الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتناء بما فيه خيرهم وصلاح أمرهم، فإن كلًّا من الرحمة والاستغفار فرد حقيقي له. اهـ "أبو السعود".
فالله يهديكم برحمته، والملائكة يستغفرون لكم، وفي هذا من التحريض على ذكره، والتسبيح له ما لا يخفى. واللام في قوله:{لِيُخْرِجَكُمْ} متعلق بـ {يُصَلِّي} ؛ أي: يصلي عليكم ليخرجكم الله سبحانه بتلك الصلاة والعناية، وإنما لم يقل: ليخرجاكم؛ لئلا يكون للملائكة منة عليهم بالإخراج، ولأنهم لا يقدرون على ذلك؛ لأن الله هو الهادي في الحقيقة لا غير؛ أي: يعتني هو وملائكته بأموركم ليخرجكم {مِنَ الظُّلُمَاتِ} ؛ أي: من ظلمات المعاصي {إِلَى النُّورِ} ؛ أي: إلى نور الطاعات، ومن ظلمة الضلالة إلى نور الهدى، جمع الظلمات لتعدد أنواع الكفر، وأفرد الثاني لأن الإيمان شيء واحد لا تعدد فيه. اهـ شيخنا". أي: ليخرجكم بسبب رحمته، ودعاء الملائكة من ظلمات الجهل والشرك والمعصية والشك والضلالة والبشرية وصفاتها، إلى نور العلم والتوحيد والطاعة واليقين والهدى والروحانية وصفاتها.
ومعنى الآية (1): تثبيت المؤمنين على الهداية، ودوامهم عليها؛ لأنهم كانوا وقت الخطاب على الهداية، ثم أخبر سبحانه برحمته للمؤمنين تأنيسًا لهم، وتثبيتًا فقال:{وَكَانَ} سبحانه في الأزل قبل إيجاد الملائكة المقربين {بِالْمُؤْمِنِينَ} ؛ أي: بكافتهم قبل وجدانهم العينية {رَحِيمًا} ؛ولذلك فعل بهم ما فعل من الاعتناء بصلاحهم بالذات وبواسطة الملائكة، فلا تتغير رحمته بتغير أحوال من سعد في الأزل، وفي هذه الجملة تقرير لمضمون ما تقدمها.
والمعنى (2): أي إنه برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، وكان رحيمًا بالمؤمنين في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا: فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم، وبصَّرهم الطريق الذي حاد عنه سواهم من الدعاة إلى الكفر، وأما الآخرة: فإنه آمنهم من الفزع الأكبر،
44
- وأمر الملائكة أن يتلقوهم بالبشارة بالفوز بالجنة، والنجاة من النار، وهذا ما أشار إليه بقوله:{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} ؛ أي: تحية المؤمنين من الله سبحانه يوم لقائهم له عند الموت، أو عند البعث، أو عند دخول الجنة هي: التسليم عليهم منه عز وجل.
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
وقيل: المراد: تحية بعضهم لبعض يوم يلقون ربهم: سلام، وذلك لأنه كان بالمؤمنين رحيمًا، فلما شملتهم رحمته، وأمنوا من عقابه .. حيَّا بعضهم بعضًا سرورًا واستبشارًا، والمعنى: سلامة لنا من عذاب النار.
قال الزجاج: المعنى: فيسلمهم الله من الآفات، ويبشرهم بالأمن من المخافات يوم يلقونه.
والإضافة (1) في {تَحِيَّتُهُمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول، والضمير عائد على المؤمنين، والضمير في {يَلْقَوْنَهُ} عائد على الله سبحانه؛ أي: ما يحيون به يوم يلقون الله سبحانه عند الموت، أو عند البعث من القبور، أو عند دخول الجنة: سلام؛ أي: تسليم من الله تعالى عليهم تعظيمًا لهم، أو تسليم من الملائكة بشارة لهم بالجنة، أو تكرمة لهم، كما في قوله تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} ، أو إخبارًا بالسلامة من كل مكروه وآفة وشدة.
وقيل: الضمير في يلقونه راجع إلى ملك الموت، وهو الذي يحييهم، كما ورد أنه لا يقبض روح كل مؤمن إلا سلم عليه، وعن أنس رضي الله عنه:"إذا جاء ملك الموت إلى وليِّ الله سلَّم عليه، وسلامه عليه أن يقول: السلام عليك يا وليَّ الله، قم فأخرج من دارك التي خربتها إلى دارك التي عمرتها، فإذا لم يكن وليًا لله قال له: قم فأخرج من دارك التي عمرتها إلى دارك التي خربتها"
…
قال بعضهم: عمارة الدنيا: بزرع الحبوب، وتكثير القوت، وجري الأنهار، وغرس الأشجار، ورفع أبنية الدور، وتزيين القصور، وعمارة الآخرة: بالأذكار، والأعمال، والأخلاق، والأحوال. اهـ.
{وَأَعَدَّ} الله سبحانه {لَهُمْ} ؛ أي: للمؤمنين في الجنة، وهيأ لهم {أَجْرًا كَرِيمًا} ؛ أي؛ ثوابًا حسنًا دائمًا مما تشتهيه أنفسهم، وتلذه أعينهم، وهو نعيم الجنة، وهو بيان لآثار رحمته الفائضة عليهم عقيب بيان آثار رحمته الواصلة إليهم قبل ذلك. وإيثار الجملة الفعلية دون وأجرهم أجر كريم ونحوه؛ لمراعاة الفواصل، وفيه إشارة إلى سبق العناية الأزلية في حقهم؛ لأن في الإعداد تعريفًا بالإحسان السابق،
(1) روح البيان.
والأجر الكريم ما يكون سابقًا على العمل، بل يكون العمل من نتائج الكرم.
