الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكافر يسجد لله كرها، وهو كاره. وقال الزجاج: جاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله. قال ابن الأنباري: ولا يبعد أن يخلق الله تعالى للظلال عقولا وأفهاما تسجد بها وتخشع كما جعل للجبال أفهاما حتى سبحت لله مع داود، وقيل: المراد بسجود الظلال ميلانها من جانب إلى جانب آخر، وطولها وقصرها بسبب ارتفاع الشمس ونزولها، وإنما خص الغدو والآصال بالذكر لأن الظلال تعظم، وتكثر في هذين الوقتين، وقيل:
لأنهما طرفا النهار فيدخل وسطه فيما بينهما.
(فصل)
وهذه السجدة من عزائم سجود التلاوة، فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءته واستماعه لهذه السجدة والله أعلم. قوله تعالى قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله من رب السموات والأرض، يعني من مالك السموات والأرض، ومن مدبرهما وخالقهما فسيقولون: الله لأنهم مقرون بأن الله خالق السموات وما فيها، والأرض، وما فيها فإن أجابوك بذلك فقل: أنت يا محمد الله رب السموات والأرض. وقيل: لما قال هذه المقالة للمشركين عطفوا عليه وقالوا أجب أنت فأمره الله أن يجيبهم بقوله قُلِ اللَّهُ أي قل يا محمد اللَّهُ وقيل: إنما جاء السؤال والجواب من جهة واحدة لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق كل شيء، فلما لم ينكروا ذلك وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الله فكأنهم قالوا ذلك أيضا ثم ألزمهم الحجة على عبادتهم الأصنام بقوله قُلْ أي قل يا محمد للمشركين أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ يعني من دون الله أَوْلِياءَ يعني الأصنام والولي الناصر، والمعنى توليتم غير رب السموات والأرض واتخذتموهم أنصارا يعني الأصنام لا يَمْلِكُونَ يعني وهم لا يملكون لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا فكيف لغيرهم. ثم ضرب الله مثلا للمشركين الذين يعبدون الأصنام وللمؤمنين الذين يعبدون الله. فقال تعالى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ قال ابن عباس: يعني المشرك والمؤمن أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ يعني الشرك والإيمان والمعنى كما لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن وكما لا تستوي الظلمات والنور كذلك لا يستوي الكفر والإيمان، وإنما شبه الكافر بالأعمى لأن الأعمى لا يهتدي سبيلا، كذلك الكافر لا يهتدي سبيلا أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ هذا استفهام إنكار يعني جعلوا لله شركاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ يعني خلقوا سموات وأرضين وشمسا وقمرا وجبالا وبحارا وجنا وإنسا فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ من هذا الوجه، والمعنى هل رأوا غير الله خلق شيئا فاشتبه عليهم خلق الله بخلق غيره، وقيل: إنه تعالى وبخهم بقوله أم جعلوا لله شركاء خلقوا خلقا مثل خلقه فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم، وهذا استفهام إنكاري أي ليس الأمر كذلك حتى يشتبه عليهم الأمر، بل إذا تفكروا بعقولهم وجدوا الله تعالى هو المنفرد بخلق سائر الأشياء والشركاء مخلوقون له أيضا لا يخلقون شيئا حتى يشتبه خلق الله بخلق الشركاء، وإذا كان الأمر كذلك فقد لزمتهم الحجة، وهو قوله تعالى قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الله خالق كل شيء مما يصح أن يكون مخلوقا، وقوله الله خالق كل شيء من العموم الذي يراد به الخصوص لأن الله تعالى خلق كل شيء وهو غير مخلوق وَهُوَ الْواحِدُ يعني والله تعالى هو الواحد المنفرد بخلق الأشياء كلها الْقَهَّارُ لعباده حتى يدخلهم تحت قضائه وقدره وإرادته. وقوله عز وجل:
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لما شبه الله عز وجل الكافر بالأعمى والمؤمن بالبصير وشبه الكفر بالظلمات، والإيمان بالنور ضرب لذلك مثلا فقال تعالى: أنزل من السماء ماء يعني المطر فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها أودية جمع واد وهو المفرج بين الجبلين يسيل فيها الماء وقوله: فسالت أودية فيه اتساع، وحذف تقديره فسال في الوادي فهو كما يقال جري النهر والمراد جرى الماء في النهر فحذف في لدلالة الكلام عليه بقدرها. قال مجاهد بمثلها وقال ابن جريج: الصغير بقدره والكبير بقدره، وقيل: بمقدار مائها وإنما نكر أودية لأن المطر إذا نزل لا يعم جميع
