الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ
أنه خالقهما فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفة إلا بما ذكرته لكم، فإن أيقنتم بذلك لزمكم أن تقطعوا أنه لا جواب لكم عن هذا السؤال إلا ما ذكرته من الجواب، وقال أهل المعاني أي كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينونها، فأيقنوا أن إله الخلق هو الله تعالى الذي خلقها وأوجدها فلما قال ذلك موسى تحير فرعون في جواب موسى قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أي من أشراف قومه قال ابن عباس: كانوا خمسمائة رجل عليهم الأسورة أَلا تَسْتَمِعُونَ وإنما قال فرعون: ذلك على سبيل التعجب من جواب موسى، يعني أني إنما أطلب منه الماهية وخصوصية الحقيقة وهو يجيبني بأفعاله وآثاره وقيل: إنهم كانوا يعتقدون إن آلهتهم ملوكهم ثم زادهم موسى في البيان قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ يعني أن موسى ذكر ما هو أقرب فقال ربكم يعني أنه خالقكم وخالق آبائكم الأولين قالَ يعني فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ يعني المقصود من السؤال طلب الماهية، وهو يجيب بالآثار الخارجة وهذا لا يفيد البتة فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون لا يفهم السؤال فضلا عن أن يجيب عنه، ويتكلم بكلام لا نقبله ولا نعرف صحته، وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل فزاد في البيان قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فعدل إلى طريق ثالث أوضح من الثاني، ومعنى إن كنتم تعقلون قد عرفتم أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت قالَ فرعون حين لزمته الحجة، وانقطع عنه الجواب تكبرا عن الحق لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قيل كان سجن فرعون أشد من القتل، لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان يهوي فيه إلى الأرض وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه قالَ له موسى حين توعده بالسجن أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي بآية بينة والمعنى أتفعل ذلك، ولو جئتك بحجة بينة وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون إلى الإنصاف والإجابة إلى الحق بالبيان قالَ يعني فرعون فَأْتِ بِهِ أي إنا لن نسجنك حينئذنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ
قيل إنها لما صارت حية ارتفعت في السماء، قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون فقال: بالذي أرسلك ألا أخذتها فأخذها موسى، فعادت عصا كما كانت فقال وهل غيرها قال نعم وأراه يده ثم أدخلها في جيبه ثم أخرجها، فإذا هي بيضاء من غير برص لها شعاع كشعاع الشمس وهو قوله وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ فعند ذلك قالَ فرعون لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا يعني موسى لَساحِرٌ عَلِيمٌ وكان زمان السحر فلهذا روج فرعون هذا القول على قومه ثم قال يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ قال هذا القول على سبيل التنفير لئلا يقبلوا قول موسى فَماذا تَأْمُرُونَ يعني ما رأيكم فيه وما الذي أعمله فعند ذلك قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخره وأخاه وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ قيل إن فرعون أراد قتل موسى فقالوا لا تفعل فإنك إن قتلته دخلت الناس شبهة في أمره ولكن أخره واجمع له سحرة ليقاوموه ولا تثبت له عليك حجة. قوله تعالى فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ يعني يوم الزينة قال ابن عباس وافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة، وهو يوم النيروز وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ أي لتنظروا ما يفعل الفريقان، ولمن تكون الغلبة لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ لموسى قيل أراد بالسحرة موسى وهارون وقالوا: ذلك على طريقة الاستهزاء فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ طلبوا من فرعون الجزاء، وهو بذل المال والجاه فبذل لهم ذلك كله، وأكده بقوله:
[سورة الشعراء (26): الآيات 42 الى 61]
قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46)
قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56)
فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ أي بعظمة فرعون إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ أي ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم قيل: إن عصى موسى صارت حية وابتلعت كل ما رموه من حبالهم وعصيهم ثم أخذها موسى فإذا هي كما كانت أول مرة فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قيل إنهم لما رأوا ما جاوز حد السحر علموا أنه ليس بسحر، ثم لم يتمالكوا أن خروا ساجدين ثم إنهم قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ وإنما قالوا رب موسى وهارون، لأن فرعون كان يدعي الربوبية فأرادوا عزله قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ فيه وعيد مطلق وتهديد شديد ثم بين ذلك الوعيد فقال لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ أي لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا، لأنا ننقلب ونصير إلى ربنا في الآخرة مؤمنين مؤملين غفرانه وهو قولهم إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أي الكفر والسحر أَنْ أي لأن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ أي من أهل زماننا وقيل أول المؤمنين أي من الجماعة الذين حضروا ذلك الجمع. قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ أي يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج، قيل: أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل، كل أهل أربعة أبيات في بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وآمرهم أن لا يدخلوا بيتا على بابه دم، ثم اخبزوا فطيرا فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر، فيأتيك أمري ففعل ذلك موسى، ثم إن قوم موسى قالوا لقوم فرعون إن لنا في هذه الليلة عيدا فاستعاروا منهم حليهم، ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جهة البحر فلما سمع فرعون ذلك، قال: هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأخذوا أموالنا فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يعني الشرط يحشرون الجيش قيل: كانت المدائن ألف مدينة واثني عشر ألف قرية، فأرسل فرعون في أثر موسى وقومه ألف ألف وخمسمائة ألف، وخرج فرعون في الكرسي العظيم في مائتي ألف ملك مسورين مع كل ملك ألف فلذلك قال إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ قال أهل التفسير كانت الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف مقاتل، لم يعدوا دون العشرين وفوق الستين سنة وقال ابن مسعود كانت ستمائة ألف وسبعين ألفا، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ الغيظ الغضب يعني أنهم أغضبونا بمخالفتهم فينا وقتلهم أبكارنا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها، وخروجهم من أرضنا بغير إذن منا وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أي خائفون من شرهم وقرئ حذرون، أي ذوو قوة وأداة شاكو السلاح وقيل الحاذر الذي يحذرك الآن بالتحقيق من المتلبس بحمل السلاح، والحذر الذي لا تلقاه إلا خائفا فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ قيل: كانت البساتين ممتدة في حافتي النيل فيها عيون وأنهار جارية وَكُنُوزٍ يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة، وسماها كنوزا لأنه لم يؤد حق الله منها وكل مال لم يعط، ولم يؤد حق الله منه فهو كنز وإن كان ظاهرا قيل كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق، في عنق كل فرس طوق من ذهب قال الله تعالى وَمَقامٍ كَرِيمٍ أي مجلس حسن قيل: أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت لهم وقيل إنه كان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس