الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتزودون منها إلى الآخرة والقول الأول أولى وهو قول جمهور المفسرين لأن الله فسر هذه الدار بقوله جَنَّاتُ عَدْنٍ يعني بساتين إقامة من قولهم: عدن بالمكان، أي أقام به يَدْخُلُونَها يعني تلك الجنات لا يرحلون عنها ولا يخرجون منها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني تجري الأنهار في هذه الجنات من تحت دور أهلها وقصورهم ومساكنهم لَهُمْ فِيها يعني في الجنات ما يَشاؤُنَ يعني ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين مع زيادات غير ذلك، وهذه الحالة لا تحصل لأحد إلا في الجنة لأن قوله فيها ما يشاءون لا يفيد الحصر، وذلك يدل على أن الإنسان لا يجد كل ما يريد في الدنيا كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ أي هكذا يكون جزاء المتقين، ثم عاد إلى وصف المتقين فقال تعالى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يعني مؤمنين طاهرين من الشرك. قال مجاهد: زاكية أقوالهم وأفعالهم وقيل: إن قوله طيبين كلمة جامعة لكل معنى حسن فيدخل فيه أنهم، أتوا بكل ما أمروا به من فعل الخيرات والطاعات، واجتنبوا كل ما نهوا عنه من المكروهات، والمحرمات مع الأخلاق الحسنة والخصال الحميدة، والمباعدة من الأخلاق المذمومة والخصال المكروهة القبيحة وقيل معناه إن أوقاتهم تكون طيبة سهلة لأنهم يبشرون عند قبض أرواحهم بالرضوان والجنة والكرامة، فيحصل لهم عند ذلك الفرح والسرور والابتهاج، فيسهل عليهم قبض أرواحهم ويطيب لهم الموت على هذه الحالة يَقُولُونَ يعني الملائكة لهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعني تسلم عليهم الملائكة أو تبلغهم السلام من الله ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يعني في الدنيا من الأعمال الصالحة. فإن قلت
: كيف الجمع بين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وبين قوله: صلى الله عليه وسلم «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته» أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة؟ قلت: قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله في شرح مسلم. اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا غيرها إلا بالشرع ومذهب أهل السنة أيضا أن الله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بل العالم كله ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار كان ذلك عدلا منه، وإذا أكرمهم ورحمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه ولو نعم الكافرون، وأدخلهم الجنة كان ذلك له ومنه فضلا، ولكنه سبحانه وتعالى أخبر وخبره صادق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلا منه. وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال ويوجبون الأصلح في خبط طويل لهم، تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع. وفي ظاهر هذا الحديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته. وأما قوله سبحانه وتعالى:«ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون- وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون» ونحوها من الآيات التي تدل على أن الأعمال الصالحة يدخل بها الجنة، فلا تعارض بينها، وبين هذا الحديث بل معنى الآيات: أن دخول الجنة بسبب الأعمال والتوفيق للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله فيصح أنه لم يدخل الجنة بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة، والفضل والمنة والله أعلم بمراده قوله تعالى:
[سورة النحل (16): الآيات 33 الى 38]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38)
ْ يَنْظُرُونَ
يعني هؤلاء الذين أشركوا بالله وجحدوا نبوتك يا محمدلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ
يعني لقبض أرواحهم وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ
يعني بالعذاب في الدنيا وهو عذاب الاستئصال. وقيل: المراد به يوم القيامةذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يعني من الكفر والتكذيب ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
يعني بتعذيبه إياهم لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
يعني باكتسابهم المعاصي، والكفر والأعمال القبيحة الخبيثة، فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا يعني فأصابهم عقوبات ما اكتسبوا من الأعمال الخبيثة وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ والمعنى ونزل بهم جزاء استهزائهم وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا يعني أن مشركي مكة قالوا هذا على طريق الاستهزاء. والحاصل أنهم تمسكوا بهذا القول في إنكار النبوة، فقالوا: لو شاء الله منا الإيمان لحصل جئت أو لم تجيء ولو شاء الله منا الكفر لحصل جئت أو لم تجيء. وإذا كان كذلك فالكل من الله، فلا فائدة في بعثة رسل إلى الأمم والجواب عن هذا أنهم لما قالوا: إن الكل من الله فكانت بعثة الرسل عبثا كان هذا اعتراضا على الله تعالى، وهو جار مجرى طلب العلة في أحكام الله، وفي أفعاله وهو باطل لأن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا اعتراض لأحد عليه في أحكامه وأفعاله، ولا يجوز لأحد أن يقول له لم فعلت هذا، ولم لم تفعل هذا وكان في حكم الله وسنته في عباده إرسال الرسل إليهم ليأمروهم بعبادة الله تعالى، وينهوهم عن عبادة غيره وأن الهداية والإضلال إليه فمن هداه فهو المهتدي، ومن أضله فهو الضال وهذه سنة الله في عباده أنه يأمر الكل بالإيمان به وينهاهم عن الكفر. ثم إنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلى الإيمان، ويضلّ من يشاء فلا اعتراض لأحد عليه. ولما كانت سنة الله قديمة ببعثة الرسل إلى الأمم الكافرة المكذبة كان قول هؤلاء لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا جهلا منهم، لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الرسل وهذا الاعتقاد باطل فلا جرم استحقوا عليه الذم والوعيد. وأما قوله تعالى وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ يعني الوصيلة والسائبة والحام. والمعنى: فلولا أن الله رضيها لنا لغير ذلك ولهدانا إلى غيره كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني أن من تقدم هؤلاء من كفار مكة ومن الأمم الماضية كانوا على هذه الطريقة، وهذا الفعل الخبيث فإنكار بعثة الرسل كان قديما في الأمم الخالية فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ يعني ليس إليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يعني كما بعثنا فيكم محمدا صلى الله عليه وسلم أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ يعني أن الرسل كانوا يأمرونهم بأن يعيدوا الله وأن يجتنبوا عبادة الطاغوت، وهو اسم كل معبود من دون الله فَمِنْهُمْ يعني فمن الأمم الذين جاءتهم الرسل مَنْ هَدَى اللَّهُ يعني هداه الله إلى الإيمان به وتصديق رسله وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ يعني، ومن الأمم من وجبت عليه الضلالة بالقضاء السابق في الأزل حتى مات على الكفر والضلال، وفي هذه الآية أبين دليل على أن الهادي، والمضل هو الله تعالى لأنه المتصرف في عباده فيهدي من يشاء ويضل من يشاء لا اعتراض لأحد عليه بما حكم به في سابق علمه فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ يعني فسيروا في الأرض معتبرين متفكرين لتعرفوا مآل من كذب الرسل، وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك، ولتعرفوا أن العذاب نازل بكم إن أصررتم على الكفر والتكذيب كما نزل بهم. قوله سبحانه وتعالى إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء، وإيمانهم وتجتهد كل الاجتهاد فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ قرئ بفتح الياء وكسر الدال يعني لا يهدي الله من أضله، وقيل: معناه لا يهتدي من