الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين عباده إِذْ قالَ لِأَبِيهِ
يعني آزر وهو يعبد الأصنام يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ
يعني صوتا وَلا يُبْصِرُ
لا ينظر شيئا وَلا يُغْنِي عَنْكَ
أي يكفيك شَيْئاً
وصف الأصنام بثلاثة أشياء كل واحد منها قادح في الإلهية، وذلك أن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا يستحقها إلا من له ولاية الإنعام وله أوصاف الكمال وهو الله تعالى فلا يستحق العبادة إلا هو يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ يعني بالله والمعرفة ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أي على ديني أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا أي مستقيما يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ أي لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك.
إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا أي عاصيا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أي أعلم، وقيل هو على ظاهره لأنه يمكن أن يؤمن فيكون من أهل الجنة، أو يصر على الكفر فيكون من أهل النار فحمل الخوف على ظاهره أولى.
واعلم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رتب هذا الكلام في غاية الحسن مقرونا بالتلطف والرفق، فإن قوله في مقدمة كلامه يا أبت دليل على شدة الحب والرغبة في صرفه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب، لأنه نبه أولا على ما يدل على المنع من عبادة الأصنام ثم أمره باتباعه في الإيمان، ثم نبه على أن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي بقوله إني أخاف أَنْ يَمَسَّكَ أي يصيبك عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ أي إن أقمت على الكفر فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا أي قرينا في النار، وقيل صديقا له في النار، وإنما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا مع أبيه لأمور أحدها: لشدة تعلق قلبه بصلاحية أبيه وأداء حق الأبوة والرفق به، وثانيها: أن النبيّ الهادي إلى الحق لا بد أن يكون رفيقا لطيفا حتى يقبل منه كلامه، وثالثها:
النصح لكل أحد فالأب أولى قالَ يعني أباه مجيبا له أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ أي أتاركها أنت وتارك عبادتها لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ أي ترجع وتسكت عن عيبك آلهتنا وشتمك إياها لَأَرْجُمَنَّكَ قال ابن عباس:
معناه لأضربنك، وقيل لأقتلنك بالحجارة، وقيل لأشتمنك، وقيل لأبعدنك عني بالقول القبيح والقول الأول هو الصحيح وَاهْجُرْنِي أي اجتنبني قال ابن عباس: اعتزلني سالما لا يصيبنك مني معرة مَلِيًّا أي دهرا طويلا.
[سورة مريم (19): الآيات 47 الى 57]
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51)
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56)
وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57)
قالَ يعني إبراهيم سَلامٌ عَلَيْكَ أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه وذلك لأنه لم يؤمن بقتاله على كفره، وقيل هذا سلام هجران ومفارقة، وقيل هو سلام بر ولطف وهو جواب الحليم للسفيه سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي، قيل إنه لما أعياه أمره وعده أن يراجع الله فيه فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له، وقيل معناه سأسأل لك ربي توبة تنال بها المغفرة إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أي برا لطيفا والمراد أنه يستجيب لي إذا دعوته لأنه عودني الإجابة لدعائي وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي أفارقكم وأفارق ما تعبدون من دون الله وذلك أنه فارقهم وهاجر إلى الأرض المقدسة وَأَدْعُوا رَبِّي أي أعبد ربي الذي خلقني وأنعم علي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا أي أرجو أن لا أشقى بدعاء ربي وعبادته كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام، ففيه التواضع له مع التعريض بشقاوتهم. قوله عز وجل فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي ذهب مهاجرا وَهَبْنا لَهُ أي بعد الهجرة
إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أي آنسنا وحشته من فراقهم بأولاد أكرم على الله من أبيه وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا أي أنعمنا عليهما بالنبوة وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا أي مع ما وهبنا لهم من النبوة وهبنا لهم المال والولد وذلك أنه بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق وكثرة الأولاد وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا يعني ثناء حسنا رفيعا في أهل كل دين حتى دعا لهم أهل الأديان كلهم فهم يتولونهم ويثنون عليهم.
قوله عز وجل وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً قرئ بكسر اللام أي أخلص العبادة، والطاعة لله تعالى ولم يراء وقرئ بالفتح أي مختارا اختاره الله تعالى ثم استخلصه واصطفاه وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا فهذان وصفان مختلفان فكل رسول نبي ولا عكس وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ أي من ناحية يمين موسى، والطور جبل معروف بين مصر ومدين ويقال إن اسمه الزبير، وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار فنودي يا موسى إني أنا رب العالمين وَقَرَّبْناهُ قال ابن عباس: قربه وكلمه ومعنى التقريب إسماعه كلامه وقيل رفعه على الحجب حتى سمع صرير الأقلام، وقيل معناه رفع قدره ومنزلته أي وشرفناه بالمناجاة وهو قوله تعالى نَجِيًّا أي مناجيا وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا وذلك أن موسى دعا ربه فقال واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي فأجاب الله دعوته، وأرسل إلى هارون ولذلك سماه هبة له وكان هارون أكبر من موسى.
قوله عز وجل وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ هو إسماعيل بن إبراهيم وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ قيل إنه لم يعد شيئا إلا وفي به وقيل إنه وعد رجلا أن يقوم مكانه حتى يرجع الرجل فوقف إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد، حتى رجع إليه الرجل وقيل إنه وعد نفسه الصبر على الذبح فوفى به، فوصفه الله بهذا الخلق الحسن الشريف، سئل الشعبي عن الرجل يعد ميعادا إلى أي وقت ينتظر فقال إن وعده نهارا فكل النهار وإن وعده ليلا فكل الليل، وسئل بعضهم عن مثل ذلك فقال إن وعده في وقت صلاة ينتظر إلى وقت صلاة أخرى وَكانَ رَسُولًا إلى جرهم، وهم قبيلة من عرب اليمن نزلوا على هاجر أم إسماعيل بوادي مكة حين خلفهم إبراهيم، وجرهم هو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ وقحطان أبو قبائل اليمن نَبِيًّا أي مخبرا عن الله تعالى وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ أي قومه وجميع أمته بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ قال ابن عباس: يريد الصلاة المفروضة عليهم وهي الحنيفية التي افترضت علينا، وقيل كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاة والعبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا أي قائما لله بطاعته وقيل رضيه لنبوته ورسالته وهذا نهاية في المدح لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعة بأعلى الدرجات. قوله عز وجل وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ هو جد أبي نوح واسمه أخنوخ، سمي إدريس لكثرة دراسة الكتب وكان خياطا وهو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وكانوا من قبل يلبسون الجلود وهو أول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار، وأول من نظر في علم الحساب.
إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وذلك أن الله تعالى شرفه بالنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قيل هي الرفعة بعلو المرتبة في الدنيا، وقيل إنه رفع إلى السماء. وهو الأصح يدل عليه ما روى أنس بن مالك بن صعصعة «عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج» متفق عليه وكان سبب رفع إدريس إلى السماء الرابعة على ما قاله كعب الأحبار وغيره: أنه سار يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب إني مشيت يوما فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال يا رب خلقتني لحر الشمس فما الذي قضيت فيه؟ قال إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها، فأجبته قال يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أتى إدريس، فكان إدريس يسأله فكان ما سأله أن قال إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي لعلي ازداد شكرا وعبادة فقال الملك لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها