المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مع إساءتنا {لَغَفُورٌ} للمذنبين، فيبالغ في ستر ذنوبهم الخارج عن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: مع إساءتنا {لَغَفُورٌ} للمذنبين، فيبالغ في ستر ذنوبهم الخارج عن

مع إساءتنا {لَغَفُورٌ} للمذنبين، فيبالغ في ستر ذنوبهم الخارج عن الحصر {شَكُورٌ} للمطيعين، فيبالغ في إثابتهم، فإن الشكر من الله: الإثابة والجزاء الوفاق. وفي "التأويلات النجمية": غفور للظالم لنفسه، شكور للمقتصد والسابق، وإنما قدم ما للظالم رفقًا بهم لضعف أحوالهم. انتهى.

‌35

- ثمّ وصفوا الله بوصف آخر هو شكر له فقالوا: {الَّذِي أَحَلَّنَا} وأنزلنا {دَارَ الْمُقَامَةِ} مفعول ثان لـ {أحلّ} ، وليست بظرف؛ لأنها محدودة مختصة، والمقامة مصدر ميمي بمعنى الإقامة؛ أي: دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبدًا، فلا يريد النازل بها ارتحالًا منها، ولا يراد به ذلك {مِنْ فَضْلِهِ}؛ أي: من إنعامه وتفضله من غير أن يوجبه شيء من قبلنا من الأعمال، فإن الحسنات فضل منه أيضًا، فلا واجب عليه.

وذلك أن دخول الجنة بالفضل والرحمة، واقتسام الدرجات بالأعمال والحسنات هذا مخلوق تحت رق مخلوق مثله لا يستحق على سيده عوضًا لخدمته، فكيف الظن بمن له الملك على الإطلاق، أيستحق من يعبده عوضًا على عبادته تعالى الله سبحانه عما تقول المعتزلة من الإيجاب. {لَا يَمَسُّنَا}؛ أي: حالة كوننا لا يصيبنا {فِيهَا} ؛ أي: في دار الإقامة في وقت من الأوقات {نَصَبٌ} ؛ أي: تعب بدن ولا وجع، كما في الدنيا. {وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}؛ أي: قال وفتور وضعف ناشىءٍ من تعب؛ إذ لا تكليف فيها ولا كد، وإذا أرادوا أن يروه سبحانه لا يحتاجون إلى قطع مسافة وانتظار وقت، بل هم في غرفهم يلقون فيها تحية وسلامًا، وإذا رأوه لا يحتاجون إلى تحديق مقلة في جهة يرونه، كما هم بلا كيفية.

والتصريح بنفي الثاني مع استلزام نفي الأول له، وتكرير الفعل للمبالغة في بيان انتفاء كل منهما.

وقرأ الجمهور (1): {لُغُوبٌ} بضم اللام، وعلي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن السلمي: بفتحها.

والمعنى: أي إنَّ ربنا لغفور شكور؛ لأنه أنزلنا الجنة التي لا تحول عنها ولا

(1) البحر المحيط.

ص: 419

نقلة، ولا يصيبنا فيها نصب ولا وجع ولا إعياء ولا فتور.

والخلاصة: أنهم أتعبوا أنفسهم في العبادة في دار الدنيا، فاستراحوا راحة دائمة في الآخرة، كما قالوا:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} وقيل للربيع بن خيثمة وقد كان يقوم ليله ويصوم نهاره: أتعبت نفسك، فقال: راحتها أطلب.

الإعراب

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)} .

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء {أي} : منادى نكرة مقصودة، و {ها}: حرف تنبيه زائد، {النَّاسُ}: بدل من أيّ، أو عطف بيان له، وجملة النداء مستأنفة، {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}: مبتدأ وخبر، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {إِلَى اللَّهِ}: متعلق بالفقراء؛ لأنه جمع فقير، وفقير صفة مشبهة، {وَاللَّهُ}: مبتدأ، {هُوَ}: ضمير فصل، {الْغَنِيُّ}: خبر أول، {الْحَمِيدُ}: خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة، {إِن}: حرف شرط جازم {يَشَأْ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، مجزوم بـ {إِن} الشرطية على كونه فعل شرط لها {يُذْهِبْكُمْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، مجزوم بـ {إِن} الشرطية على كونه جوابًا لها، وجملة {إِن} الشرطية مستأنفة، {وَيَأْتِ}: فعل مضارع وفاعل مستتر، معطوف على {يُذْهِبْكُمْ} ، {بِخَلْقٍ}: متعلق بـ {يأت} ، {جَدِيدٍ}: صفة لـ {خلق} ، {وَمَا ذَلِكَ}: الواو: عاطفة {ما} : حجازية، {ذَلِكَ}: اسمها، {عَلَى اللَّهِ}: متعلق بـ {عَزِيزٍ} ، {بِعَزِيزٍ}:{الباء} : زائدة {عزيز} : خبر {ما} الحجازية، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {إِن} الشرطية.

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} .

{وَلَا} : الواو: استئنافية {لا} : نافية، {تَزِرُ}: فعل مضارع، {وَازِرَةٌ}: فاعل، أو صفة لفاعل محذوف؛ أي: نفس وازرة، {وِزْرَ}: مفعول به، {أُخْرَى}: مضاف إليه، {وَإِنْ}: الواو: عاطفة، {إن}: حرف شرط، {تَدْعُ}: فعل مضارع

ص: 420

مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، {مُثْقَلَةٌ}: فاعل، {إِلَى حِمْلِهَا}: جار ومجرور، متعلق بـ {تَدْعُ} ومفعول {تَدْعُ} محذوف للعلم؛ أي: أحدًا من الناس، {لَا}: نافية {يُحْمَلْ} : فعل مضارع مغيَّر الصيغة، مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابًا لها، {مِنْهُ}: حال من {شَيْءٌ} . {شَيْءٌ} : نائب فاعل، وجملة {إن} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{وَلَا تَزِرُ} . {وَلَوْ} الواو: عاطفة على جملة محذوفة وقعت حالًا، {لو}: حرف شرط، {كاَنَ}: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على معلوم من السياق تقديره: ولو كان المدعو {ذَا قُرْبَى} : خبر كان منصوب بالألف، وجواب {لو} محذوف تقديره: ولو كان المدعو ذا قربى .. لا يحمل منها شيئًا وجملة {لو} الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة محذوفة وقعت حالًا من مفعول {تَدْعُ} المحذوف، والتقدير: ولو كان المدعو غير قربى لا يحمل منه شيء، ولو كان ذا قربى .. لا يحمل منه شيء، والمعنى: لا يحمل منها المدعو شيئًا من حملها: حالة كونه غير قريب لها، وحالة كونه قريبًا لها، وقد مرَّ أمثال ذلك في أوائل الكتاب فراجعها.

{إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} .

{إِنَّمَا} حرف كاف ومكفوف، {تُنْذِرُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة، {الَّذِينَ}: مفعول به، وجملة {يَخْشَوْنَ} صلتهم، {رَبَّهُمْ}: مفعول به لـ {يَخْشَوْنَ} . {بِالْغَيْبِ} : جار ومجرور حال من فاعل {يَخْشَوْنَ} ؛ أي: يخشون ربهم غائبين عن عذابه، أو من المفعول؛ أي: يخشون عذابه غائبًا عنهم ، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {يَخْشَوْنَ} ، {وَمَنْ}: الواو: استئنافية، {مَنْ}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، {تَزَكَّى}: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ {من} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَن} {فَإِنَّمَا} {الفاء}: رابطة الجواب {إنما} : كافة ومكفوفة، {يَتَزَكَّى} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مَن}:{لِنَفْسِهِ} : متعلق بـ {يَتَزَكَّى} على أنه تعليل له، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ {مَن} على كونها جواب شرط لها، وجملة {مَن} الشرطية مستأنفة، {وَإِلَى اللَّهِ}: خبر مقدم، {الْمَصِيرُ}: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

ص: 421

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)} .