ثم هذه الآية من أكبر نعم الله على هذه الأمة، ومن أدل دليل على أفضليتها على سائر الأمم، والمعنى: أي (1): وهيأ لهم ثوابًا حسنًا في الآخرة، يأتيهم بلا طلب بما يتمتعون به من لذات المآكل والمشارب والملابس والمساكن، في فسيح الجنات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الإعراب
{وَمَن} : {الواو} : عاطفة. {من} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {يَقْنُتْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {مَن} مجزوم بـ {مَن} على كونه فعل شرط لها. {مِنْكُنَّ} حال من فاعل {يَقْنُتْ}. {لِلَّهِ}: متعلق بـ {يَقْنُتْ} ، {وَرَسُولِهِ}: معطوف على الجلالة، وذكر الضمير في {مَن} نظرًا للفظ. {وَتَعْمَلْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {مَن} ، معطوف على {يَقْنُتْ} وأنث الضمير هنا نظرًا إلى معنى {مَن}. {صَالِحًا}: مفعول به. {نُؤْتِهَا} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول أول مجزوم بـ {مَن} الشرطية على كونه جوابًا لها، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. {أَجْرَهَا}: مفعول ثان لآتى؛ لأنه بمعنى: أعطى. {مَرَّتَيْنِ} : منصوب على المفعولية المطلقة؛ لنيابته عن المصدر؛ لأنه بمعنى: إتياءتين، أو منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ {نُؤْتِهَا} ، وجملة {مَن} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ} . {وَأَعْتَدْنَا} : فعل وفاعل في محل الجزم، معطوف على {نُؤْتِهَا} على كونها جواب {من} الشرطية. {لَهَا}: متعلق بـ {أَعْتَدْنَا} . {رِزْقًا} : مفعول به. {كَرِيمًا} : صفة {رِزْقًا} .
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} : منادى مضاف، معطوف بعاطف مقدَّر على المنادى السابق.
(1) المراغي.
{لَسْتُنَّ} : فعل ناقص واسمه، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير لجماعة الإناث المخاطبات في محل الرفع اسمها، والنون علامة جمع الإناث. {كَأَحَدٍ}: خبر {لَسْتُنَّ} . {مِنَ النِّسَاءِ} : صفة لـ {أحد} . وجملة ليس جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {إِنِ} : حرف شرط. {اتَّقَيْتُنَّ} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إِنِ} الشرطية على كونه فعل شرط لها مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع، ومفعول التقوى محذوف، تقديره: إن اتقيتن الله، وجواب {إِنِ} الشرطية محذوف، تقديره: فإنكن أعظم أجرًا من غيركن، وجملة {إِنِ} الشرطية مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها. {فَلَا}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتن أنكن لستن كأحد من النساء، وأردتن بيان ما هو اللائق لمنصبكن .. فأقول لكن: لا تخضعن. {لا} : ناهية جازمة. {تَخْضَعْنَ} : فعل مضارع في محل الجزم بـ {لا} الناهية، مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، ونون الإناث في محل الرفع فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ويجوز أن تكون الفاء رابطة الجواب، وجملة {لا تخضعن} في محل جزم بـ {إِنِ} الشرطية على كونها جوابًا لها {بِالْقَوْلِ} ، متعلق بـ {تَخْضَعْنَ} ، أو حال من ضمير الفاعل؛ أي: لا تلن حال كونكن متلبسات بالقول.
{فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} .
{فَيَطْمَعَ} : {الفاء} : عاطفة سببية {يطمع} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي. {الَّذِي} : فاعل. {فِي قَلْبِهِ} : خبر مقدم. {مَرَضٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك؛ لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن منكن خضوع بالقول، فطمع الذي في قلبه مرض. {وَقُلْنَ}: الواو: عاطفة. {قلن} : فعل أمر مبني على السكون، والنون: فاعل. {قَوْلًا} : مفعول مطلق مبين للنوع. {مَعْرُوفًا} : صفة {قَوْلًا} ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَلَا تَخْضَعْنَ} .
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}.
{وَقَرْنَ} : فعل أمر مبني على السكون، والنون: فاعل، والجملة معطوفة على جملة {قلن}. {في يوتكن}: متعلق بـ {قرن} . {وَلَا} : {الواو} : عاطفة. {لا} : ناهية جازمة. {تَبَرَّجْنَ} : فعل مضارع في محل الجزم بـ {لا} الناهية، مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة في محل الرفع فاعل. {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ}: مفعول مطلق مبيِّن للنوع {الْأُولَى} : صفة للجاهلية، والجملة معطوفة على جملة {قرن}. {وَأَقِمْنَ}: فعل أمر مبني على السكون، والنون: فاعل، والجملة معطوفة على جملة {قرن}. {الصَّلَاةَ}: مفعول به. {وَآتِينَ الزَّكَاةَ} : فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ما قبله. {وَأَطِعْنَ اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على ما قبله عطف عام على خاص. {وَرَسُولَهُ}: معطوف على الجلالة. {إِنَّمَا} : كافة ومكفوفة. {يُرِيدُ اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل جميع ما قبلها. {لِيُذْهِبَ} {اللام}: لام كي. {يذهب} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي. {عَنْكُمُ}: متعلق بـ {يذهب} . {الرِّجْسَ} : مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير: إنما يريد الله لإذهاب الرجس عنكم، الجار والمجرور متعلق بـ {يُرِيدُ} ، واللام زائدة في المعنى؛ أي: إنما يريد الله إذهاب الرجس عنكم {أَهْلَ الْبَيْتِ} : منصوب على الاختصاص؛ أي: أخصَّ أهل البيت، أو منصوب على أنه منادى مضاف حذف منه حرف النداء. {وَيُطَهِّرَكُمْ}: فعل، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به معطوف على {يذهب}. {تَطْهِيرًا}: مفعول مطلق.
