الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجْرَمْنَا}؛ أي: عما فعلنا واكتسبنا من الذنوب، وارتكبنا من الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن، {و} نحن {لَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الكفر والكبائر، بل كل مطالب بعمله، وكل زراع يحصد زرعه لا زرع غيره.
وهذا أبلغ في الإنصاف (1)، وأبعد من الجدل والاعتساف؛ حيث أسند فيه الإجرام، وإن أريد به الزلة وترك الأولى إلى أنفسهم مع كون أعمال المسلمين من البر الخالص، والطاعة المحضة، ومطلق العمل إلى المخاطبين، مع أن أعمالهم أكبر الكبائر والمعاصي المحضة، والمقصود: المهادنة والمتاركة، وقد نسخت هذه الآية وأمثالها بآية السيف، ونحو الآية قوله:{فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} .
فإن قلتَ: لِمَ ترك كنتم هنا في قوله: {عَمَّا تَعْمَلُونَ} ، وقد ذكره في غير هذا الموضع؟
قلتُ: تركه هنا؛ لأن قوله: {تَعْمَلُونَ} وقع في مقابلة {أَجْرَمْنَا} في قوله: {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} ، وضمير {أَجْرَمْنَا} للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، وغيره صدر منه ذنب، فعبَّر عنه بالماضي، والمخاطب في {تَعْمَلُونَ} الكفار، وكفرهم واقع في الحال، وفي المستقبل ظاهرًا، فعبّر عنه بالمضارع، فلا يناسبه: كنتم، مع أن الخطاب في ذلك واقع في الدنيا، والخطاب في غيره نحو {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} واقع في الآخرة، فناسبه التعبير بكنتم. اهـ "فتح الرحمن".
26
- ثم حذرهم وأنذرهم عاقبة أمرهم؛ إذ أمر رسوله أن يقول لهم بقوله: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء الكفرة {يَجْمَعُ بَيْنَنَا} بينكم {رَبُّنَا} يوم القيامة عند الحشر والحساب، {ثُمَّ يَفْتَحُ}؛ أي: يحكم ربنا، {بَيْنَنَا} وبينكم {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالحكم العدل، ويفصل بيننا وبينكم بعد ظهور حال كلٍّ منا ومنكم، بأن يدخل المحقين الجنة، والمبطلين النار. {وَهُوَ} سبحانه {الْفَتَّاحُ}؛ أي: الحاكم بالحق، القاضي بالصواب، الفيصل في القضايا المنغلقة. {الْعَلِيمُ} بما ينبغي أن يقضي به، وبمن يقضي له وعليه، ولا يخفى عليه شيء من ذلك، كما لا يخفى عليه ما عدا ذلك،
(1) روح البيان.
وهذه الآية منسوخة أيضًا بآية السيف (1).
ومعنى الآية: أي قل لهم (2): إن ربنا يوم القيامة يجمع بيننا حين الحشر والحساب، ثم يقضي بيننا بالعدل بعد ظهور حال كل منا ومنكم، وهو الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور، وهناك يجزى كل عامل بما عمل، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية، كما قال:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} .
وقال الزروقي (3): الفتاح: المتفضل بإظهار الخير والسعة على أثر ضيق، وانغلاق باب للأرواح والأشباح في الأمور الدنيوية والأخروية، وقال بعض المشايخ: الفتاح: من الفتح، وهو الإفراج عن الضيق، كالذي يفرّج تضايق الخصمين في الحق بحكمه، والذي يذهب ضيق النفس بخيره، وضيق الجهل بتعليمه، وضيق الفقر ببذله.
وقال الغزالي - رحمه الله تعالى -: الفتّاح: هو الذي بعنايته ينفتح كل منغلق وبهدايته ينكشف كل مشكل، فتارة يفتح الممالك لأنبيائه، ويخرجها من أيدي أعدائه، ويقول:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر} ، وتارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه، ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائه، وجمال كبريائه، ويقول:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} ، ومن بيده مفاتيح الغيب ومفاتيح الرزق .. فبالأحرى أن يكون فتاحًا، وخاصية هذا الاسم تيسير الأمور، وتنوير القلوب، والتمكين من أسباب الفتح، فمن قرأه في إثر صلاة الفجر إحدى وسبعين مرة، ويده على صدره .. طهر قلبه، وتنور سره، وتيسير أمره، وفيه تيسير الرزق وغيره.
والعليم: مبالغة العالم، وهو من قام به العلم، ومن عرف أنه تعالى هو العالم
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
(3)
روح البيان.