الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فيها من التثريب وهو التقريع والتوبيخ لا مُقامَ لَكُمْ أي لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه فَارْجِعُوا أي إلى منازلكم وقيل عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل عن القتال وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يعني بني حارثة وبني سلمة يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ أي خالية ضائعة وهي مما يلي العدو ونخشى عليها السراق فكذبهم الله تعالى بقوله وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً أي أنهم لا يخافون ذلك إنما يريدون الفرار من القتال وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها يعني لو دخل هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب من نواحي المدينة وجوانبها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ أي الشرك لَآتَوْها أي لجاءوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام وَما تَلَبَّثُوا بِها أي ما احتبسوا عن الفتنة إِلَّا يَسِيراً أي لأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة به نفوسهم، وقيل معناه وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا. قوله عز وجل وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل غزوة الخندق لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أي لا ينهزمون، قيل هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها، وقيل هم أناس غابوا عن وقعة بدر فلما رأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن فساق الله إليهم ذلك وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا أي عنده في الآخرة قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ أي الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أو قتل لا بد من ذلك وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ أي بعد الفرار إِلَّا قَلِيلًا أي مدة آجالكم وهي قليل قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ أي يمنعكم مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أي هزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي نصرا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً أي ناصرا يمنعهم قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ أي المثبطين الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا أي ارجعوا إلينا ودعوا محمدا صلى الله عليه وسلم فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك، قيل هم أناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك. وقيل نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إليهم ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا وإنا نشفق عليكم فأنتم إخواننا وجيراننا هلموا إلينا فأقبل عبد الله بن أبيّ ابن سلول وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، وقالوا لئن قدر اليوم عليكم لم يستبق منك أحدا أما ترجعون عن محمد ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا ها هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنين بقول المنافقين إلا إيمانا واحتسابا وقوله تعالى وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ يعني الحرب إِلَّا قَلِيلًا أي رياء وسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا.
[سورة الأحزاب (33): الآيات 19 الى 23]
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَاّ قَلِيلاً (20) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَاّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أي بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة وصفهم الله بالبخل والجبن فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ
رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أي في رؤوسهم من الخوف والجبن كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أي كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيه أسبابه فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ أي زال سَلَقُوكُمْ أي آذوكم. ورموكم في حالة الأمن بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي ذربة تفعل كفعل الحديد قال ابن عباس معناه عضوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة، وقيل بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال فلستم بأحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشجع قوم وعند الحرب أجبن قوم أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي يشاحون المؤمنين عند الغنيمة فعلى هذا المعنى يكون المراد بالخير المال أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا أي لم يؤمنوا حقيقة الإيمان وإن أظهروا الإيمان لفظا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ أي التي كانوا يأتون بها مع المسلمين قيل هي الجهاد وغيره وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي إحباط أعمالهم مع أن كل شيء على الله يسير.
قوله تعالى يَحْسَبُونَ يعني هؤلاء المنافقين الْأَحْزابَ يعني قريشا وغطفان واليهود لَمْ يَذْهَبُوا أي لم ينصرفوا عن قتالهم جبنا وفرقا وقد انصرفوا عنهم وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ أي يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي يتمنون لو أنهم كانوا في بادية مع الأعراب من الجبن والخوف يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أي عن أخباركم وما آل إليه أمركم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ يعني هؤلاء المنافقين ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا يعني يقاتلون قليلا يقيمون به عذرهم فيقولون قد قاتلنا معكم وقيل هو الرمي بالحجارة وقيل رياء من غير احتساب.
قوله عز وجل لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي قدوة صالحة أي اقتدوا به اقتداء حسنا وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ قد كسرت رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه وأوذي بضروب الأذى فصبر وواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك أيضا واستنوا بسنته لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ يعني أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله قال ابن عباس يرجو ثواب الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ يعني ويخشى يوم البعث الذي فيه الجزاء وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي في جميع المواطن على السراء والضراء ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال تعالى وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي قالوا ذلك تسليما لأمر الله وتصديقا بوعده وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي فيما وعدا وهو في مقابلة قول المنافقين «ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا» وقولهم «وصدق الله ورسوله» ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس، وقيل إنهم وعدوا أن تلحقهم شدة وبلاء فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً أي تصديقا لله وَتَسْلِيماً أي لأمره. قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أي قاموا بما جاهدوا الله عليه ووفوا به فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي فرغ من نذره ووفى بعهده وصبر على الجهاد حتّى استشهد، وقيل قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه، وقيل قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد وقيل قضى نحبه استشهد يوم بدر وأحد وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة أو النصر على الأعداء وَما بَدَّلُوا يعني عهدهم تَبْدِيلًا (ق) عن أنس قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون قال اللهم إني اعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وابرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحا من دون أحد فقال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه