الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل لما ضرب موسى فرعون بالعصا في صغره فأراد فرعون قتله قالت امرأته هو صغير فتركه وأمر بإخراجه من مدينته فأخرج منها فلم يدخل عليهم حتى كبر وبلغ أشده فدخل على حين غفلة من أهلها يعني عن ذكر موسى ونسيانهم خبره لبعد عهدهم به. وعن علي أنه كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ أي يتخاصمان ويتنازعان هذا مِنْ شِيعَتِهِ أي من بني إسرائيل وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ يعني من القبط وقيل هذا مؤمن وهذا كافر وقيل الذي كان من الشيعة هو السامري والذي من عدوه هو طباخ فرعون واسمه فاتون وكان القبطي يريد أن يأخذ الإسرائيلي يحمله الحطب. وقال ابن عباس: لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم فوجد موسى رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من القبط فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ يعني الإسرائيلي عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ يعني الفرعوني والاستغاثة طلب الغوث والمعنى أنه سأله أن يخلصه منه وأن ينصره عليه فغضب موسى واشتد غضبه لأنه أخذه وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة فقال موسى للفرعوني: خلّ سبيله فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك فنازعه فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة فَوَكَزَهُ مُوسى يعني ضربه بجميع كفه وقيل الوكز الضرب في الصدر وقيل الوكز الدفع بأطراف الأصابع فَقَضى عَلَيْهِ يعني قتله وفرغ من أمره فندم موسى عليه ولم يكن قصد القتل فدفنه في الرمل قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ يعني بين الضلالة وقيل في قوله هذا إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه، والمعنى أن عمل هذا المقتول من عمل الشيطان والمراد منه بيان كونه مخالفا لله سبحانه وتعالى مستحقا للقتل وقيل هذا إشارة إلى المقتول يعني أنه من جند الشيطان وحزبه قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي يعني بقتل القبطي من غير أمر وقيل هو على سبيل الاتضاع لله تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب. وقوله فَاغْفِرْ لِي يعني ترك هذا المندوب وقيل يحتمل أن يكون المراد «رب إني ظلمت نفسي» حيث فعل هذا فإن فرعون إذا عرف ذلك قتلني به فقال أي فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون فَغَفَرَ لَهُ أي فستره عن الوصول إلى فرعون إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قالَ رَبِّ بِما أي بالمغفرة والستر الذي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ معناه فأنا لا أكون معاونا لأحد من المجرمين قال
ابن عباس الكافرين وفيه دليل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا.
قال ابن عباس لم يستثن فابتلي في اليوم الثاني أي لم يقل فلم أكن إن شاء الله ظهيرا للمجرمين فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ أي التي قتل فيها القبطي خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي ينتظر سوءا والترقب انتظار المكروه وقيل ينتظر متى يؤخذ به فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ أي يستغيث به من بعد. قال ابن عباس: أتي فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فخذ لنا بحقنا فقال اطلبوا قاتله ومن يشهد عليه فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني وكان موسى قد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي قالَ لَهُ مُوسى للإسرائيلي إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أي ظاهر الغواية قاتلت رجلا بالأمس فقتلته بسببك وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه.
[سورة القصص (28): الآيات 19 الى 24]
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما وذلك أن موسى أخذته الغيرة والرقة للإسرائيلي فمد يده ليبطش بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضب موسى وسمع قوله إنك لغوي مبين قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ معناه أنه لم يكن علم أحد من قوم فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي حتى أفشى عليه الإسرائيلي ذلك فسمعه القبطي فأتى فرعون فأخبره بذلك إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ أي بالقتل ظلما وقيل الجبار هو الذي يقتل ويضرب ولا ينظر في العواقب وقيل هو الذي يتعاظم ولا يتواضع لأمر الله تعالى وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ولما فشا أن موسى قتل القبطي أمر فرعون بقتله فخرجوا في طلبه وسمع بذلك رجل من شيعة موسى يقال إنه مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وقيل شمعون وقيل سمعان وهو قوله تعالى وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى أي يسرع في مشيه وأخذ طريقا قريبا حتى سبق إلى موسى وأخبره وأنذره بما سمع قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ يعني يتشاورون فيك لِيَقْتُلُوكَ وقيل يأمر بعضهم بعضا بقتلك فَاخْرُجْ يعني من المدينة إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ يعني في الأمر بالخروج فَخَرَجَ مِنْها يعني موسى خائِفاً على نفسه من آل فرعون يَتَرَقَّبُ يعني ينتظر الطلب هل يلحقه فيأخذه ثم لجأ إلى الله تعالى لعلمه أنه لا ملجأ إلا إليه قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني الكافرين.
قوله تعالى وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ يعني قصد نحوها ماضيا قيل إنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة لأن أهل مدين من ولد إبراهيم وموسى من ولد إبراهيم ومدين هو مدين بن إبراهيم سميت البلد باسمه وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام، قيل خرج موسى خائفا بلا ظهر ولا زاد ولا أحد ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ونبات الأرض حتى رأى خضرته في بطنه وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه قال ابن عباس وهو أول ابتلاء من الله لموسى قالَ يعني موسى عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ يعني قصد الطريق إلى مدين وذلك أنه لم يكن يعرف الطريق إليها قيل لما دعا موسى جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين. قوله عز وجل وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ هو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم وَجَدَ عَلَيْهِ يعني على الماء أُمَّةً يعني جماعة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ يعني مواشيهم وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ يعني سوى الجماعة وقيل بعيدا من الجماعة امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أي تحبسان وتمنعان أغنامهما عن أن تند وتذهب والقول الأول أولى لما بعده وهو قوله قالَ يعني موسى للمرأتين ما خَطْبُكُما أي ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس قالَتا لا نَسْقِي يعني أغنامنا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ أي حتى يرجع الرعاء من الماء والمعنى أنا امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا نحن مواشينا من فضل ما بقي منهم في الحوض وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ أي لا يقدر أن يسقي مواشيه فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم، قيل أبوهما هو شعيب عليه الصلاة والسلام. وقيل هو بيرون ابن أخي شعيب وكان شعيب قد مات بعد ما كف بصره وقيل هو رجل ممن آمن بشعيب فلما سمع موسى كلامهما رق لهما ورحمهما فاقتلع صخرة من على رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس. وقيل زاحم القوم ونحاهم كلهم عن البئر وسقى لهما الغنم وقيل لما فرغ الرعاء من السقي غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر فجاء موسى فرفع الحجر ونزع دلوا واحدا فيه بالبركة وسقى الغنم فرويت فذلك قوله تعالى فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ يعني