{وَمَا} الواو: استئنافية، {ما}: نافية، {يَسْتَوِي الْأَعْمَى}: فعل وفاعل، {وَالْبَصِيرُ}: معطوف عليه، والجملة مستأنفة مسوقة لضرب المثل للمؤمن والكافر، والتنافي بينهما في الذات والوصف والمستقر في الآخرة، {وَلَا}: الواو: عاطفة، {لا}: زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها، {الظُّلُمَاتُ}: معطوف على {الْأَعْمَى} ، {وَلَا النُّورُ}: معطوف على الظلمات، و {لا}: زائدة لتأكيد النفي، {وَلَا} الواو: عاطفة، {لا}: زائدة لتأكيد النفي، {الظِّلُّ}: معطوف على {الْأَعْمَى} ، {وَلَا الْحَرُورُ}: معطوف على {الظِّلُّ} ، {وَمَا}:{الواو} : عاطفة، {ما}: نافية، {يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ}: فعل وفاعل، معطوف على قوله:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى} ، {وَلَا الْأَمْوَاتُ}: معطوف على {الْأَحْيَاءُ} ، و {لا}: زائدة، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه {يُسْمِعُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، والجملة مستأنفة، {مَن}: اسم موصول في محل النصب مفعول {يُسْمِعُ} ، وجملة {يَشَاءُ} صلتها، {وَمَا}:{الواو} : عاطفة، {ما}: نافية حجازية، {أَنْتَ}: في محل الرفع اسمها، {بِمُسْمِعٍ}:{الباء} : زائدة {مسمع} : خبرها منصوب، والجملة معطوفة على جملة {إِنَّ}. {من}: اسم موصول في محل النصب مفعول {مسمع} . {فِي الْقُبُورِ} : متعلق بمحذوف صلة {من} الموصولة، {إِنْ}: نافية، {أَنْتَ}: مبتدأ، {إِلَّا}: أداة حصر، {نَذِيرٌ}: خبر {أَنْتَ} ، والجملة مستأنفة.

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)} .

{إِنَّا} : ناصب واسمه، {أَرْسَلْنَاكَ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {بِالْحَقِّ}: حال من الفاعل؛ أي: محقين، أو من المفعول؛ أي: محقًا، أو نعت لمصدر محذوف؛ أي: إرسالًا متلبسًا بالحق. {بَشِيرًا} : حال من المفعول، {وَنَذِيرًا}: معطوف عليه. {وَإِنْ} {الواو} : عاطفة، {إِنْ}: نافية، {مِن} زائدة، {أُمَّةٍ}: مبتدأ {إِلَّا} : أداة حصر، {خَلَا}: فعل ماضٍ، {فِيهَا} متعلق بـ {خَلَا} ، {نَذِيرٌ}: فاعل {خَلَا} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {إِنْ} .

ص: 422

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)} .

{وَإِنْ} {الواو} : استئنافية، {إن}: حرف شرط، {يُكَذِّبُوكَ}: فعل مضارع وفاعل ومفعول، مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف تقديره: فاصبر على تكذيبهم، ولا تتأسف عليه، وجملة {إن} الشرطية مع جوابها مستأنفة، {فَقَدْ}:{الفاء} : تعليلية للجواب المحذوف، أو رابطة الجواب، {قد}: حرف تحقيق، {كَذَّبَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، {مِنْ قَبْلِهِمْ}: جار ومجرور صلة الموصول، والجملة الفعلية في محل الجر بلام التعليل المقدرة مسوقة لتعليل الجواب المحذوف، أو هي الجواب، {جَاءَتْهُمْ}: فعل ومفعول به، {رُسُلُهُمْ}: فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال من الموصول على تقدير: قد، {بِالْبَيِّنَاتِ}: متعلق بمحذوف حال من {رُسُلُهُمْ} ، أو متعلق بـ {جَاءَتْهُمْ} ، {وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ}: معطوفان على البينات بإعادة الجار، {الْمُنِيرِ}: صفة لـ {الكتاب} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب، {أَخَذْتُ الَّذِينَ}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {كَذَّبَ الَّذِينَ} ، وجملة {كَفَرُوا} صلة الموصول. {فَكَيْفَ}:{الفاء} : استئنافية، {كيف}: اسم استفهام للاستفهام التعجبي، في محل النصب خبر {كَانَ} مقدم عليها وجوبًا {كَانَ}: فعل ماض ناقص، {نَكِيرِ}: اسمها مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة لرعاية الفاصلة، وجملة {كَانَ} مستأنفة.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)} .

{أَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التقريري، {لم}: حرف جزم ونفي، {تَرَ}: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر يعود على محمد، أو على كل من يصلح للخطاب، والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما تقدم من ذكر اختلاف أحوال الناس، {أَنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، وجملة {أَنْزَلَ}: خبره، وجملة {أَنَّ} سادة مسد مفعولي {تَرَ} لأنها قلبية، {مِنَ السَّمَاءِ}: متعلق بـ {أَنْزَلَ} ، {مَاءً}: مفعول به لـ {أَنْزَلَ} . {فَأَخْرَجْنَا} : {الفاء} : عاطفة، {أخرجنا}: فعل وفاعل، معطوف على {أَنْزَلَ} على طريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم، {بِهِ}:

ص: 423

متعلق بـ {أخرجنا} ، {ثَمَرَاتٍ}: مفعول {أخرجنا} ، {مُخْتَلِفًا}: صفة لـ {ثَمَرَاتٍ} ، ولكنها سببية، ولذلك لم يؤنث لأنه أسند إلى جمع تكسير يجوز فيه التذكير والتأنيث، {أَلْوَانُهَا}: فاعل لـ {مُخْتَلِفًا} ، {وَمِنَ الْجِبَالِ}:{الواو} : استئنافية، أو عاطفة {من الجبال}: خبر مقدم، {جُدَدٌ}: مبتدأ مؤخر، ولكنه على حذف مضاف؛ أي: ومن الجبال ذو جدد وطرق بيض وحمر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو معطوفة على جملة {أَنَّ} ، فكأنه قال: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء، وأنه من الجبال ذو جدد بيض الخ. {بِيضٌ}: صفة لـ {جُدَدٌ} ، {وَحُمْرٌ}: معطوف عليه، {مُخْتَلِفٌ}: صفة لـ {جُدَدٌ} أيضًا، {أَلْوَانُهَا}: فاعل مختلف، {وَغَرَابِيبُ}: معطوف على {جُدَدٌ} ، {سُودٌ}: بدل من {غَرَابِيبُ} ، وجعله الزمخشري معطوفًا على {بِيضٌ} ، و {غرابيب}: صفة له مقدمة عليه مبالغة في التأكيد، فكأنه قيل: ومن الجبال جدد ييض وحمر وسود غرابيب؛ أي: شبيه بالغراب.

{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} .

{وَمِنَ} : {الواو} : عاطفة، {من الناس}: خبر مقدم، {وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ}: معطوفان على {النَّاسِ} ، {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}: صفة لمبتدأ مؤخر محذوف تقديره: صنف مختلف ألوانه كائن من الناس والدواب، {أَلْوَانُهُ}: فعل مختلف، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَمِنَ الْجِبَالِ} ، {كَذَلِكَ}: صفة لمصدر محذوف تقديره: مختلف ألوانه اختلافًا كائنًا كذلك؛ أي: كاختلاف ألوان الجبال، {إِنَّمَا}: أداة حصر، {يَخْشَى اللَّهَ}: فعل ومفعول به مقدم على فاعله لإفادة الحصر، {مِنْ عِبَادِهِ}: حال من {الْعُلَمَاءُ} ، و {الْعُلَمَاءُ}: فاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {عَزِيزٌ}: خبر أول له، {غَفُورٌ}: خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة.

{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه، {يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ}: فعل وفاعل ومفعول

ص: 424

به، صلة الموصول، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {يَتْلُونَ} ، {وَأَنْفَقُوا}: فعل وفاعل معطوف على {يَتْلُونَ} . {مِمَّا} : متعلق بـ {أَنْفَقُوا} ، {رَزَقْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: رزقناهموه، {سِرًّا وَعَلَانِيَةً}: منصوبان بنزع الخافض؛ أي: في السر والعلانية، أو على الحالية، أو على المفعولية المطلقة، {يَرْجُونَ}: فعل وفاعل، {تِجَارَةً}: مفعول به، جملة {يَرْجُونَ} خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {لَنْ}: حرف نصب، {تَبُورَ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {تِجَارَةً} ، والجملة في محل النصب صفة لـ {تِجَارَةً} ، {لِيُوَفِّيَهُمْ}:{اللام} : حرف جر وتعليل، {يوفيهم}: فعل مضارع ومفعول به أول وفاعل مستتر يعود على الله منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، {أُجُورَهُمْ}: مفعول ثانٍ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ {لَنْ تَبُورَ} ، على معنى أنها لن تكسد لأجل أن يوفيهم أجور أعمالهم الصالحة، وقيل: متعلق بمحذوف دل عليه السياق تقديره: فعلوا ذلك ليوفيهم أجورهم، {وَيَزِيدَهُمْ}: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على {لِيُوَفِّيَهُمْ} ، {مِنْ فَضْلِهِ}: متعلق بـ {يزيد} ، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، {غَفُورٌ}: خبر أول له، {شَكُورٌ}: خبر ثان، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها من التوفية والزيادة.

