الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال: قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم إني منه بريئة لتصدقني فو الله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وإن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل الله في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم والله في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت: فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قال فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: يا عائشة احمدي الله وفي رواية قال أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي قالت: فأنزل الله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ العشر الآيات فأنزل الله عز وجل هذه الآيات في براءتي قالت فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ- إلى قوله- غَفُورٌ رَحِيمٌ فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال يا زينب ما علمت أو ما رأيت؟
فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيرا قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط زاد في رواية قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول سبحان الله فو الذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط قالت: ثم قتل بعد في سبيل الله شهيدا».
هذا حديث متفق على صحته أخرجاه في الصحيحين زاد البخاري في رواية عن عروة: عن عائشة «والذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقال عروة أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقرره ويشيعه ويستوشيه قال عروة لم يسم لي من أهل الإفك إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى. قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال:
فإن أبي ووالدتي وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء
أخرجاه من حديث مسروق قال: دخلت على عائشة وعندها حسان ينشدها شعرا ببيت من أبياته فقال:
حصان رزان ما تزن بريبة
…
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة: لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها: تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت وأي عذاب أشد من العمى. وقالت: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حل غريب ألفاظ هذا الحديث
قوله: وكلهم حدثني طائفة أي قطعة من حديثها، قوله كان أوعى أي أحفظ له، قولها آذن أي أعلم
بالرحيل، قولها فإذا عقد لي من جزع أظفار وهو نوع من الخرز وهو الحجر اليماني المعروف، قولها لم يهبلن أي يكثر لحمهن فيثقلن، قولها إنما يأكلن العلقة من الطعام هو بضم العين أي البلغة من الطعام وهو قدر ما يمسك الرمق، قولها وليس بها منهم داع ولا مجيب أي ليس بها أحد لا من يدعو ولا من يرد جوابا، قولها فتيممت أي قصدت قولها قد عرس من وراء الجيش فأدلج، التعريس نزول المسافر في آخر الليل للراحة والإدلاج بالتشديد سير آخر الليل وبالتخفيف سير الليل كله، قولها باسترجاعه هو قوله «إنا لله وإنا إليه راجعون» قولها فخمرت أي غطيت وجهي بجلبابي أي إزاري، قولها موغرين في نحر الظهيرة الوغرة شدة الحر وكذا نحر الظهيرة أي أولها، قولها والناس يفيضون أي يخوضون ويتحدثون، قولها وهو يريبني يقال رابني الشيء يريبني أي شككت فيه، قولها ولا أرى من النبيّ صلى الله عليه وسلم اللطف أي الرفق بها واللطف في الأفعال الرفق وفي الأقوال لين الكلام، قولها حتى نقهت أي أفقت من المرض والمناصع المواضع الخالية تقضي فيها الحاجة من غائط وبول وأصله المكان الواسع الخالي والمرط كساء من صوف أو خز، قولها تعس مسطح أي عثر وهو من الدعاء على الإنسان أي سقط لوجهه، قولها يا هنتاه أي بلهاء كأنها تنسبها إلى البله وقلة المعرفة، قولها لا يرقأ لي دمع أي لا ينقطع وقول بريرة إن رأيت بمعنى النفي أي ما رأيت منها أمرا أغمصه بالصاد المهملة أي أعيب والداجن الشاة التي تألف البيت وتقيم به: قوله صلى الله عليه وسلم: من يعذرني أي من يقوم بعذري إن أنا كافأته على سوء صنيعه إن عاتبت أو عاقبت فلا تلوموني على ذلك قولها وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه أي من قبيلته قولها ولكن احتملته الحمية أي حمله الغضب والأنفة والتعصب على الجهل للقرابة، قولها فتثاور الحيان أي ثاروا ونهضوا للقتال والمخاصمة، قولها فلم يزل يخفضهم أي يهون عليهم ويسكن، قوله صلى الله عليه وسلم إن كنت ألممت قيل هو من اللمم وهو صغائر الذنوب وقيل معناه مقارفة الذنب من غير فعل، قولها قلص دمعي أي انقطع جريانه، قولها ما رام أي ما برح من مكانه والبرحاء الشدة والكرب والجمانة وجمعها جمان فسري عنه أي كشف عنه وقول زينب أحمي سمعي وبصري أي أمنعهما أن أخبر بما لم أسمع ولم أبصر، قولها وهي التي كانت تساميني من السمو وهو العلو والغلبة فعصها الله أي منعها من الوقوع في الشر بالورع وقول الرجل ما كشفت من كنف أي من ستر أنثى قوله ويستوشيه أي يستخرجه بالبحث عنه والاستقصاء فيه وقول حسان في عائشة حصان بفتح الحاء يقال امرأة حصان أي متعففة رزان أي ثابتة ما تزن أي ترمي ولا تتهم بريبة أي بأمر يريب الناس حيية وتصبح غرثى أي جائعة والغرث الجوع من لحوم الغوافل جمع غافلة، والمعنى أنها لا تغتاب أحدا مما هو غافل عن مثل هذا الفعل وقول عائشة في حسان إنه كان ينافح أي يناضل ويخاصم عن الله ورسوله: وأما التفسير فقوله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ أي بالكذب والإفك أسوأ الكذب لكونه مصروفا عن الحق وذلك أن عائشة كانت تستحق الثناء والمدح بما كانت عليه من الحصانة والشرف والعقل والعلم والديانة فمن رماها بالسوء فقد قلب الحق بالباطل وجاء بالإفك، عصبة أي جماعة منكم أي عبد الله بن أبي ابن سلول ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش زوجة طلحة ابن عبيد الله. فإن قلت عبد الله بن أبي ابن سلول كان رأس المنافقين فكيف قال منكم. قلت كان ينسب إلى الإيمان في الظاهر وقيل قوله منكم خرج مخرج الأغلب فإنّ حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة كانوا من المؤمنين المخلصين لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ يعني الإفك الخطاب لعائشة وصفوان وقيل لعائشة ولأبويها وللنبيّ صلى الله عليه وسلم ولصفوان بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ يعني أن الله آجركم على ذلك وأظهر براءتكم وشهد بكذب العصبة
وأوجب لهم الذم وهذا غاية الشرف والفضل لكم لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أي من العصبة الكاذبة مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ أي جزاء ما اجترح من الذنب على قدر ما خاض فيه وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ يعني تحمل معظمه وبدأ بالخوض فيه وأقام بإشاعته وهو عبد الله بن أبي ابن سلول مِنْهُمْ من العصبة لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ يعني عذاب النار في الآخرة روي «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالذين رموا عائشة فجلدوا جميعا ثمانين ثمانين» . قوله عز وجل: