الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه رواية مسلم وأخرجه الترمذي مختصرا وفيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسرى به ملجما مسرجا، فاستصعب عليه فقال له جبريل أبمحمد تفعل هكذا ما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا» وأخرجه النسائي مختصرا، والمعنى واحد وفي آخره قال: فرجعت إلى ربي فسألته التخفيف فقال إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فخمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك، فعرفت أن أمر الله جرى بقول حتم فلم أرجع.
فصل
قال البغوي: قال بعض أهل الحديث ما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديث شريك بن أبي نمر عن أنس، وأحال الأمر فيه على شريك وذلك أنه ذكر فيه إن ذلك كان قبل الوحي، واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثنتي عشرة سنة وفيه أن الجبار تبارك وتعالى دنا فتدلى وذكرت عائشة أن الذي تدلى هو جبريل عليه السلام. قال البغوي: وهذا الاعتراض عندي لا يصح لأن هذا كان رؤيا في النوم أراه الله ذلك قبل أن يوحى إليه بدليل آخر الحديث، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي، وقبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه التي رآها من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة، ثم كان تحقيقها سنة ثمان، ونزل قوله سبحانه وتعالى: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق. وقال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى في كتابه شرح مسلم: قد جاء من رواية شريك في هذا الحديث أوهام أنكرها عليه العلماء وقد نبه مسلم على ذلك بقوله قدم وأخر وزاد ونقص منها قوله وذلك قبل أن يوحى إليه وهو غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهرا.
وقال الحربي: كانت ليلة الإسراء ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة. وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. وقال ابن إسحاق: أسري به صلى الله عليه وسلم وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل. قال الشيخ محيي الدين: وأشبه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق وأما قوله في رواية شريك وهو نائم وفي الرواية الأخرى بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم، ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة كلها هذا كلام القاضي عياض، وهذا الذي قاله في رواية شريك وأن أهل العلم قد أنكروها قد قاله غيره، وقد ذكر البخاري في رواية شريك هذه عن أنس في كتاب التوحيد من صحيحه، وأتى بالحديث مطولا. قال الحافظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس قد زاد فيه زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين، والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعول عليها.
فصل
في شرح بعض ألفاظ حديث المعراج وما يتعلق به، كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة يقال كانت في رجب ويقال في رمضان وقد تقدم زيادة على هذا القدر في الفصل الذي قبل هذا واختلف الناس في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقيل: إنما كان ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس، ومعظم السلف وعامة الخلف من المتأخرين والفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ولفظ العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، والأحاديث الصحيحة التي تقدمت تدل على صحة هذا القول لمن طالعها، وبحث عنها وحكى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن حذيفة أنه قال: كل ذلك كان رؤيا وأنه ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أسري بروحه. وحكي هذا القول عن عائشة
أيضا وعن معاوية ونحوه والصحيح ما عليه جمهور العلماء من السلف والخلف والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم أتيت بالبراق هو اسم للدابة التي ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به واشتقاقه من البرق لسرعته، أو لشدة صفائه وبياضه ولمعانه وتلألؤه ونوره والحلقة بإسكان اللام، ويجوز فتحها والمراد بربط البراق بالحلقة الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وإن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله تعالى وقوله جاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فيه اختصار والتقدير، قال لي اختر فاخترت اللبن وهو قول جبريل اخترت الفطرة يعني فطرة الإسلام، وجعل اللبن علامة للفطرة الصحيحة السليمة لكونه سهلا طيبا سائغا للشاربين وأنه سليم العاقبة، بخلاف الخمر فإنها أم الخبائث وجالبة لأنواع الشر. قوله: ثم عرج بي حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل: من أنت قال: جبريل فيه بيان الأدب لمن استأذن وأن يقول: أنا فلان ولا يقول: أنا فإنه مكروه وفيه أن للسماء أبوابا وبوابين وأن عليها حرسا وقول بواب السماء وقد أرسل إليه، وفي الرواية الأخرى وقد بعث إليه معناه للإسراء وصعوده السماء وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة هذا هو الصحيح في معناه، وقيل غيره وقوله فإذا أنا بآدم وذكر جماعة من الأنبياء فيه استحباب لقاء أهل الفضل والصلاح بالبشر والترحيب والكلام اللين الحسن، وإن كان الزائر أفضل من المزور وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه من الإعجاب، وغيره من أسباب الفتنة وقوله فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور فيه دليل على جواز الاستناد إلى القبلة، وتحويل ظهره إليها. وقوله ثم ذهب بي إلى السدرة هكذا، وقع في هذه الرواية السدرة بالألف واللام وفي باقي الروايات إلى سدرة المنتهى قال ابن عباس وغيره من المفسرين: سميت بذلك لأن علم الملائكة ينتهي إليها. ولم يجاوزها أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن مسعود: سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها، وما يصعد من تحتها من أمر الله عز وجل وقوله وإذا ثمرها كالقلال، هو بكسر القاف جمع قلة بضمها، وهي الجرة الكبيرة التي تسع قربتين أو أكثر قوله فرجعت إلى ربي. قال الشيخ محيي الدين النووي: معناه رجعت إلى الموضع الذي ناجيته فيه أولا فناجيته فيه ثانيا وقوله: فلم أزل أرجع بين موسى وبين ربي معناه وبين موضع مناجاة ربي عز وجل. قلت: وأما الكلام على معنى الرؤية وما يتعلق بها فإنه سيأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة والنجم، عند قوله تعالى ثم دنا فتدلى قوله ففرض الله سبحانه وتعالى على أمتي خمسين صلاة إلى قوله فوضع شطرها وفي الرواية الأخرى فوضع عني عشرا وفي الأخرى خمسا ليس بين هذه الرواية منافاة، لأن المراد بالشطر الجزء وهو الخمس، وليس المراد منه التنصيف، وأما رواية العشر فهي رواية شريك ورواية الخمس رواية ثابت البناني وقتادة، وهما أثبت من شريك فالمراد حط عني خمسا إلى آخره ثم قال: هي خمس وهن خمسون يعني خمسين في الأجر والثواب لأن الحسنة بعشر أمثالها، واحتج العلماء بهذا الحديث على جواز نسخ الشيء قبل فعله وفي أول الحديث أنه شق صدره صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وقد شق أيضا في صغره وهو عند حليمة التي كانت ترضعه، فالمراد بالشق الثاني زيادة التطهير لمن يراد به من الكرامة ليلة المعراج. وقوله: أتيت بطست من ذهب، قد يتوهم متوهم أنه يجوز استعمال إناء الذهب لنا وليس الأمر كذلك لأن هذا الفعل من فعل الملائكة، وهو مباح لهم استعمال الذهب أو يكون هذا
قد كان قبل تحريمه وقوله ممتلئ إيمانا وحكمة فأفرغها في صدري. فان قلت الحكمة والإيمان معان والإفراغ صفة الأجسام، فما معنى ذلك؟ قلت: يحتمل أنه جعل في الطست شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمي إيمانا وحكمة لكونه سببا لهما وهذا من أحسن المجاز. وقوله في صفة آدم عليه السلام: فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة هو جمع سواد، وقد فسره في الحديث بأنه نسم بنيه يعني أرواح بنيه وقد اعترض على هذا، بأن أرواح المؤمنين في السماء وأرواح الكفار تحت الأرض السفلى فكيف تكون في السماء والجواب عنه أنه يحتمل أن أرواح الكفار، تعرض على آدم عليه السلام، وهو في السماء فوافق وقت عرضها