{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)} .

{وَالَّذِي} : {الواو} : استئنافية، {الَّذِي}: مبتدأ {أَوْحَيْنَا} : فعل وفاعل، {إِلَيْكَ} متعلق به، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: أوحيناه، {مِنَ الْكِتَابِ}: حال من العائد المحذوف، {هُوَ}: ضمير فصل، {الْحَقُّ}: خبر، والجملة مستأنفة، {مُصَدِّقًا}: حال من {الْكِتَابِ} . {لِمَا} : متعلق بـ {مُصَدِّقًا} ، {بَيْنَ يَدَيْهِ}: ظرف ومضاف إليه صلة لـ {ما} ، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه {بِعِبَادِهِ} : متعلق بـ {لَخَبِيرٌ} ، {لَخَبِيرٌ}:{اللام} : حرف ابتداء، {خَبِيرٌ}: خبر أول لـ {إن} ، {بَصِيرٌ}: خبر ثانٍ لها، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ

ص: 425

وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)}.

{ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب مع تراخٍ، {أَوْرَثْنَا}: فعل وفاعل، {الْكِتَابَ}: مفعول ثانٍ قدّم لشرفه، {الَّذِينَ}: اسم موصول في محل النصب مفعول أول لـ {أَوْرَثْنَا} ، والجملة معطوفة على محذوف معلوم من السياق تقديره: أوحينا إليك هذا الكتاب، ثم أورثناه الذين اصطفينا. {اصْطَفَيْنَا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: اصطفيناهم. {مِنْ عِبَادِنَا} : حال من الموصول، أو من العائد المحذوف، {فَمِنْهُمْ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت إيراثنا إياهم، وأردت بيان تفاصيلهم .. فأقول لك:{مِنْهُمْ} : خبر مقدم، {ظَالِمٌ}: مبتدأ مؤخر، {لِنَفْسِهِ}: متعلق بـ {ظَالِمٌ} ، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {وَمِنْهُمْ}: خبر مقدم، {مُقْتَصِدٌ}: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها، {وَمِنْهُمْ}: خبر مقدم {سَابِقٌ} : مبتدأ مؤخر، {بِالْخَيْرَاتِ}: متعلق به، والجملة معطوفة على ما قبلها، {بِإِذْنِ اللَّهِ}: حال من الضمير المستكن في {سَابِقٌ} ، أو متعلق به، {ذَلِكَ}: مبتدأ {هُوَ} : ضمير فصل، {الْفَضْلُ}: خبر، {الْكَبِيرُ}: صفة له، والجملة مستأنفة.

{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} .

{جَنَّاتُ} : مبتدأ، {عَدْنٍ} مضاف إليه، وجملة {يَدْخُلُونَهَا}: خبر، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا، أو {جَنَّاتُ عَدْنٍ}: بدل من {الْفَضْلُ} ، وجملة {يَدْخُلُونَهَا} حال من {جَنَّاتُ} ، {يُحَلَّوْنَ}: فعل ونائب فاعل، {فِيهَا}: متعلق به، والجملة الفعلية خبر ثان لـ {جَنَّاتُ} ، {مِنْ}: زائدة، {أَسَاوِرَ}: مفعول ثانِ لـ {يُحَلَّوْنَ} ، {مِنْ ذَهَبٍ}: صفة لـ {أَسَاوِرَ} ، {وَلُؤْلُؤًا}: معطوف على محل {مِنْ أَسَاوِرَ} ، {وَلِبَاسُهُمْ}: مبتدأ، {فِيهَا}: حال من ضمير الغائبين، {حَرِيرٌ}: خبر، والجملة معطوفة على جملة {يُحَلَّوْنَ} .

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)} .

