الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العذاب فلذلك قال في جميعهم ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا ولا يقال أولى إلا مع اشتراك القوم في العذاب وقيل معنى الآية أنهم أحق بدخول النار.
قوله عز وجل وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها أي وما منكم إلا واردها وقيل القسم فيه مضمر أي والله ما منكم من أحد إلا واردها والورود هو موافاة المكان، واختلفوا في معنى الورود ها هنا وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله واردها فقال ابن عباس والأكثرون: معنى الورود هنا الدخول، والكناية راجعة إلى النار، فيدخلها البر والفاجر ثم ينجي الله الذين اتقوا منها، يدل عليه ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس في الورود فقال ابن عباس: هو الدخول فقال نافع: ليس الورود الدخول فقرأ ابن عباس إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ أدخلها هؤلاء أم لا ثم قال يا نافع والله أنا وأنت سنردها وأنا أرجو أن يخرجني الله منها وما أرى الله أن يخرجك منها بتكذيبك فمن قال بدخول المؤمنين النار يقول من غير خوف ولا ضرر ولا عذاب البتة بل مع الغبطة والسرور لأن الله تعالى أخبر عنهم لا يحزنهم الفزع الأكبر. فإن قلت كيف يدفع عن المؤمنين حر النار وعذابها، قلت يحتمل أن الله تعالى يخمد النار فتعبرها المؤمنون، ويحتمل أن الله تعالى يجعل الأجزاء الملاصقة لأبدان الكفار من النار محرقة والأجزاء الملاصقة لأبدان المؤمنين تكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت في حق إبراهيم عليه السلام، وكما أن الملائكة الموكلين بها لا يجدون ألمها فإن قلت إذا لم يكن على المؤمنين عذاب فما فائدة دخولهم النار.
قلت فيه وجوه، أحدها: أن ذلك مما يزيدهم سرورا إذا علموا الخلاص منه، وثانيها: أن فيه مزيد غم على أهل النار، حيث يرون المؤمنين يتخلصون منها وهم باقون فيها، وثالثها: أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب الذي على الكفار صار ذلك سببا لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة. وقال قوم ليس المراد من الورود الدخول، وقالوا لا يدخل النار مؤمن أبدا لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها فعلى هذا يكون المراد من الورود الحضور والرؤية، لا الدخول كما قال تعالى وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ أراد به الحضور، وقال عكرمة الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها وروي عن ابن مسعود أنه قال وإن منكم إلا واردها، يعني القيامة والكناية راجعة إليها، والقول الأول أصح وعليه أهل السنة فإنهم جميعا يدخلون النار ثم يخرج الله منها أهل الإيمان بدليل قوله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الشرك وهم المؤمنون والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه، يدل ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يموت لأحد من المؤمنين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم» وفي رواية «فيلج النار إلا تحلة القسم» أخرجاه في الصحيحين، أراد بالقسم قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (م) عن أم مبشر الأنصارية أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة «لا يدخل النار إن شاء الله تعالى من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول الله فانتهزها فقالت حفصة وإن منكم إلا واردها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا.
وقال خالد بن معدان يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار، فيقال بلى ولكنكم مررتم بها وهي خامدة وفي الحديث «تقول النار للمؤمنين جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي» . وروي عن مجاهد في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قال من حم من المسلمين فقد وردها» وفي الخبر «الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار» (ق) عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» قوله فيح جهنم وهجها وحرها.
وقوله تعالى كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا أي كان ورود جهنم قضاء لازما قضاه الله تعالى عليكم وأوجبه.
[سورة مريم (19): آية 72]
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72)
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الشرك وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا أي جميعا، وقيل جاثين على الركب قالت المعتزلة في الآية دليل على صحة مذهبهم، في أن صاحب الكبيرة والفاسق يخلد في النار بدليل أن الله بين أن الكل يردونها ثم بين صفة من ينجو منها، وهم المتقون والفاسق لا يكون متقيا فبقي في النار أبدا. وأجيب عنه بأن المتقي هو الذي يتقي الشرك بقول لا إله إلا الله ويشهد لصحة ذلك أن من آمن بالله ورسوله، صح أن يقول إنه متق من الشرك ومن صدق عليه أنه متق من الشرك صح أنه متق، لأن المتقي جزء من المتقي من الشرك ومن صدق عليه المركب صدق عليه المفرد، فثبت أن صاحب الكبيرة متق وإذا ثبت ذلك وجب أن يخرج من النار بعموم قوله تعالى ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا
فصارت الآية التي توهموها دليلا لهم من أقوى الدلائل على فساد قولهم، وهذا من حيث البحث وأما من حيث النص فقد وردت أحاديث تدل على إخراج المؤمن الموحد من النار (خ) عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير وفي رواية من إيمان» . (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا لا. يا رسول الله. قال هل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا. يا رسول الله.
قال فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة، فيقول الله من كان يعبد شيئا فليتبعه فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا، فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا نعم.
قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تعالى تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من ينجدل ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجوهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أعضاء السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار فقد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق.
فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى نكهتها وبهجتها سكت ما شاء الله تعالى أن يسكت، ثم يقول يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله أليس قد أعطيت المواثيق والعهود أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول فما عسيت أن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره فيقول وعزتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها رأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول يا رب أدخلني الجنة. فيقول الله تبارك وتعالى ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز وجل منه ثم يؤذن له في دخول الجنة فيقول له تمن فيتمنى. حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله تمن كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله لك ذلك ومثله معه». قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة «وعشرة أمثاله» قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعته يقول «لك ذلك وعشرة أمثاله» . وفي رواية للبخاري قال فيأتيهم الله في غير الصورة التي