الأرض، ولا يسيل في كل الأودية بل ينزل في أرض دون أرض ويسيل في واد دون واد. فلهذا السبب جاء هذا بالتنكير. وقال ابن عباس: أنزل من السماء ماء يعني قرآنا وهذا مثل ضربه الله تعالى فسالت أودية بقدرها يريد بالأودية القلوب شبه نزول القرآن الجامع للهدى والنور، والبيان بنزول المطر لأن المطر إذا نزل عمّ نفعه وكذلك نزول القرآن وشبه القلوب بالأودية، لأن الأودية يستكن فيها الماء وكذلك القلوب يستكن فيها الإيمان والعرفان ببركة نزول القرآن فيها، وهذا خاص بالمؤمنين لأنهم الذين انتفعوا بنزول القرآن (ق) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء نفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فتعلم، وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله، وغيره في معنى هذا الحديث وشرحه أما الكلأ فباغمز يقع على الرطب واليابس من الحشيش، وأما قوله وكان منها أجادب فالجيم والدال المهملة والباء الموحدة كذا في الصحيحين، وهي الأرض التي لا تنبت الكلأ جمع جدب على غير قياس وقياسه أجدب، والجدب ضد الخصب. وقال الخطابي: هي التي تمسك الماء ولم يسرع فيه النضوب وفي رواية الهروي أخاذات بالخاء المعجمة والذال المعجمة جمع أخاذة وهي الغدير الذي يمسك الماء، وقوله: ورعوا كذا هو في صحيح مسلم من الرعي، ووقع في صحيح البخاري وزرعوا بزيادة زاي من الزرع والقيعان بكسر القاف جمع قاع وهو المستوي من الأرض، وقوله: فذلك مثل من فقه في دين الله يروى بضم القاف وهو المشهور وروي بكسرها ومعناه فهم الأحكام وأما معنى الحديث ومقصوده فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا لما جاء به من الهدى، والعلم بالأرض التي أصابها المطر. قال العلماء: والأرض ثلاثة أنواع وكذلك الناس لأنهم منها خلقوا، فالنوع الأول من أنواع الأرض الطيبة التي تنتفع بالمطر فتنبت به العشب فينتفع الناس به والدواب بالشرب والرعي وغير ذلك وكذلك النوع الأول من الناس من يبلغه الهدى من غير ذلك من العلم فيحيا به قلبه ويحفظه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع به وينفع غيره. قال مسروق: صحبت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالأخاذات لأن قلوبهم كانت واعية فصارت أوعية للعلوم بما رزقت من صفاء الفهوم. النوع الثاني من أنواع الأرض: أرض لا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة لغيرها، وهي إمساك الماء لغيرها لينتفع به الناس والدواب وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة، لكن ليس لهم أفهام ثاقبة فيبقى ما عندهم من العلم حتى يجيء المحتاج إليه المتعطش لما عندهم من العلم فيأخذه منهم فينتفع به هو وغيره، النوع الثالث: من أنواع الأرض أرض سبخة لا تنبت مرعى ولا تمسك ماء كذلك النوع الثالث من الناس ليس لهم قلوب حافظة، ولا أفهام ثاقبة فإذا بلغهم شيء من العلم لا ينتفعون به في أنفسهم ولا ينفعون غيرهم والله أعلم. وقوله تعالى فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً الزبد ما يعلو على وجه الماء عند الزيادة، كالحبب وكذلك ما يعلو على القدر عند غليانها والمعنى فاحتمل السيل الذي حدث
من ذلك الماء زبدا رابِياً يعني عاليا مرتفعا فوق الماء طافيا عليه، وها هنا تم المثل ثم ابتدأ بمثل آخر فقال تعالى وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ الإيقاد جعل الحطب في النار لتتقد تلك النار تحت الشيء ليذوب ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ يعني لطلب زينة، والضمير في قوله عليه يعود على الذهب والفضة، وإن لم يكونا مذكورين لأن الحلية لا تطلب إلا منهما أَوْ مَتاعٍ يعني أو لطلب متاع آخر مما ينتفع به كالحديد والنحاس والرصاص ونحوه مما يذاب وتتخذ منه الأواني وغيرها مما ينتفع له، والمتاع كل ما ويتمتع به. ويقال لكل ما ينتفع به في البيت كالطبق والقدر ونحو ذلك من الأواني: متاع زَبَدٌ مِثْلُهُ يعني أن ذلك الذي يوقد عليه في النار إذا أذيب، فله أيضا زبد مثل زبد الماء فالصافي من الماء ومن هذه الجواهر هو الذي ينتفع به وهو مثل الحق. والزبد من الماء ومن هذه الجواهر هو