الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النحل (16): الآيات 72 الى 73]
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعني النساء فخلق من آدم حواء زوجته، وقيل: جعل لكم من جنسكم أزواجا لأنه خطاب عام يعم الكل فتخصيصه بآدم وحواء خلاف الدليل وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً الحفدة جمع حافد، وهو المسرع في الخدمة المسارع إلى الطاعة ومنه قوله في الدعاء «وإليك نسعى ونحفد» أي نسرع إلى طاعتك، فهذا أصله في اللغة ثم اختلفت أقوال المفسرين فيهم فقال ابن مسعود والنخعي:
الحفدة أختان الرجل على بناته وعن ابن مسعود أيضا، أنهم أصهاره فهو بمعنى الأول فعلى هذا القول، يكون معنى الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات، فزوجوهم فيجعل لكم بسببهم الأختان والأصهار. وقال الحسن وعكرمة والضحاك: هم الخدم. وقال مجاهد: هم الأعوان وكل من أعانك قد حفدك، وقال عطاء: هم ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه وقيل: هم أهل المهنة الذين يمتهنون ويخدمون من الأولاد وقال مقاتل والكلبي:
البنين هم الصغار والحفدة كبار الأولاد الذين يعينون الرجل على عمله، وقال ابن عباس: هم ولد الولد. وفي رواية أخرى عنه أنهم بنو امرأة الرجل الذين ليسوا منه وكل هذه الأقوال متقاربة لأن اللفظ يحتمل الكل بحسب المعنى المشترك، وبالجملة فإن الحفدة هم غير البنين، لأن الله سبحانه وتعالى قال: بنين وحفدة فجعل بينهما مغايرة وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني النعم التي أنعم عليكم من أنواع الثمار والحبوب والحيوان، والأشربة المستطابة الحلال من ذلك كله أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ يعني بالأصنام وقيل: بالشيطان يؤمنون وقيل: معناه يصدقون أن لي شريكا وصاحبة وولدا وهذا استفهام إنكار أي ليس لهم ذلك وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ يعني أنهم يضيفون ما أنعم الله به عليهم إلى غيره، وقيل معناه إنهم يجحدون ما أحل الله لهم وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني الأصنام التي لا تقدر على إنزال المطر الذي في السموات خزائنه، ولا يقدرون على إخراج النبات الذي في الأرض معدنه شَيْئاً يعني لا يملك من الرزق شيئا قليلا ولا كثيرا، وقيل معناه يعبدون ما لا يرزق شيئا وَلا يَسْتَطِيعُونَ يعني ولا يقدرون على شيء يذكر عجز الأصنام عن إيصال نفع أو دفع ضر.
[سورة النحل (16): الآيات 74 الى 77]
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ يعني لا تشبهوا الله بخلقه فإنه لا مثل له، ولا شبيه ولا شريك من خلقه، لأن الخلق كلهم عبيده، وفي ملكه فكيف يشبه الخالق بالمخلوق، أو الرازق بالمرزوق، أو القادر بالعاجز إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ يعني ما أنتم عليه من ضرب الأمثال له وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ خطأ ما تضربون له من الأمثال. قوله تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً لما نهاهم الله سبحانه وتعالى عن
ضرب الأمثال، لقلة علمهم ضرب هو سبحانه وتعالى لنفسه مثلا، فقال تعالى: مثلكم في إشراككم بالله الأوثان، كمثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر كريم مالك قادر، قد رزقه الله مالا فهو يتصرف فيه، وينفق منه كيف يشاء، فصريح العقل يشهد بأنه لا تجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال، فلما لم تجز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة البشرية، فكيف يجوز للعقل أن يسوي بين الله عز وجل الخالق القادر على الرزق والإفضال وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء البتة؟ وقيل: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر والمراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، لأنه لما كان محروما من عبادة الله وطاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز الذي لا يقدر على شيء، وقيل: إن الكافر لما رزقه الله مالا فلم يقدم فيه خيرا صار كالعبد الذي لا يملك شيئا، والمراد بقوله ومن رزقناه منا رزقا حسنا، المؤمن لأنه لما اشتغل بطاعة الله، وعبوديته والإنفاق في وجوه البر والخير صار كالحر المالك الذي ينفق سرا وجهرا في طاعة الله، وابتغاء مرضاته وهو قوله سبحانه وتعالى فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً فأثابه الله الجنة على ذلك. فإن قلت: لم قال عبدا مملوكا لا يقدر على شيء، وكل عبد هو مملوك وهو غير قادر على التصرف؟ قلت: إنما ذكر المملوك ليتميز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعا لأنهما من عباد الله، وقوله: لا يقدر على شيء احترز به عن المملوك المكاتب والمأذون له في التصرف، لأنهما يقدران على التصرف واحتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئا هَلْ يَسْتَوُونَ ولم يقل هل يستويان يعني هل يستوي الأحرار والعبيد، والمعنى كما لا يستوي هذا الفقير البخيل، والغني السخي كذلك لا يستوي الكافر العاصي، والمؤمن الطائع، وقال عطاء في قوله: عبدا مملوكا هو أبو جهل بن هشام ومن رزقناه منا رزقا حسنا، هو أبو بكر الصديق ثم قال تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ حمد الله نفسه لأنه المستحق لجميع المحامد لأنه المنعم المتفضل على عباده، وهو الخالق الرازق لا هذه الأصنام التي عبدها هؤلاء، فإنها لا تستحق الحمد لأنها جماد عاجز، لا يد لها على أحد ولا معروف، فتحمد عليه إنما الحمد الكامل لله لا لغيره فيجب على جميع العباد، حمد الله لأنه أهل الحمد والثناء الحسن بَلْ أَكْثَرُهُمْ يعني الكفار لا يَعْلَمُونَ يعني أن الحمد لله لا لهذه الأصنام وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ هو الذي ولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم، والأبكم الذي لا يفهم ولا يفهم لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ هو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل، وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أي ثقيل على من يلي أمره ويعوله وقيل أصله من الغلظ وهو نقيض الحدة، يقال كل السكين إذا غلظت شفرته وكل اللسان إذا غلظ فلم يقدر على النطق، وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه، فقوله وهو كل على مولاه أي غليظ ثقيل على مولاه أَيْنَما يُوَجِّهْهُ أي حيثما يرسله ويصرفه في طلب حاجة أو كفاية مهم لا يَأْتِ بِخَيْرٍ يعني لا يأت بجنح لأنه أخرس عاجز لا يحسن ولا يفهم هَلْ يَسْتَوِي يعني من هذه صفته هُوَ يعني صاحب هذه الصفات المذمومة وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ يعني ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات ذو رشد وديانة يأمر الناس بالعدل والخير وَهُوَ في نفسه عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني على سيرة صالحة ودين قويم، فيجب أن يكون الآمر بالعدل، عالما قادرا مستقيما في نفسه حتى يتمكن من الأمر بالعدل، وهذا مثل ثان ضربه الله لنفسه، ولما يفيض على عباده من إنعامه ويشملهم به من آثار رحمته
وألطافه وللأصنام التي هي أموات جماد، لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تنطق ولا تعقل، وهي كل على عابديها، لأنها تحتاج إلى كلفة الحمل والنقل والخدمة. وقيل: كلا المثلين للمؤمن والكافر، والمؤمن: هو الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. والكافر: هو الأبكم الثقيل الذي لا يأمر بخير فعلى هذا القول تكون الآية على العموم في كل مؤمن وكافر. وقيل: هي على الخصوص فالذي يأمر بالعدل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على صراط مستقيم، والذي يأمر بالظلم وهو أبكم أبو جهل. وقيل: الذي يأمر بالعدل عثمان بن عفان، وكان له مولى يأمره بالإسلام وذلك المولى يأمر عثمان بالإمساك عن الإنفاق في سبيل الله تعالى، فهو الذي لا يأت بخير.