المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مما يوجب قدرته على أن يزيد كل ما يشاؤه إيجابًا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: مما يوجب قدرته على أن يزيد كل ما يشاؤه إيجابًا

مما يوجب قدرته على أن يزيد كل ما يشاؤه إيجابًا بينًا، ومن الأشياء الإنقاذ من الشهوات، والإخراج من الغفلات، والإدخال في دائرة العلم والشهود الذي هو من باب الزيادات، فمن استعجز القدرة الإلهية فقد كفر. والمعنى: فيزيد كل ما هو أهل للزيادة، وما هو مستعد لها حسية كانت أو معنوية، فلا يمنع عليه فعل شيء أراد لما له من القدرة والسلطان على كل شيء.

‌2

- و {مَا} في قوله: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ} شرطية في محل النصب بـ {يَفْتَحِ} ؛ أي: أيُّ شيء يفتح الله سبحانه {لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} ؛ أي: من خزائن رحمته، أية رحمة كانت من نعمة وصحة وعلم وحكمة ورزق ومطر إلى غير ذلك {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}؛ أي: لتلك الرحمة؛ أي: لا أحد من المخلوقات يقدر على إمساك تلك الرحمة، وحبسها عمن فتحت له، فإنه لا مانع لما أعطاه. وفي "الإرشاد": عبر عن إرسالها بالفتح إيذانًا بأنها أنفس الخزائن، وأعزها منالًا، وتنكيرها للإشاعة والإبهام. قيل: الفتح ضربان (1):

الأول: فتح إلهي، وهو النصرة بالوصول إلى العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة، ذلك قوله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} ، وقوله:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} .

والثاني: فتح دنيوي، وهو النصرة في الوصول إلى اللذات البدنية. وذلك قوله:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} ، وقوله:{لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} .

{وَمَا يُمْسِكْ} ؛ أي: وأيّ شيء يمسكه الله سبحانه من رحمته ويحبسه ويمنعه {فَلَا مُرْسِلَ لَهُ} ؛ أي: لا أحد من الموجودات يقدر على إرساله وإعطائه، فإنه لا معطي لما منعه، فهو سبحانه المعطي المانع، القابض الباسط، لا معطي سواه، ولا منعم غيره، واختلاف الضميرين بالتأنيث في الأول، والتذكير في الثاني لما أن مرجع الأول مفسر بالرحمة، ومرجع الثاني مطلق في كل ما يمسكه من رحمته وغضبه. ففي التفسير الأول وتقييده بالرحمة إيذان بأن رحمته سبقت غضبه؛ أي:

(1) روح البيان.

ص: 344

في التعلق، وإلا فهما صفتان لله تعالى لا تسبق إحداهما على الأخرى في ذاتهما. {مِنْ بَعْدِهِ} سبحانه؛ أي: فلا مرسل له من بعد إمساكه ومنعه كقوله: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} ؛ أي: من بعد إضلال الله إياه.

{وَهُوَ} سبحانه {الْعَزِيزُ} ؛ أي: الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك، فلا أحد ينازعه {الْحَكِيمُ} الذي يفعل ما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة. وفي "الخازن":{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فيما أمسك {الْحَكِيمُ} ؛ أي: فيما أرسل.

ومعنى الآية (1): مفاتيح الخير ومغاليقه كلها بيده سبحانه وتعالى، فما يعطِ من خير .. فلا يستطيع أحد منعه ولا إمساكه، وأيُّ خير يمسكه .. فلا يبسطه ولا يفتحه لهم فاتح؛ لأن الأمور كلها بيده تعالى، ومنها البذل والعطاء، والمنع والإمساك، وهو الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي منها الفتح والإمساك. وهو الحكيم الذي يفعل كل ما يفعل بحسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة. وفي الآية عظة للناس بالإقبال إلى ربهم، والتوجه إليه في قضاء حوائجهم، والتوكل عليه في جميع مآربهم، والإعراض عما سواه من جميع خلقه.

ونحو الآية قوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} . روى أحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا انصرف من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، وهو بالفتح: الحظ، والإقبال في الدنيا؛ أي: لا ينفع الفتى المحظوظ حظه في الدنيا منك؛ أي: عندك، وإنما ينفعه العمل والطاعة.

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربّنا لك الحمد ملء السماء والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم أهل الثناء والمجد أحق

(1) المراغي.

ص: 345