{وَقَالُوا} : فعل وفاعل، معطوف على {يُحَلَّوْنَ}: والتقدير: جنات

ص: 426

يدخلونها، ويقولون فيها:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} : مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قالوا} ، {الَّذِي}: صفة للجلالة {أَذْهَبَ} : فعل ماض، وفاعل مستتر، صلة الموصول، {عَنَّا}: متعلق بـ {أَذْهَبَ} ، {الْحَزَنَ}: مفعول به {إِنَّ رَبَّنَا} : ناصب واسمه، {لَغَفُورٌ}: خبر أول لها، واللام: حرف ابتداء، {شَكُورٌ}: خبر ثانٍ، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول {الْحَمْدُ} .

{الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} .

{الَّذِي} : بدل من الموصول الأول، أو نعت ثانٍ للجلالة {أَحَلَّنَا}: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، صلة الموصول، {دَارَ الْمُقَامَةِ}: مفعول ثانٍ لـ {أَحَلَّنَا} {مِنْ فَضْلِهِ} : متعلق بـ {أَحَلَّنَا} ، {لَا}: نافية، {يَمَسُّنَا}: فعل ومفعول به، {فِيهَا}: متعلق بـ {يَمَسُّنَا} ، {نَصَبٌ}: فاعل، والجملة في محل النصب حال من مفعول {أَحَلَّنَا} الأول، {وَلَا يَمَسُّنَا}: فعل ومفعول به، {فِيهَا}: متعلق به، {لُغُوبٌ}: فاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على ما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} الفقراء: جمع فقير، كالفقائر جمع: فقيرة، والفقير: المكسور الفقار، والفقر ذكره في "تاج المصادر" في باب ضرب، وجعله في "القاموس": من حدِّ كرم، وقال الراغب في "المفردات": يقال: افتقر فهو مفتقر وفقير، ولا يكاد يقال فقر، وإن كان القياس يقتضيه، انتهى. وفهم من هذا أن الفقير صيغة مبالغة، كالمفتقر بمعنى ذي الاحتياج الكثير الشديد، والفقر: وجود الحاجة الضرورية، وفقد ما يحتاج إليه.

{مُثْقَلَةٌ} والمثقلة: النفس التي أثقلتها الذنوب والأوزار، قال الراغب: الثقل والخفة متقابلان، وكل ما يترجح عما يوزن به أو يقدر به يقال: هو ثقيل، وأصله في الأجسام، ثم يقال في المعاني: أثقله الغرم والوزر. انتهى .. فالثقل هنا: الإثم، سمي به لأنه يثقل صاحبه يوم القيامة، ويثئطه عن الثواب في الدنيا.

{إِلَى حِمْلِهَا} قيل: في الأثقال المحمولة في الظاهر، كالشيء المحمول على الظهر، حمل بالكسر، وفي الأثقال المحمولة في الباطن، كالولد في البطن حمل

ص: 427

بالفتح، كما في "المفردات". وفي "المصباح": الحمل بالكسر ما يحمل على الظهر ونحوه، والجمع أحمال وحمول، وحملت المتاع حملًا من باب ضرب، فأنا حامل، والأنثى حاملة بالتاء؛ لأنها صفة مشتركة، وفي "المختار": قال ابن السكيت: الحمل بالفتح ما كان في البطن، أو على رأس شجرة، والحمل - بالكسر -: ما كان على ظهر أو رأس، قال الأزهري: وهذا هو الصواب، وهو قول الأصمعي.

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يقال: وزر يزر كوعد يعد من الباب الثاني وزرًا بالفتح والكسر، وزر يوزر من الرابج حمل، والوزر الإثم والثقل.

{إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} والإنذار: الإبلاغ مع التخويف. {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)} والأعمى: فاقد حاسة البصر، والبصير ضده.

{وَلَا الظُّلُمَاتُ} : جمع ظلمة، وهي عدم النور. {وَلَا النُّورُ}: وهو الضوء المنتشر المعين للأبصار. {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)} قال الراغب: يقال لكل موضع لا تصل إليه الشمس ظل، ولا يقال الفيء إلا لما زال عنه الشمس، ويعبر بالظل عن العز والمنعة، وعن الرفاهية انتهى. والحرور: فعول من الحر غلب على السموم، وهي الريح الحارة التي تؤثر تأثير الشمس تكون غالبًا بالنهار.

