الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسيرة مائة عام. فإن قلت: كيف تتصور الرؤية من النار وهو قوله إذا رأتهم. قلت يجوز أن يخلق الله لها حياة وعقلا ورؤية وقيل: معناه رأتهم زبانيتها سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً أي غليانا كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب وَزَفِيراً أي صوتا فإن قلت كيف يسمع التغليظ. قلت: معناه رأوا وعلموا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا كما قال الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى
…
متقلدا سيفا ورمحا
أي وحاملا رمحا، وقيل: سمعوا لها صوت التغيظ من التلهب والتوقد، وقال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً قال ابن عباس تضيق عليه كما يضيق الزج في الرمح مُقَرَّنِينَ أي مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، وقيل:
مقرنين مع الشياطين في السلاسل دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً قال ابن عباس: ويلا وقيل هلاكا وفي الحديث «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادي يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم فيقال لهم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً هكذا ذكره البغوي بغير سند، وقيل معناه هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة. قوله عز وجل قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أي الذي ذكرت من صفة النار وأهلها أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً أي ثوابا ومرجعا لهم قال تعالى لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ أي أن جميع المرادات لا تحصل إلا في الجنة، لا في غيرها. فإن قلت: قد يشتهي الإنسان شيئا، وهو لا يحصل في الجنة كأن يشتهي الولد ونحوه وليس هو في الجنة قلت إنّ الله يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة، بل كل واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيه من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيره خالِدِينَ أي في نعيم الجنة ومن تمام النعيم أن يكون دائما، إذ لو انقطع لكان مشوبا بضرب من الغم وأنشد في المعنى:
أشد الغم عندي في سرور
…
تيقن عنه صاحبه انتقالا
كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا أي مطلوبا، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة» وقالوا «ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك» يقول كان إعطاء الله المؤمنين جنة وعدا، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك الوعد وقيل الطلبة من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ. قوله تعالى وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني من الملائكة والإنس والجن مثل عيسى والعزير، وقيل يعني الأصنام ثم يخاطبهم فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ أي أخطئوا الطريق.
[سورة الفرقان (25): الآيات 18 الى 23]
قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22)
وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23)
قالُوا يعني المعبودين سُبْحانَكَ نزهوا الله سبحانه وتعالى من أن يكون معه آلهة ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ يعني ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك، بل أنت ولينا من دونهم وقيل معناه، ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك ونحن عبيدك وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ أي بطول العمر والصحة والنعمة في الدنيا حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ معناه تركوا المواعظ والإيمان بالقرآن وقيل تركوا ذكرك وغفلوا عنه وَكانُوا قَوْماً بُوراً معناه هلكى أي غلب عليهم الشقاء والخذلان فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ هذا خطاب مع المشركين أي كذبكم المعبودون بِما تَقُولُونَ يعني أنهم آلهة فَما تَسْتَطِيعُونَ أي الآلهة صَرْفاً أي صرف العذاب عن أنفسهم وَلا نَصْراً يعني ولا نصر أنفسهم وقيل لا ينصرونكم أيها العابدون بدفع العذاب عنكم وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يعني يشرك نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً.
قوله عز وجل وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ أي يا محمد مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ قال ابن عباس: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ أنزل الله تعالى على هذه الآية والمعنى أن هذه عادة مستمرة من الله تعالى على رسله فلا وجه لهذا الطعن وما أنا إلا رسول ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وهم كانوا بشرا مثلي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أي بلية قال ابن عباس أي جعلنا بعضكم بلاء بعض، لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا أنتم الهدى، قيل: نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم رأى الوضيع، قد أسلم قبله فأنف وقال: أسلم بعده فيكون له السابقة والفضل علي فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وقيل: نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل السهمي والنضر بن الحارث وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلالا، وصهيبا وعامر بن فهيرة وذويهم، قد أسلموا قبلهم فقالوا: نسلم فنكون مثل هؤلاء وقيل: نزلت في ابتلاء فقراء المسلمين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين تبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم من موالينا وأراذلنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين أَتَصْبِرُونَ أي على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى وقيل إن الغني فتنة الفقير يقول ما لي لم أكن مثله والصحيح فتنة المريض والشريف فتنة الوضيع وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً أي بمن صبر وبمن جزع (ق) عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم» لفظ البخاري ولمسلم «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» .
قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي يخافون البعث والرجاء، بمعنى الخوف لغة تهامة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ فتخبرنا أن محمدا صادق أَوْ نَرى رَبَّنا فيخبرنا بذلك لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا أي تعظموا فِي أَنْفُسِهِمْ بهذه المقالة وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً أي طغوا وقيل عتوا في القول وهو أشد الكفر والفحش وعتوهم، طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به. قوله تعالى يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ أي عند الموت وقيل يوم القيامة لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين، يوم القيامة ويقولون للكفار: لا بشرى لكم وقيل: لا بشارة لهم بالجنة كما بشر المؤمن وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً قال ابن عباس تقول الملائكة حراما محرما أن يدخل الجنة، إلا من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقيل: إذا خرج الكفار من قبورهم تقول لهم الملائكة حراما محرما عليكم أن تكون لكم البشرى وقيل هذا قول: الكفار للملائكة وذلك أن العرب كانت إذا نزلت بهم شدة ورأوا ما يكرهون قالوا حجرا محجورا فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة. قوله عز وجل وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ يعني من أعمال البر التي عملوها في حال الكفر فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً أي باطلا لا ثواب له