المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والحاصل: أن الله سبحانه أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبتت بدلها غير - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والحاصل: أن الله سبحانه أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبتت بدلها غير

والحاصل: أن الله سبحانه أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبتت بدلها غير المثمرة.

ومعنى الآية (1): أي فأعرضوا عن طاعة ربهم، وصدوا عن اتباع ما دعتهم إليه الرسل، فأرسل الله عليهم سيلا كثيرًا ملأ الوادي، وكسر السد، وخرَّبه، وذهب بالجنان والبساتين وأهلك الحرث والنسل، ولم يبق منهم إلا شراذم قليلة تفرقت في البلاد، وبدلوا بتلك الجنان والبساتين التي سبق وصفها بساتين ليس فيها إلا بعض أشجار لا يؤبه بها، كالخمط والأثل وقليل من النبق.

‌17

- ثم بيَّن سبب ذلك العقاب بقوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ} فالإشارة (2) بـ {ذَلِكَ} إلى مصدر {جَزَيْنَاهُمْ} فمحله النصب على أنه مصدر مؤكد له؛ أي: ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر، أو الإشارة إلى ما ذكر من التبديل، فمحله النصب على أنه مفعول ثان له؛ أي: ذلك التبديل جزيناهم لا غيره {بِمَا كَفَرُوا} ؛ أي: بسبب كفرانهم النعمة؛ حيث نزعناها منهم، ووضعنا مكانه ضدها، أو بسبب كفرهم بالرسل.

وفي هذه الآية: دليل على بعث الأنبياء بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فإنه روي أن الواقعة المذكورة كانت في الفترة التي بينهما، وما قيل من أنه لم يكن بينهما نبيٌّ يعني به: نبي ذو كتاب، كذا في "بحر العلوم"، فلا يشكل قوله عليه الصلاة والسلام:"ليس بيني وبينه نبي"؛ أي: رسول مبعوث بشريعة مستقلة، بل كل من بعث كان مقررًا لشريعة عيسى عليه السلام.

والاستفهام في قوله: {وَهَلْ نُجَازِي} إنكاري بمعنى النفي؛ أي: وما نجازي هذا الجزاء الفظيع بسلب النعمة، ونزول النقمة {إِلَّا الْكَفُورَ}؛ أي: إلا المبالغ في الكفران، أو في الكفر، وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها. والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالًا والكفر في الدين أكثر، والكفور فيهما جميعًا، وقال مجاهد: إن المؤمن يكفر عنه سيئاته، والكافر يجازي بكل عمل عمله.

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

ص: 238

وقرأ الجمهور (1): {يجازى} بضم الياء وفتح الزاي {الكفور} رفعًا. وقرأ حمزة والكسائي: {نُجَازِي} بالنون وكسر الزاي، {الْكَفُورَ} بالنصب. وقرأ مسلم بن جندب:{يجزى} مبنيًا للمفعول، {الْكَفُورَ} رافعًا، وأكثر ما يستعمل الجزاء في الخير، والمجازاة في الشر، لكن في تقييدهما قد يقع كل واحد منهما موقع الآخر.

وفي الآية (2): إشارة إلى أن المؤمن الشاكر يربط بشكره النعم الصورية، والمعنوية من الإيقان والتقوى والصدق والإخلاص والتوكل والأخلاق الحميدة وغير الشاكرين يزيل بكفرانه هذه النعم، فيجد بدلها الفقر والكفر والنفاق والشك والأوصاف الذميمة. ألا ترى إلى حال بلعم، فإنه لم يشكر يومًا على نعمة الإيمان والتوفيق، فوقع فيما وقع، والعياذ بالله تعالى، فلما غرس أهل الكفر في بستان القلب والروح الأشجار الخبيثة .. لم يجدوا إلا الثمار الخبيثة، فما عوملوا إلا بما استوجبوه، وما حصدوا إلا بما زرعوا، وما وقعوا إلا في الحفرة التي حفروا، كما قيل: يداك أوكتا، وفوك نفخ.

وهذا مثل مشهور يضرب لمن يتحسر ويتضجر مما يرد عليه منه، يقال: أوكأ على سقائه: إذا سنده بالوكاء، والوكاء: للقربة، وهو الخيط الذي يشد به فوها، وفي الحديث:"فمن وجد خيرًا فليحمد الله - أي: الذي هو ينبوع الرحمة والخير - ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

فصل في سد مأرب - سد العرم

وصف هذا السد مؤرخو العرب في عصور مختلفة (3)، وأصدق من أجاد وصفه الهمداني في كتابه:"وصف جزيرة العرب" قال: في الجنوب الغربي من مأرب سلسلة جبال هي شعاب من جبل السراة الشهير، تمتد مئات الأميال نحو الشرق الشمالي، وبين هذه الجبال أودية تصب في واد كبير يعبِّر عنه العرب بالميزاب الشرقي، وهو أعظم أودية الشرق، وشعاب هذه المواضع وأوديتها إذا أمطرت السماء تجمعت فيها السيول، وانحدرت حتى تنتهي أخيرًا إلى وادي آذنة،

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

(3)

المراغي.

ص: 239