{وَاذْكُرْنَ} : {الواو} : عاطفة. {اذكرن} : فعل أمر مبني على السكون، والنون: فاعل، والجملة معطوفة على جملة {قرن}. {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول به. {يُتْلَى} : فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل يعود على {مَا}. {فِي بُيُوتِكُنَّ}: متعلق بـ {يُتْلَى} ، والجملة الفعلية صلة الموصول. {مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ}: حال من نائب فاعل {يُتْلَى} . {وَالْحِكْمَةِ} : معطوف على {آيَاتِ اللَّهِ} . {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه. {كَانَ} : فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على {اللَّهَ}. {لَطِيفًا}: خبر أول لـ {كَانَ} . {خَبِيرًا} : خبر ثان لها، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ} : ناصب واسمه، {وَالْمُسْلِمَاتِ} معطوف على {الْمُسْلِمِينَ} ، وكذا قوله:{وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ} : معطوفات على {الْمُسْلِمِينَ} على كونها اسمًا لـ {إِنَّ} المكسورة. {فُرُوجَهُمْ} : مفعول {الحافظين} . {وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ} : معطوفان على اسم {إِنَّ} المكسورة، ولفظ {اللَّهَ}: مفعول {الذاكرين} . {كَثِيرًا} : مفعول مطلق لـ {الذاكرين} ؛ لأنه صفة مصدر محذوف، أي: ذكرًا كثيرًا. {وَالذَّاكِرَاتِ} : معطوف أيضًا على اسم {إِنَّ} . {أَعَدَّ اللَّهُ} : فعل وفاعل. {لَهُمْ} : متعلق بـ {أَعَدَّ} . {مَغْفِرَةً} : مفعول به لـ {أَعَدَّ} . {وَأَجْرًا} : معطوف على {مَغْفِرَةً} . {عَظِيمًا} : صفة {أَجْرًا} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة.
{وَمَا} : {الواو} : استئنافية {ما} : نافية. {كَانَ} : فعل ماض ناقص. {لِمُؤْمِنٍ} : خبر {كَانَ} مقدم على اسمها. {وَلَا مُؤْمِنَةٍ} : معطوفة عليه. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط متعلق بالاستقرار الذي تعلق به خبر {كَانَ} . {قَضَى اللَّهُ} : فعل وفاعل. {وَرَسُولُهُ} : معطوف على الجلالة، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا}. {أَمْرًا}: مفعول به لقضى،
{أَن} : حرف نصب ومصدر. {يَكُونَ} : فعل مضارع ناقص منصوب بـ {أَنْ} . {لَهُمُ} : خبر مقدم لـ {يَكُونَ} . {الْخِيَرَةُ} : اسم {يَكُونَ} مؤخر. {مِنْ أَمْرِهِمْ} : حال من {الْخِيَرَةُ} ، أو متعلق بـ {الْخِيَرَةُ} ، وتكون {مِن} بمعنى: في، وجملة {يَكُونَ} مع {أَن} المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم كان، والتقدير: ما كان كون الخيرة في أمرهم كائنًا لمؤمن ولا مؤمنة وقت قضاء الله سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وسلم أمرًا في شؤونهم، وجملة {كان} مستأنفة مسوقة لبيان قصة زينب بنت جحش، وزوجها زيد بن حارثة. {وَمَن}:{الواو} : عاطفة. {مَن} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. {يَعْصِ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {مَن} الشرطية مجزوم بحذف حرف العلة. {اللَّهَ} : مفعول به. {وَرَسُولَهُ} : معطوف عليه. {فَقَدْ} : {الفاء} : رابطة لجواب {مَن} الشرطية وجوبًا؛ لاقترانه بـ {قد} . {قد} : حرف تحقيق. {ضَلَّ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَن} الشرطية. {ضَلَالًا}: مفعول مطلق. {مُبِينًا} : صفته، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ {مَن} على كونها جوابًا لها، وجملة {مَن} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} .
{وَإِذْ} : {الواو} : عاطفة. {إذ} : ظرف لما مضى من الزمان. {تَقُولُ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد. {لِلَّذِي}: متعلق بـ {تَقُولُ} ، والظرف متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة قوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} ، أو مستأنفة. {أَنْعَمَ اللَّهُ}: فعل وفاعل. {عَلَيْهِ} : متعلق به، والجملة صلة الموصول. {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}: معطوف على {أَنْعَمَ اللَّهُ} . {أَمْسِكْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على زيد بن حارثة، والجملة في محل نصب مقول {تَقُولُ}. {عَلَيْكَ}: متعلق بـ {أَمْسِكْ} ، ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: على نفسك. {زَوْجَكَ} : مفعول به، {وَاتَّقِ اللَّهَ}: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على {أَمْسِكْ}. {وَتُخْفِي}:{الواو} : حالية أو عاطفة. {تخفي} : فعل مضارع، وفاعل
مستتر يعود على محمد. {فِي نَفْسِكَ} : متعلق بـ {تخفي} ، والجملة في محل النصب حال من فاعل {تَقُولُ} ، أو معطوفة على جملة {تَقُولُ}. {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول {تخفي} . {اللَّهُ مُبْدِيهِ} : مبتدأ وخبر، والجملة صلة الموصول. {وَتَخْشَى النَّاسَ}: فعل، وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة في محل النصب حال من فاعل {تخفي} ، أو معطوفة عليه. {وَاللَّهُ}:{الواو} : حالية. {الله} : مبتدأ. {أَحَقُّ} : خبره. {أَنْ} : حرف نصب ومصدر {تَخْشَاهُ} : فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على كونه بدل اشتمال من لفظ الجلالة، والتقدير: والله خشيته أحق وأولى من خشية الناس، أو منصوب بنزع الخافض المتعلق بـ {أَحَقُّ} ، تقديره: والله أحق بخشيته من خشية الناس، وجوز أبو البقاء أن يكون {أَنْ تَخْشَاهُ}: مبتدأ، و {أَحَقُّ}: خبره مقدم عليه، والجملة خبر عن لفظ الجلالة، والجملة الاسمية على جميع التقادير حال من فاعل {وَتَخْشَى النَّاسَ}. {فَلَمَّا}:{الفاء} : استئنافية. {لَمَّا} : حرف شرط غير جازم. {قَضَى زَيْدٌ} : فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لمّا} لا محل لها من الإعراب. {مِنْهَا}: متعلق بـ {قَضَى} . {وَطَرًا} : مفعول {قَضَى} . {زَوَّجْنَاكَهَا} : فعل وفاعل ومفعولان، والجملة جواب {لمّا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لمّا} مستأنفة. {لكي}:{اللام} : حرف جر وتعليل. {كي} : حرف نصب ومصدر. {لَا} : نافية. {يَكُونَ} : فعل مضارع ناقص منصوب بـ {كي} . {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} : خبر {يَكُونَ} مقدم على اسمها. {حَرَجٌ} : اسم {يَكُونَ} مؤخر. {فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ {حَرَجٌ} ، وجملة {يَكُونَ} مع {كي} المصدرية في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ {زَوَّجْنَاكَهَا} على أنه تعليل للتزويج؛ أي: زوجناكها لرفع حرج كائن على المؤمنين في حرمة أزواج أدعيائهم عليهم. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط. {قَضَوْا} : فعل وفاعل. {مِنْهُنَّ} : متعلق بـ {قَضَوْا} . {وَطَرًا} : مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذَا}. والظرف متعلق بـ {يَكُونَ} {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}: فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معترضة، أو معطوفة على جملة {لمّا} .
{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ
أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)}.
{مَا} : نافية. {كَانَ} : فعل ماض ناقص. {عَلَى النَّبِيِّ} : خبر {كَانَ} مقدم. {مِن} : زائدة. {حَرَجٍ} : اسم {كَانَ} مؤخر. {فِيمَا} : جار ومجرور صفة {حَرَجٌ} ، وجملة {فَرَضَ اللَّهُ} صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: فرضه الله. {له} : جار ومجرور متعلق بـ {فَرَضَ} ، وجملة {كَانَ} مستأنفة مسوقة لنفي الحرج في زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب. {سُنَّةَ اللَّهِ}: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، تقديره: سن الله له ذلك؛ أي: كثرة النساء سنة الذين خلوا من قبل، أو منصوب بنزع الخافض؛ أي: كسنة الله في الأنبياء الذين خلوا من قبل. {فِي الَّذِينَ} : متعلق بمحذوف حال من {سُنَّةَ اللَّهِ} ؛ أي: حالة كونها متبعة في الذين خلوا، وجملة {خَلَوْا} صلة الموصول. {مِنْ قَبْلُ}: متعلق بـ {خَلَوْا} . {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ} : فعل ناقص واسمه، {قَدَرًا}: خبره. {مَقْدُورًا} : صفة لازمة له للتأكيد كيوم أيوم، وليل أليل، وظل ظليل. وجملة {كَانَ} مستأنفة.
{الَّذِينَ} بدل من الموصول الأول، أو صفة له، أو في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم الذين {يُبَلِّغُونَ} : فعل وفاعل صلة الموصول {رِسَالَاتِ اللَّهِ} : مفعول به. {وَيَخْشَوْنَهُ} : فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {يُبَلِّغُونَ}. {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا}: فعل وفاعل ومفعول. {إِلَّا} : أداة استثناء. {اللَّهَ} : مستثنى من {أَحَدًا} ، والجملة معطوفة على جملة {يخشون}. {وَكَفَى بِاللَّهِ}: فعل وفاعل، والباء زائدة. {حَسِيبًا}: حال أو تمييز، والجملة مستأنفة.
{مَا} : نافية. {كَانَ مُحَمَّدٌ} : فعل ناقص واسمه. {أَبَا أَحَدٍ} : خبره منصوب بالألف. {مِنْ رِجَالِكُمْ} : صفة لـ {أَحَدٍ} ، وجملة {كَانَ} مستأنفة، {وَلَكِنْ}: الواو: عاطفة. {لكن} : حرف استدراك مهمل لكونها مخففة. {رَسُولَ اللَّهِ} : معطوف على {أَبَا أَحَدٍ} ، {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}: معطوف على {رَسُولَ اللَّهِ} ، أو خبر
لكان المحذوفة لدلالة السابقة عليها؛ أي: ولكن كان رسول الله وخاتم النبيين. {وَكَانَ اللَّهُ} : فعل ناقص واسمه. {بِكُلِّ شَيْءٍ} : متعلق بـ {عَلِيمًا} . {عَلِيمًا} : خبر {كَانَ} ، وجملة {كَانَ} مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ} . {يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء. {أي} : منادى نكرة مقصودة، و {الهاء}: حرف تنبيه زائد. {الَّذِينَ} : صفة لأي، وجملة النداء مستأنفة. {آمَنُوا}: صلة الموصول. {اذْكُرُوا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {ذِكْرًا}: مفعول مطلق مؤكد لعامله. {كَثِيرًا} : صفته. {وَسَبِّحُوهُ} : فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {اذْكُرُوا}. {بُكْرَةً}: منصوب على الظرفية متعلق بـ {سبحوه} . {وَأَصِيلًا} : معطوف على {بُكْرَةً} .
{هُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر. {يُصَلِّي} : فعل مضارع، وفاعل مستتر صلة الموصول. {عَلَيْكُمْ}: متعلق بـ {يُصَلِّي} ، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر بالذكر والتسبيح. {وَمَلَائِكَتُهُ}: معطوف على الضمير المستكن في {يُصَلِّي} . {لِيُخْرِجَكُمْ} : {اللام} : حرف جر وتعليل. {يخرجكم} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي. {مِنَ الظُّلُمَاتِ}: متعلق بـ {يخرج} ، وكذا قوله:{إِلَى النُّورِ} متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإخراجه إياكم من الظلمات إلى النور، الجار والمجرور متعلق بـ {يُصَلِّي}. {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}:{وَكَانَ} : فعل ناقص، واسمه ضمير مستتر يعود على الله. {بِالْمُؤْمِنِينَ}: متعلق بـ {رَحِيمًا} . {رَحِيمًا} : خبر كان، وجملة {كان} مستأنفة. {تَحِيَّتُهُمْ}: مبتدأ، والهاء: مضاف إليه، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله؛ أي: يحيون يوم لقائه بسلام. {يَوْمَ} : منصوب على الظرفية الزمانية، وجملة {يَلْقَوْنَهُ} مضاف إليه للظرف، والظرف متعلق بمحذوف حال من ضمير الغائبين. {سَلَامٌ} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لبيان ما أعد لهم في الآخرة، {وَأَعَدَّ}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة مستأنفة. {لَهُمْ}: متعلق بـ {أَعَدَّ} ، {أَجْرًا}: مفعول به. {عَظِيمًا} : صفة {أَجْرًا} . والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
{وَمَنْ يَقْنُتْ} قال الراغب القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع.
{وَأَعْتَدْنَا} والإعتاد: التهيئة من العتاد، وهو العدة. قال الراغب: الإعتاد: ادِّخار الشيء قبل الحاجة إليه كالإعداد، وقيل: أصله أعددنا، فأبدلت الدال تاء فرارًا من توالي مثلين.
{رِزْقًا كَرِيمًا} قال الراغب في "المفردات": كل شيء يشرف في بابه، فإنه كريم.
{كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} وأصل أحد: وحد بمعنى: الواحد، قلبت واوه همزةً على خلاف القياس، ثم وضع في النفي العام مستويًا فيه المذكر والمؤنث، والواحد والكثير، كما قاله الزمخشري. وفي "الإتقان": قال أبو حاتم: أحد: اسم أكمل من الواحد، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان لا يقوم له واحد جاز في المعنى أن يقوم له اثنان، بخلاف قولك: لا يقوم له أحد، وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول: ليس في الدار أحد، فيكون قد شمل عموم المخلوقين من الدواب والطير الوحشي والأنسي، فيعم الناس وغيرهم، بخلاف قولك: ليس في الدار واحد، فإنه مخصوص بالآدميين دون غيرهم، قال: ويأتي الأحد في كلام العرب بمعنى الواحد، فيستعمل في الإثبات والنفي، نحو:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ؛ أي: واحد، و {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)} ، و {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} ، "ولا فضل لأحدٍ على أحد". واحد: يستعمل في المذكر والمؤنث، قال تعالى:{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} بخلاف الواحد، فلا يقال: كواحد من النساء، بل كواحدة. قلت: ولهذا وصف به في قوله تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} بخلاف الواحد، والأحد: له جمع من لفظه، وهو الأحدون والآحاد، وليس للواحد جمع من لفظه، فلا يقال: واحدون، بل اثنان وثلاثة، والأحد ممتنع الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شيء من الحساب بخلاف الواحد.
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} والخضوع: التطامن والتواضع والسكون، والمرأة مأمورة بالغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر بفتح القاف في المضارع بناء
على أنه من باب علم، وأصله: اقررن، نقلت حركة الراء الأولى إلى القاف، وحذفت لالتقاء الساكنين، ثم حذفت همزة الوصل استغناءً عنها بحركة القاف المنقولة من الراء، فصار: قرن، ووزنه الحالي: فَلْنَ، والأصل: افعلن، وقرأ الباقون {قرن} بكسر القاف لما أنه أمر من وقر يقر كوعد يعد وقارًا، إذا ثبت وسكن، وأصله: أوقرن، فحذفت الواو تخفيفًا، ثم الهمزة استغناءً عنها بحركة القاف، فصار: قرن، ووزنه الحالي: علن، أو من قر يقر بكسر القاف في المضارع؛ لأنه من باب ضرب، فأصله: اقررن، نقلت كسرة الراء إلى القاف، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، فاستغني عن همزة الوصل، فصار: قرن، ووزنه الحالي: فلن.
{وَلَا تَبَرَّجْنَ} بترك إحدى التاءين، وأصله: تتبرجن؛ أي: لا تتبخترن في مشيكن. وفي "القاموس": تبرجت المرأة: أظهرت زينتها ومحاسنها للأجانب. انتهى.
قال الراغب: يقال: ثوب متبرج: صُوِّر عليه بروج، واعتبر حسنه، فقيل: تبرجت؛ أي: تشبهت به في إظهار الزينة والمحاسن للرجال؛ أي: مواضعها الحسنة، وأصل التبرج صعود البرج، وذلك أن من صعد البرج ظهر لمن نظر إليه، قاله أبو علي. انتهى. وقيل: تبرجت المرأة: ظهرت من برجها؛ أي: من قصرها، ويدل على ذلك قوله تعالى:{وَلَا تَبَرَّجْنَ} ، كما في "المفردات".
{الْجَاهِلِيَّةِ} : هي حالة الجهل بالله، والوثنية في بلاد العرب قبل الإِسلام، أو الزمن الذي تقدمه، وأصح ما قيل في الجاهلية: أنهما جاهليتان: أولى، وأخيرة. فالأولى: هي القديمة، ويقال لها: الجاهلية الجهلاء، وهي تمتد إلى أبعد الآماد، والجاهلية الأخيرة: تمتد من منتصف القرن الخامس الميلادي، وفي الجاهلية الأولى كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ، فتمشي في منتصف الطريق تعرض نفسها على الرجال، فنهين عن ذلك.
{الرِّجْسَ} الرجس في الأصل: الشيء القذر، والمراد به هنا: الذنب المدنس للعرض، وعرض الرجل: جانبه الذي يصونه.
{أَهْلَ الْبَيْتِ} قال الراغب: أهل الرجل: من يجمعه وإياهم نسب أو دين، أو
ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد وضيعة، فأهل الرجل في الأصل: من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل: أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا إذا قيل: أهل البيت، يعني: أهل البيت متعارف في آل النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
فصل في إجمال أسماء زوجاته صلى الله عليه وسلم
قال ابن الكلبي: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأةً، ودخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، وتوفي عن تسع، وقد جمع أحمد المرزوقي هذه التسعة بقوله:
عَائشَةٌ وَحَفْصَةٌ وَسَوْدَهْ
…
صفِيَّةٌ مَيْمُوْنَةٌ وَرَمْلَهْ
هِنْدٌ وَزَيْنَبٌ كَذَا جُوَيْرِيَّهْ
…
لِلْمُومِنِيْنَ أُمَّهَاتٌ مَرْضِيَّه
1 -
خديجة بنت خويلد، وكانت قبله تحت عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، ومات عنها، وتزوجها بعده أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي، فولدت له هند، ثم مات عنها، وتزوجها بعده النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له ثمانية: القاسم، والطيب، والطاهر، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. فأما الذكور: فماتوا وهم صغار، وأمَّا الإناث فبلغن ونكحن وولدن، ولم يتزوج على خديجة أحدًا، وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين.
2
و3 - سودة بنت زمعة، وقيل: عائشة، وكانت بنت ست سنين، فدخل بها في المدينة وهي ابنة تسع، ومات عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة، وماتت سنة ثمان وخمسين، وأما سودة: فكانت امرأة ثيبًا، وكانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس، ومات عنها، فخلف عليها رسول الله، ودخل بها بمكة.
