهو حسن لا إثم فيه وقوله وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه الصلاة والسلام، قد قال أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولكنه لما ذكر الخشية من الناس، ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال في جميع الأشياء. قوله عز وجل فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي حاجته منها، ولم يبق له فيها أرب وتقاصرت همته عنها وطابت عنها نفسه وطلقها، وانقضت عدتها وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول بها زَوَّجْناكَها قال أنس:
كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، وقال الشعبي:«كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك بثلاث ما من امرأة من نسائك تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وإن السفير جبريل عليه السلام» (م) عن أنس قال لما انقضت عدة زينب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لزيد: اذهب فاذكرها على قال فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت يا زينب أرسل رسول الله يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن قال: فلقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار فخرج الناس، وبقي أناس يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أم غيري قال فانطلق حتى دخل البيت، وذهبت لأدخل معه فألقى الستر بيني وبينهم ونزل الحجاب (ق) عن أنس قال ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه، ما أولم على زينب أولم بشاة وفي رواية أكثر وأفضل، ما أولم على زينب قال ثابت: بم أولم قال أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه. قوله عز وجل لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ أي إثم فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ جمع الدعي وهو المتبني إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً يقول: يقول زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي كنت تبنيته، ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبني بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أي قضاء الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى:
[سورة الأحزاب (33): الآيات 38 الى 44]
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَاّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44)
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ أي فيما أحل الله له من النكاح، وغيره سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ معناه سن الله سنة في الأنبياء، وهو أن لا حرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح، وغيره فإنه كان لهم الحرائر والسراري فقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية فكذلك سن لمحمد صلى الله عليه وسلم في التوسعة عليه كما سن لهم ووسع عليهم وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً يعني قضاء مقضيا أن لا حرج على أحد فيما أحل له ثم أثنى الله على الأنبياء بقوله الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ يعني فرائض الله وسننه وأوامره ونواهيه إلى من أرسلوا إليهم وَيَخْشَوْنَهُ يعني يخافونه وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ يعني لا يخافون قالت: الناس ولائمتهم فيما أحل لهم وفرض عليهم وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي حافظا لأعمال خلقه ومحاسبهم. قوله عز وجل ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال: الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه فأنزل الله ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ يعني زيد بن حارثة والمعنى أنه لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح. فإن قلت: قد كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وقال للحسن: إن ابني هذا سيد. قلت: قد أخرجوا من حكم النفي بقوله من رجالكم وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال وقيل: أراد بالرجال الذي لم يلدهم وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ أي إن كل رسول هو أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ختم الله به النبوة فلا نبوة بعده أي ولا معه قال ابن عباس:
يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا ويكون بعده نبيا وعنه قال: إن الله لما حكم أن لا نبي بعده، لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أي دخل في علمه أنه لا نبي بعده. فإن قلت: قد صح أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان بعده وهو نبي قلت إن عيسى عليه السلام ممن نبيء قبله وحين ينزل في آخر الزمان ينزل عاملا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ومصليا إلى قبلته كأنه بعض أمته (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» وعن جابر نحوه وفيه جئت فختمت الأنبياء (ق) عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر بي وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي» وقد سماه الله رؤوفا رحيما (م) عن أبي موسى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي، لنا نفسه أسماء فقال «أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفي وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة» المقفي هو المولى الذاهب، يعني آخر الأنبياء المتبع لهم فإذا قفي فلا نبي بعده.
قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً قال ابن عباس: لم يفرض الله عز وجل على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها فقال تعالى فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ وقال تعالى اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً يعني بالليل والنهار في البر والبحر وفي الصحة والسقم وفي السر والعلانية، وقيل الذكر الكثير أن لا ينساه أبدا وَسَبِّحُوهُ معناه إذا ذكرتموه ينبغي لكم أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء بُكْرَةً وَأَصِيلًا فيه إشارة إلى المداومة لأن ذكر الطرفين يفهم منه