الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جارك، فأنزل الله تعالى تصديقه، والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون» وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً أي ومن يفعل شيئا من ذلك يلق أثاما قال ابن عباس إنما يريد جزاء الإثم، وقيل عقوبة وقيل: الأثام واد في جهنم ويروى في الحديث «أن الغي والأثام بئران في جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار» يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وسبب تضعيف العذاب، أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك يضاعف له العذاب على شركه ومعصيته وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً أي ذليلا.
قوله تعالى إِلَّا مَنْ تابَ أي عن ذنبه وَآمَنَ يعني بربه وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً أي فيما بينه وبين ربه روي عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية ثم نزلت إلا من تاب فما رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط مثل ما فرح بها وفرحه بإنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر». وقوله تعالى فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً قال ابن عباس: يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانا، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانا وقيل يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة (م) عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغارها فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له إن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت أشياء لا أراها هاهنا قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه وقيل إن الله تعالى يمحو بالندم جميع السيئات ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة.
[سورة الفرقان (25): الآيات 71 الى 77]
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75)
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77)
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً قيل هذا في التوبة من غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا ومعناه، ومن تاب من الشرك وعمل صالحا يعني أدّى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ أي يعود إليه بعد الموت مَتاباً أي حسنا يفضل على غيره ممن قتل وزنا فالآية الأولى وهي قوله: ومن تاب رجوع عن الشرك والثانية رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة. وقيل: هذه الآية أيضا في التوبة عن جميع السيئات ومعناه ومن أراد التوبة، وعزم عليها فليتب إلى الله فقوله يتوب إلى الله خبر بمعنى الأمر أي تب إلى الله وقيل معناه فليعلم أن توبته ومصيره إلى الله تعالى. قوله تعالى وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ يعني الشرك وقيل هي شهادة الزور (ق) عن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله قال:
الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» وكان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه ويطوف به في الأسواق وقيل:
لا يشهدون الزور يعني أعياد المشركين وقيل: الكذب وقيل: النوح وقيل لا يساعد أهل الباطل على باطلهم وقيل الزور اللهو واللعب والغناء. قال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع. وأصل الزور
حقيقة تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ هو كل ما يجب أن يلغى ويترك مَرُّوا كِراماً يعني إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا فعلى هذا التفسير، تكون الآية منسوخة بآية القتال. وقيل: اللغو المعاصي كلها، والمعنى إذا مروا بمجالس اللهو والباطل مروا كراما أي مسرعين معرضين، وهو أن ينزه المرء نفسه ويكرمها عن هذه المجالس السيئة وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً قيل: معناه أنه ليس فيه نفي الخرور إنما هو إثبات له ونفي الصمم والعمى والمعنى إذا ذكروا بها أكبوا على استماعها بأذان واعية وأقبلوا على المذكر بها بعيون مبصرة راعية.
وقيل: معناه لم يخروا أي لم يسقطوا ولم يقعوا عليها صما وعميانا، كأنهم بآذانهم صمم وبأعينهم عمى بل يسمعون ما يذكرون به، فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه.
قوله عز وجل وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ يعني أبرارا أتقياء فيقرون أعيننا بذلك قيل: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته، وأولاده مطيعين لله عز وجل فيطمع أن يحلوا معه في الجنة فيتم سروره، وتقر عينه بذلك وقيل: إن العرب تذكر قرة العين عند السرور والفرح وسخنة العين عند الغم والحزن. ويقال: دمع العين عند السرور والفرح بارد وعند الحزن حار وقيل معنى قرة العين أن يصادف قلبه من يرضاه، فتقر عينه به عن النظر إلى غيره وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً يعني يقتدون في الخير بنا. وقيل: معناه نقتدي بالمتقين وتقتدي بنا المتقون وقال ابن عباس: اجعلنا أئمة هدى وقيل: معناه أنهم سألوا الله أن يبلغهم في الطاعات المبلغ الذي يشار إليهم فيه ويقتدي بهم. قال بعضهم: فيه دليل على أن الرياسة في الدين مطلوبة مرغوب فيها وقيل هذا من المقلوب معناه، واجعل المتقين لنا إماما واجعلنا مقتدين مؤتمين بهم أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ أي يثابون الْغُرْفَةَ الدرجة العالية الرفيعة في الجنة وقيل: يريد غرف الدر والزبرجد واللؤلؤ والياقوت في الجنة بِما صَبَرُوا يعني على طاعة الله تعالى وأوامره وعلى أذى المشركين وقيل: بما صبروا عن الشهوات وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً أي ملكا وقيل بقاء دائما وَسَلاماً أي يسلم بعضهم على بعض أو يرسل الرب عز وجل إليهم السلام وقيل سلاما أي سلامة من الآفات. قوله تعالى خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً أي موضع قرار وإقامة. قوله تعالى قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي أي ما يصنع ما يفعل بكم فوجودكم وعدمكم سواء، وقيل:
معناه أي وزن ومقدار لكم عنده لَوْلا دُعاؤُكُمْ إياه. قيل معناه لولا عبادتكم إياه وقيل: لولا إيمانكم وقيل لولا دعاؤه إياكم إلى الإيمان فإذا آمنتم ظهر لكم عنده قدر. وقيل: معناه ما يعبأ بخلقكم ربي لولا عبادتكم وطاقتكم، والمعنى أنه خلقكم لطاعته وعبادته وهذا قول ابن عباس وقيل: معنى ما يعبأ أي ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة. وقيل معناه ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني، فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أيها الكافرون يخاطب أهل مكة يعني أن الله دعاكم إلى توحيده وعبادته على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبتم الرسول ولم تجيبوه إلى الإيمان فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً هذا تهديد لهم أي يكون تكذيبهم لزاما قال ابن عباس: موتا وقيل هلاكا وقيل: قتالا والمعنى يكون التكذيب لازما لمن كذب فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله. وقيل: معناه عذابا دائما وهلاكا لازما لمن كذب مفنيا يلحق بعضكم بعضا وقيل: هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، يعني أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم (ق) عن عبد الله بن مسعود قال «خمس قد مضين الدخان واللزام والروم والبطشة والقمر وفي رواية الدخان والقمر والروم واللزام والبطشة» والله سبحانه وتعالى أعلم.