الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينص على ذلك، وإنما نص على إثبات عبوديته لله تعالى.
قلت كأنه جعل إزالة التهمة عن الله تعالى أولى من إزالة التهمة عن أمه، فلهذا أول ما تكلم باعترافه على نفسه بالعبودية لتحصل إزالة التهمة عن الأم، لأن الله تعالى لم يختص بهذه المرتبة العظيمة من ولد في زنا، والتكلم بإزالة التهمة عن أمه لا يفيد إزالة التهمة عن الله سبحانه وتعالى فكان الاشتغال بذلك أو آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا قيل معناه سيجعلني نبيا ويؤتيني الكتاب وهو الإنجيل وهذا إخبار عما كتب له في اللوح المحفوظ كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا قال:«كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» وقال الأكثرون إنه أوتي الإنجيل، وهو صغير وكان يعقل عقل الرجال الكمل وعن الحسن أنه ألهم التوراة وهو في بطن أمه وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ معناه أني نفاع أينما توجهت، وقيل معلما للخير أدعوا إلى الله وإلى توحيده وعبادته وقيل مباركا على من يتبعني وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ أي أمرني بهما وكلفني فعلهما. فإن قلت كيف يؤمر بالصلاة والزكاة، في حال طفوليته وقد قال صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاث الصبي حتى يبلغ» الحديث
…
قلت إن قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة لا يدل على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال بل المراد أوصاه بأدائهما في الوقت المعين لهما وهو البلوغ، وقيل إن الله تعالى صيره حين انفصل عن أمه بالغا عاقلا وهذا القول أظهر في سياق قوله ما دُمْتُ حَيًّا فإنه يفيد أن هذا التكليف متوجه إليه في زمان جميع حياته حين كان في الأرض، وحين رفع إلى السماء وحين ينزل الأرض بعد رفعه وَبَرًّا بِوالِدَتِي أي جعلني برا بوالدتي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا أي عاصيا لربي متكبرا على الحق بل، وأنا خاضع متواضع وروي أنه قال: قلبي لين وأنا صغير في نفسي، قال بعض العلماء لا تجد العاق إلا جبارا شقيا وتلا هذه الآية، وقيل الشقي الذي يذنب ولا يتوب.
وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ أي السلامة عند الولادة من طعن الشيطان وَيَوْمَ أَمُوتُ أي عند الموت من الشرك وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا أي من أهوال يوم القيامة فلما كلمهم عيسى بذلك علموا براءة مريم ثم سكت عيسى فلم يتكلم حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الأطفال ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أي ذلك الذي قال إني عبد الله هو عيسى بن مريم قَوْلَ الْحَقِّ أي هذا الكلام هو القول الحق أضاف القول إلى الحق، وقيل هو نعت لعيسى يعني بذلك عيسى بن مريم كلمة الله الحق والحق هو الله الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ أي يشكون ويختلفون فقائل يقول هو ابن الله وقائل يقول ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ثم نزه نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه فقال تعالى ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ أي ما كان من صفاته اتخاذ الولد ولا ينبغي له ذلك سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً أي إذا أراد أن يحدث أمرا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي لا يتعذر عليه اتخاذه على الوجه الذي أراده وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا إخبار عن عيسى أنه قال ذلك يعني لأن الله ربي وربكم لا رب للمخلوقات سواه هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي هذا الذي أخبرتكم به أن الله أمرني به هو الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ يعني النصارى سموا أحزابا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى النسطورية والملكانية واليعقوبية فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ يعني يوم القيامة حين.
[سورة مريم (19): الآيات 38 الى 46]
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42)
يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ أي ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر أخبر أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة ما لم يسمعوا ويبصروا في الدنيا، وقيل معناه التهديد بما يسمعون ويبصرون مما يسوءهم ويصدع ويصدع قلوبهم يَوْمَ يَأْتُونَنا أي يوم القيامة لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قيل أراد باليوم الدنيا، يعني أنهم في الدنيا في خطأ بين وفي الآخرة يعرفون الحق، وقيل: معناه لكن الظالمون في الآخرة في ضلال عن طريق الجنة بخلاف المؤمنين.
قوله تعالى وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ يعني خوف يا محمد كفار مكة يوم الحسرة، سمي بذلك لأن المسيء يتحسر هلا أحسن العمل والمحسن هلا زاد في الإحسان، يدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من أحد يموت إلا ندم قالوا ما ندمه يا رسول الله قال: إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع» أخرجه الترمذي. قوله أن لا يكون نزع النزع عن الشيء: الكف عنه، وقال أكثر المفسرين يعني بيوم الحسرة حين يذبح الموت. (ق) عن أبي سعيد الخدري قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرفون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادي مناد آخر يا أهل النار فيشرفون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت ثم قرأ.
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وأشار بيده إلى الدنيا وزاد الترمذي فيه «فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار» قوله كهيئة كبش أملح الأملح: المختلط بالبياض والسواد، قوله فيشرفون يقال أشرف إلى الشيء إذا تطلع ينظر إليه ومالت نحوه نفسه.
قوله فيذبح بين الجنة والنار اعلم أن الموت عرض ليس بجسم في صورة كبش أو غيره فعلى هذا يتأول الحديث، على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم وهو حيوان فيذبح فيموت فلا يبقى يرجى له حياة ولا وجود، وكذلك حال أهل الجنة والنار بعد الاستقرار فيهما لا زوال لهما ولا انتقال (ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم» . عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة أحد إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة» أخرجه البخاري.
وقوله تعالى إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ أي فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وذبح الموت وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ أي عما يراد بهم في الآخرة وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يصدقون إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها أي نميت سكان الأرض جميعا ويبقى الله سبحانه وتعالى وحده فيرثهم وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ فنجزيهم بأعمالهم. قوله عز وجل ويبقى وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا أي كثير الصدق وهو مبالغة في كونه صديقا، وقيل الصدّيق الكثير التصديق قيل من صدق الله في وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث بعد الموت وقام بالأوامر فعمل بها فهو صديق، ولما قربت رتبة الصديق من رتبة النبي انتقل من ذكر كونه صديقا إلى ذكر كونه نبيا، والنبي العالي في الرتبة بإرسال الله إياه وأي رتبة أعلى من رتبة من جعله الله تعالى واسطة بينه