الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوجب على العاقل الاحتراز عنه وإنما عظم الوعيد فيه لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء، فالشارع بالغ في المنع من التطفيف والنقصان، سعيا في إبقاء الأموال على أربابها ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي أحسن عاقبة من آل إذا رجع، وهو ما يؤول إليه أمره. قوله سبحانه وتعالى وَلا تَقْفُ أي ولا تتبع ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع وعلمت ولم تعلم. وقيل: معناه لا ترم أحدا بما ليس لك به علم وقيل لا يتبعه بالحدس والظن وقيل: هو مأخوذ من القفا كأنه يقفو الأمور، ويتتبعها ويتعرفها والمراد أنه لا يتكلم في أحد بالظن إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا معناه يسأل المرء عن سمعه وبصره وفؤاده، وقيل يسأل السمع والبصر والفؤاد، عما فعله المرء فعلى هذا ترجع الإشارة في أولئك إلى الأعضاء، وعلى القول الأول ترجع إلى أربابها. عن شكل بن حميد قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله علمني تعويذا أتعوذ به قال: فأخذ بيدي ثم قال: «قل أعوذ بك من شر سمعي وشر بصري وشر فؤادي وشر لساني وشر قلبي وشر منيي قال فحفظتها» أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي. وقال حديث حسن غريب.
قوله: وشر منيي يعني ماءه وذكره. قوله عز وجل وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي بطرا وكبرا وخيلاء إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ أي لن تقطها بكبرك حتى تبلغ آخرها وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا أي لا تقدر أن تطاول الجبال، وتساويها بكبرك والمعنى أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئا كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال، لا يحصل على شيء. وقيل: إن الذي يمشي مختالا يمشي مرة على عقبيه، ومرة على صدور قدميه فقيل له:
إنك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك ولن تبلغ الجبال طولا إن مشيت على صدور قدميك. عن علي قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب. أخرجه الترمذي في الشمائل. قوله تكفؤا: التكفؤ التمايل في المشي إلى قدام، وقوله كأنما ينحط من صبب هو قريب من التكفؤ أي كأنه ينحدر من موضع عال، عن أبي هريرة قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا. وإنه لغير مكترث. أخرجه الترمذي. قوله:
لغير مكترث أي شاق والاكتراث الأمر الذي يشق على الإنسان كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً أي ما ذكر من الأمور التي نهى الله عنها فيما تقدم. فإن قلت: كيف قيل: سيئة مع قوله مكروها؟ قلت: قيل فيه تقديم وتأخير تقديره كل ذلك كان مكروها سيئة عند ربك وقوله: مكروها على التكرير لا على الصفة أي كل ذلك كان سيئة وكان مكروها وقيل إنه يرجع إلى المعنى دون اللفظ، لأن السيئة الذنب وهو مذكر. قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الإسراء (17): الآيات 39 الى 46]
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَاّ نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46)
ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من الأوامر والنواهي في هذه الآيات مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ أي إن الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع الأديان والملل لا تقبل النسخ والإبطال
فكانت محكمة وحكمة بهذا الاعتبار. وقيل: إن حاصل هذه الآيات يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع البر والطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة وذلك من الحكمة. قيل: إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها: ولا تجعل مع الله إلها آخر. قال الله سبحانه وتعالى وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة، واعلم أن الله سبحانه وتعالى: افتتح هذه الآيات بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك وختمها به، والمقصود منه التنبيه على أن كل قول وعمل يجب أن يكرر فيه التوحيد لأنه رأس كل حكمة، وملاكها ومن عدمه لم ينفعه شيء ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر في الآية الأولى أن الشرك يجب أن يكون صاحبه مذموما مخذولا وقال في هذه الآية وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً والفرق بين المذموم والملوم أما كونه مذموما فمعناه، أن يذكر له أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر فهذا معنى كونه مذموما ثم يقال له: لم فعلت هذا الفعل القبيح وما الذي حملك عليه، وهذا هو اللوم والفرق بين المخذول والمدحور أن المخذول هو الضعيف الذي لا ناصر له، والمدحور هو المبعد المطرود عن كل خير. قوله سبحانه وتعالى أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ يعني أفخصكم واختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة بِالْبَنِينَ يعني اختصكم بأفضل الأولاد وهم البنون وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً لأنهم كانوا يقولون: الملائكة بنات الله مع علمهم بأن الله سبحانه وتعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له وهذا يدل على نهاية جعل القائلين بهذا القول إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً يخاطب مشركي مكة يعني بإضافتهم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم إنهم يفضلون عليه أنفسهم حيث يجعلون له ما يكرهون لأنفسهم يعني البنات. قوله سبحانه وتعالى وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ يعني العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام والتشديد في صرفنا للتكثير والتكرير لِيَذَّكَّرُوا أي ليتعظوا ويعتبروا وَما يَزِيدُهُمْ أي تصريفنا وتذكيرنا إِلَّا نُفُوراً أي تباعدا عن الحق قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا أي لطلبوا يعني هؤلاء الآلهة إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا أي بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض. وقيل: معناه لتقربوا إليه. وقيل: معناه لتعرفوا إليه فضله فابتغوا ما يقربهم إليه والأول أصح، ثم نزه نفسه فقال عز وجل سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً معنى وصفه بذلك المبالغة في البراءة والبعد عما يصفونه. قوله عز وجل تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ يعني الملائكة والإنس والجن وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ قال ابن عباس: وإن من شيء حي إلا يسبح. وقيل: جميع الحيوانات والنباتات. قيل: إن الشجرة تسبح والاسطوانة لا تسبح. وقيل: إن التراب يسبح ما لم يبتل، فإذا ابتل ترك التسبيح، وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها، فإذا رفعت تركت التسبيح. وإن الورقة تسبح ما دامت على الشجرة، فإذا سقطت تركت التسبيح، وإن الماء يسبح ما دام جاريا فإذا ركد ترك التسبيح وإن الثوب يسبح مادام جديدا فإذا اتسخ ترك التسبيح وإن الوحش والطير لتسبح إذا صاحت، فإذا سكتت تركت التسبيح وإن من شيء جماد أو حيّ إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف وقيل:
كل الأشياء تسبح الله حيوانا كان أو جمادا وتسبيحها: سبحان الله وبحمده، ويدل على ذلك ما روي عن ابن مسعود قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال: «اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه قليل، فأدخل يده صلى الله عليه وسلم في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله» . فقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. أخرجه البخاري (م) عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت وإني لأعرفه الآن» (خ) عن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح بيده عليه» وفي رواية «فنزل فاحتضنه وسارّه بشيء» ففي هذه الأحاديث دليل على أن الجماد يتكلم وأنه يسبح، وقال بعض أهل المعاني: تسبيح السموات والأرض، والجمادات والحيوانات سوى العقلاء بلسان