4 -
حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله تحت خميس بن حذافة السهمي، وكان بدريًا، وماتت بالمدينة في خلافة عثمان.
5 -
أم سلمة ابنة أبي أمية المخزومية، وكانت قبله تحت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، شهد بدرًا، وأصابته جراحة يوم أحد فمات عنها، فتزوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الأحزاب.
6 -
زينب بنت خزيمة من بني عامر بن صعصعة، ويقال لها: أم المساكين، وتوفيت في حياته، ولم يمت غيرها وغير خديجة في حياته صلى الله عليه وسلم، وكانت زينب قبله تحت الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب.
7 -
جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار الخزاعية من بني المصطلق، وكانت تحت مالك بن صفوان.
8 -
أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش، وكانت من مهاجرة الحبشة، فتنصر ومات بها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، فخطبها عليه وتزوجها، وهي بالحبشة، وساق النجاشي المهر لها عن رسول الله، وماتت في خلافة أخيها معاوية.
9 -
زينب بنت جحش، كما سبقت قصتها.
10 -
صفية بنت حيي بن أخطب تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم عام خيبر.
11 -
ميمونة ابنة الحارث الهلالية، وكانت قبله تحت عمير بن عمرو الثقفي، فمات عنها، وخلف عليها أبو زهير بن عبد العزى، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي خالة ابن عباس وخالد بن الوليد.
12 -
امرأة من بني كليب يقال لها: شاة بنت رفاعة، وقيل: سنا بنت الصلت، وقيل: ابنة الصلت بن حبيب، توفيت قبل أن يدخل بها، وقيل: الشنياء دخل بها، ومات ابنه إبراهيم فقالت: لو كان نبيًا ما مات ولده فطلقها.
13 -
غزية بنت جابر الكلابية، قال ابن الكلبي: غزية هي أم شريك، فلما قدمت على النبي، وأراد أن يخلو بها .. استعاذت منه، فردها.
14 -
العالية ابنة ظبيان فجامعها، ثم فارقها.
15 -
قتيلة بنت قيس، أخت الأشعث، فتوفي عنها قبل أن يدخل بها، فارتدت.
16 -
فاطمة بنت الضحاك، وقيل: تزوج خولة ابنة الهذيل بن هبيرة، وليلى ابنة الحطيم عرضت نفسها عليه فتزوجها وفارقها.
قال ابن الكلبي: أما من خطب النبي صلى الله عليه وسلم من النساء ولم ينكحها، فأم هانىء بنت أبي طالب، خطبها ولم يتزوجها. وضباعة ابنة عامر من بني قشير، وصفية بنت بشامة الأعور العنبري، وأم حبيبة ابنة عمه العباس، فوجد العباس أخًا له من الرضاعة فتركها، وجمرة بنت الحارث بن أبي حارثة خطبها، فقال أبوها: بها سوء، ولم يكن بها وجع، فرجع إليها فوجدها قد برصت.
وأما سراريه صلى الله عليه وسلم فأربع:
الأولى: مارية ابنة شمعون القبطية، ولدت له إبراهيم.
والثانية: ريحانة ابنة زيد القرظية، وقيل: هي من بني النضير.
والثالثة: نفيسة، وهبتها له زينب بنت جحش.
والرابعة: أصابها في بعض السبي، ولم يعرف اسمها.
وفي "المواهب": رواية أخرى يختلف فيها الأسماء بعض الاختلاف، ويطول بنا القول لو نقلناها، فليرجع إليها من شاء.
{وَالْخَاشِعِينَ} قال بعضهم: الخشوع: انقياد الباطن للحق، والخضوع: انقياد الظاهر له. وفي "القاموس": الخشوع: الخضوع، أو هو في البدن، والخشوع في الصوت.
{وَالْمُتَصَدِّقِينَ} وفي "المفردات": الصدقة: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به، والزكاة للواجب. وقيل: يسمَّى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبه الصدق في فعله.
{وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ} وفي "المفردات": الفرج والفرجة: الشق بين الشيئين، كفرجة الحائط، والفرج: ما بين الرجلين، وكني به عن السوءة، وكثر حتى صار كالصريح فيه.
{الْخِيَرَةُ} - بالكسر -: اسم من الاختيار؛ أي: أن يختاروا.
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وإمساك الشيء: التعلق به وحفظه.
{مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} الإبداء: الإظهار. {وَطَرًا} قال في "القاموس": الوطر محركة: الحاجة، أو حاجة لك فيها همٌّ وعناية، فإذا بلغتها .. فقد قضيت وطرك.
وفي "الوسيط": معنى قضاء الوطر في اللغة: بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء. يقال: قضى منها وطرًا: إذا بلغ ما أراد من حاجة فيها، ثم صار عبارة عن الطلاق؛ لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة. انتهى.
{حَرَجٌ} ؛ أي: ضيق وشدة. قال في "المفردات": أصل الحرج: مجتمع الشجر، وتصور منه ضيق بينها، فقيل للضيق: حرج، وللإثم حرج.
{فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} والأدعياء: جمع دعي، وهو الذي يُدَّعى ابنًا من غير ولادة.
{فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ} ؛ أي: قسم الله له وقدر، من قولهم: فرض له في الديوان كذا، ومنه: فروض العساكر لأرزاقهم. {سُنَّةَ اللَّهِ} : اسم موضوع موضع المصدر مؤكد لما قبله من نفي الحرج؛ أي: سن الله نفي الحرج سنة؛ أي: جعله طريقة مسلوكة.
{فِي الَّذِينَ خَلَوْا} ؛ أي: مضوا، قال في "المفردات": الخلو: يستعمل في الزمان والمكان، لكن لما تصور في الزمان المضي .. فسر أهل اللغة قولهم: خلا الزمان بقولهم: مضى وذهب. انتهى. وقال بعضهم: الخلو في الحقيقة حال الزمان والمكان؛ لأن المراد خلوهما عما فيهما بموت ما فيهما. فافهم.
{رِسَالَاتِ اللَّهِ} جمع: رسالة، والمراد: ما يتعلق بالرسالة، وهي سفارة العبد بين الله وبين ذوي الألباب من خلقه؛ أي: إيصال الخبر من الله إلى العبد.
{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} الرسول والمرسل بمعنى واحد، من: أرسلت فلانًا في رسالة، فهو مرسل ورسول. قال القهستاني: الرسول: فعول، مبالغة: مفعول بضم الميم وفتح العين بمعنى: ذي رسالة، اسم من الإرسال، وفعول هذا لم يأت إلا نادرًا. واصطلاحًا: هو من بعث لتبليغ الأحكام ملكًا كان، أو إنسانًا، بخلاف النبي فإنه مختص بالإنسان، وهذا الفرق هو المعول عليه. انتهى.
{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} والخاتم - بفتح التاء -: آلة الختم بمعنى ما يختم به، كالطابع بمعنى: ما يطبع به، والمعنى عليه: وكان آخرهم الذي ختموا به، وبكسرها: آخر الشيء؛ أي: كان خاتمهم؛ أي: فاعل الختم.
{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} والذكر: إحضار الشيء في القلب، أو في القول، وهو
ذكر عن نسيان، وهو حال العامة، أو إدامة الحضور والحفظ، وهو حال الخاصة؛ إذ ليس لهم نسيان أصلًا، وهم عند مذكورهم مطلقًا.
{وَسَبِّحُوهُ} قال في "المفردات": السبح: المر السريع في الماء، أو في الهواء، والتسبيح: تنزيه الله، وأصله: المر السريع في عبادة الله، وجعل عامًا في العبادات قولًا كان أو فعلًا أو نية.
{مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} الظلمة: عدم النور، ويعبَّر بها عن الجهل والشرك والفسق ونحوها، كما يعبر بالنور عن أضدادها.
{تَحِيَّتُهُمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول، كما مر؛ أي: ما يحيون به، والتحية: الدعاء بالتعمير بأن يقال: حياك الله؛ أي: جعل لك حياة، ثم جعل كل دعاء تحية لون جميعه غير خارج عن حصول الحياة، أو سبب حياة، إما لدنيا، وإما لآخرة.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التشبيه البليغ في قوله: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ؛ أي: كتبرج أهل الجاهلية، حذفت أداة التشبيه، ووجه الشبه، فصار بليغًا.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} بعد قوله: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} إفادة للتعميم، فإن إطاعة الله ورسوله تشمل كل ما تقدم من الأوامر والنواهي.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} حيث استعار الرجس الذي هو القذر للذنب، بجامع التدنيس في كل؛ لأن الذنب يدنس العرض والقلب، كما أن الرجس يدنس الثوب والبدن، وذكر الطهارة ترشيح.
ومنها: جعل التطهير ترشيحًا لمزيد التنفير عن المعاصي.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} .
ومنها: ذكر التلاوة في البيوت في قوله: {مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} دون النزول فيها، مع أنه الأنسب لكونها مهبط الوحي لعمومها جميع الآيات، ووقوعها في كل البيوت، وتكررها الموجب لتمكنهن من الذكر والتذكير، بخلاف النزول.
ومنها: عدم تعيين التالي ليعم تلاوة جبريل، وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتلاوتهن، وتلاوة غيرهن تعلمًا وتعليمًا.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَالْحَافِظَاتِ} حذف المفعول لدلالة السابق عليه؛ أي: والحافظات فروجهن، وكذا يقال في:{وَالذَّاكِرَاتِ} .
ومنها: التغليب في قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} ؛ حيث أتى بضمير الغائبين تغليبًا للذكور على الإناث.
ومنها: التنكير لإفادة العموم في قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} ؛ لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ أي: ليس لواحد منهم أن يريد غير ما أراده الله ورسوله، فلما وقعا في سياق النفي .. كانا بمعنى كل مؤمن ومؤمنة. اهـ. "زاده".
ومنها: الطباق بين {تخفي} ، و {مُبْدِيهِ} ، وبين {الظُّلُمَاتِ} و {النُّورِ} ؛ فإنه من المحسنات البديعية.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {قَدَرًا مَقْدُورًا} ، وفيه التأكيد أيضًا؛ كظل ظليل، وليل أليل، ويوم أيوم، كما مر.
ومنها: جناس السلب في قوله: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا} .
ومنها: الجناس المغاير في قوله: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} .
ومنها: الطباق بين {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ، وفيه أيضًا المجاز المرسل من إطلاق الطرفين، وإرادة الكل؛ أي: في جميع الأوقات.
ومنها: عطف الخاص في قوله: {وَسَبِّحُوهُ} على العام في قوله: {اذْكُرُوا اللَّهَ} إشعارًا يكون التسبيح هو العمدة في الأذكار من حيث إنه من باب التخلية.
ومنها: فن التلفيف في قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، وهو أن يأتي بالجواب العام عن نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة إلى بيانها كلها، فيعدل المجيب عن الجواب الخاص عما سئل عنه من تبيين ذلك النوع إلى جواب عام
يتضمن الإبانة عن الحكم المسؤول عنه، وعن غيره مما تدعو الحاجة إلى بيانه، فإن قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ
…
} إلخ. جواب عن سؤال مقدر، وهو قول قائل: أليس محمد أبا زيد بن حارثة؟ فأتى في الجواب بقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، وكان مقتضى الجواب أن يقول: ما كان محمد أبا زيد، وكان يكفي أن يقول ذلك، ولكنه عدل عنه ترشيحًا للأخبار بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولا يتم هذا الترشيح إلا بنفي أبوته لأحد من الرجال، فإنه لا يكون خاتم النبيين إلا بشرط أن لا يكون له ولد قد بلغ، فلا يرد أن له الطاهر، والطيب، والقاسم؛ لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال.
ثم احتاط لذلك بقوله: {مِنْ رِجَالِكُمْ} ، فأضاف الرجال إليهم، لا إليه فالتف المعنى الخاص في المعنى العام، وأفاد نفي الأبوة الكلية لأحد من رجالهم، وانطوى في ذلك نفي الأبوة لزيد، ثم إن هناك تلفيفًا آخر، وهو قوله:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} ، فعدل عن لفظ نبي إلى لفظة رسول لزيادة المدح؛ لأن كل رسول نبي، ولا عكس، على أحد القولين، فهذا تلفيف بعد تلفيف.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (1) تأديبه لنبيه صلى الله عليه وسلم في ابتداء السورة، وذكر ما ينبغي أن يكون عليه مع أهله .. ذكر هنا ما ينبغي أن يكون عليه مع الخلق كافة.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أدب نبيه بمكارم الأخلاق بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} ، وثنى بتذكيره بحسن معاملة أزواجه بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} ، وثلث بذكر معاملته لأمته بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
…
} الآية، وكان كلما ذكر للنبي مكرمة، وعلمه أدبًا .. ذكر للمؤمنين ما يناسبه، فأرشد المؤمنين فيما يتعلق بجانبه تعالى بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)} .. أرشدهم فيما يتعلق بما تحت أيديهم من الزوجات بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ، وفيما يتعلق بمعاملتهم لنبيهم بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
…
} إلخ، وبقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ
…
} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه لما ذكر أنه لم يوجب على نبيه القسم لنسائه، وأمره بتخييرهن، فاخترن الله ورسوله .. أردف ذلك بذكر ما جازاهن به من تحريم غيرهن عليه، ومنعه من طلاقهن بقوله:{وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} .
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا} .. أردف ذلك ببيان حال المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم إرشادًا إلى ما يجب عليهم في حقه من الاحترام، والتعظيم في خلوته، وفي الملأ، فأبان أنه يجب عدم إزعاجه إذا كان في الخلوة بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
…
} إلخ، وأنه يجب إجلاله إذا كان في الملأ بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
…
} إلخ.
قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (2): أن الله سبحانه لما ذكر أن نساء النبي لا يكلمن إلا من وراء حجاب ..
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
أردف ذلك باستثناء بعض الأقارب، ونساء المؤمنين، والأرقاء لما في الاحتجاب عن هؤلاء من عظيم المشقة للحاجة إلى الاختلاط بهؤلاء كثيرًا.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر وجوب احترام النبي صلى الله عليه وسلم حال خلوته بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} .. أردف ذلك ببيان ما له من احترام في الملأ الأعلى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} ، وفي الملأ الأدنى بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
أسباب النزول
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس عن أم هانىء بنت أبي طالب، قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت إليه، فعذرني، فأنزل الله {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} إلى قوله:{اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} فلم أكن أحل له؛ لأني لم أهاجر.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح عن أم هانىء قالت: نزلت فيَّ هذه الآية: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، فنهي عني؛ إذ لم أهاجر.
قوله: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن سعد عن عكرمة قال: نزلت في أم شريك الدوسية.
وأخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدؤلي أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت جميلة، فقبلها فقالت عائشة: ما في امرأةٍ حين تهب نفسها لرجل خير، قالت أم شريك: فأنا تلك، فسماها الله: مؤمنة، فقال:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} ، فلما نزلت .. قالت عائشة: إن الله يسارع لك في هواك.
قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (2): ما أخرجه
(1) المراغي.
(2)
البخاري.
الشيخان بسندهما عن عائشة قالت: كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
وأخرج ابن سعد عن أبي رزين قال: همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائه، فلما رأين ذلك .. جعلنه في حل من أنفسهم، يؤثر من يشاء على من يشاء، فأنزل الله تعالى:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إلى قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ
…
} الآية.
قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ
…
} سبب نزوله (1): ما أخرجه ابن سعد عن عكرمة قال: خيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، فاخترن الله ورسوله، فأنزل الله:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} .
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (2) البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: أولم النبي صلى الله عليه وسلم حين بني بزينب ابنة جحش، فأشبع الناس خبزًا ولحمًا، ثم خرج إلى حجر أمهات المؤمنين، كما كان يصنع صبيحة بنائه، فيسلم عليهن، ويدعو لهن، ويسلِّمن عليه، ويدعون له، فلما رجع إلى بيته .. رأى رجلين جرى بهما الحديث، فلما رآهما .. رجع عن بيته، فلما رأى الرجلان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع عن بيته وثبا مسرعين، فما أدري أنا أخبرته بخروجهما، أم أخبِر، فرجع حتى دخل البيت، وأرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
…
} الآية.
وفي رواية عنهما عن أنس قال: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش .. دعا القوم، فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، فأخذ كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، وقام من القوم من قام، وقعد ثلاثة، ثم انطلقوا، فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} إلى قوله: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} .
(1) لباب النقول.
(2)
البخاري ج 10 ص 149.
وأخرج الترمذي، وحسنه عن أنس قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى باب امرأة عرس بها، فإذا عندها قوم، فانطلق، ثم رجع وقد خرجوا، فدخل، فأرخى بيني وبينه سترًا، فذكرته لأبي طلحة فقال: لئن كان كما تقول .. لينزِلنَّ في هذا شيء، فنزلت آية الحجاب.
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم في قعب، فمر عمر، فدعاه، فأكل، فأصابت إصبعه إصبعي، فقال: أوه، لو أُطاع فيكن. . ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فأطال الجلوس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ليخرج، فلم يفعل، فدخل عمر، فرأى الكراهية في وجهه، فقال للرجل: لعلك آذيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد قمت ثلاثًا لكي يتبعني، فلم يفعل"، فقال له عمر: يا رسول الله، لو اتخذت حجابًا، فإن نساءك لسن كسائر النساء، وذلك أطهر لقلوبهن، فنزلت آية الحجاب.
قال الحافظ ابن حجر: يمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصة زينب، فلقربه منها .. أطلق نزول آية الحجاب بهذا السبب، ولا مانع من تعدد الأسباب.
وأخرج البخاري (1) بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، قالت: فلم يفعل، وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن ليلًا إلى ليل قبل المناصع، فخرجت سودة بنت زمعة، وكانت امرأة طويلة، فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس، فقال: عرفناك يا سودة حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله عز وجل آية الحجاب.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض إلى بيته .. بادروه، فأخذوا المجالس، فلا يعرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يبسط يده إلى الطعام استحياءً منهم، فعوتبوا في ذلك فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
…
} الآية.
(1) البخاري.