وعبارة "الزمخشري": الحرور: السموم إلا أن السموم يكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار، وقيل: بالنهار خاصة، وفي "المصباح": الحر بالفتح خلاف البرد، يقال: حر اليوم والطعام يحر من باب تعب وحر حرورًا من بابي قعد وضرب لغة، والاسم الحرارة، فهو حار، وحرت النار تحر من باب تعب توقدت وأسعرت، والحرة بالفتح: أرض ذات حجارة سود، والجمع: حرار، مثل: كلبة وكلاب، والحرور وزان رسول: الريح الحارة.

قال الفراء: تكون ليلًا ونهارًا، قال أبو عبيدة: أخبرنا رؤبة أن الحرور بالنهار، والمسموم بالليل. وقال أبو عمرو بن العلاء: الحرور والسموم بالليل والنهار، والحرور مؤنثة، وعبارة "القاموس": والحرور: الريح الحارة بالدليل، وقد تكون بالنهار، وحر الشمس والحر الدائم والنار. انتهى.

فائدة: قال الزمخشري: فإن قلت {لا} المقرونة بواو العطف ما هى؟.

ص: 428

قلت: إذا وقعت الواو في النفي .. قرئت بها لتأكيد معنى النفي، انتهي.

وقد كررت {لا} هنا خمس مرات اثنين في الأولى {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)} ، واثنين في الثانية {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)} ، وواحدة في الثالثة {وَلَا الْأَمْوَاتُ} ، فالزيادة في عبارتهم شاملة لأصل زيادتها كالأولى من الجملة الأولى، ولتكريرها كالثانية منها. اهـ شيخنا. والحي: من به القوة الحساسة، والميت: من زال عنه ذلك.

{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} جمع: قبر، وهو مقر الميت، يقال: قبرته جعلته في القبر.

{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ} الأمة: الجماعة الكثيرة، وتقال لكل أهل عصر، والمراد بها هنا: أهل العصر، فإن قيل: كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد لم يرسل إليها رسول ينذرها؟

أجيب: بأن آثار النذارة إذا كانت باقية لم تخلُ من نذير إلى أن تندرس، وحين اندرست آثار نذارة عيسى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم. اهـ "خطيب" و"خازن".

وهذا يقتضي أن أهل الفترة مكلفون لبقاء آثار الرسل المتقدمة فيهم. تأمل فالمسألة خلافية.

{إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} قال الراغب: الخلاء: المكان الذي لا ساتر في من بناء وساكن وغيرهما، والخلو يستعمل في الزمان والمكان، لكن لما تصور في الزمان المضي .. فسر أهل اللغة قولهم خلا الزمان بقولهم: مضى وذهب انتهي.

{وَبِالزُّبُرِ} : جمع زبور بمعنى المكتوب من: زبرت الكتاب كتبته كتابة غليظة، وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له زبور، كما في "المفردات". {ثَمَرَاتٍ} جمع ثمرة، وهي اسم لكل ما يطعم من أحمال الشجر. {جُدَدٌ} - بالضم والفتح -: جمع جدة بالضم، وهي الطرق المختلفة الألوان في الجبل وغيره، كما مر.

{غَرَابِيبُ} جمع غربيب كعفاريت جمع عفريت، وهو شديد السواد، يقال: أسود غربيب، وأبيض يقق، وأصفر فاقع، وأحمر قان، وفي الحديث:"إن الله يبغض الشيخ الغربيب" يعني: الذي يخضب بالسواد. وقال امرؤ القيس في وصف فرسه:

ص: 429

العَيْنُ طَامِحَةٌ واليَدُّ سَابِحَةٌ

والرِّجْلُ لَافِحَةٌ والوَجْهُ غِرْبِيبُ

{سُودٌ} جمع أسود، {وَالدَّوَابِّ} جمع دابة، وهي ما يدب على الأرض من الحيوان، وغلب على ما يركب من الخيل والبغال والحمير، ويقع على المذكر. {وَالْأَنْعَامِ}: جمع نعم محركة، وقد يسكن عينه: الإبل والبقر والضأن والمعز دون غيرها، فالخيل والبغال والحمير خارجة عن الأنعام.

{سِرًّا وَعَلَانِيَةً} والعلانية: ضد السر، وهي الإظهار، وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان، يقال: أعلنته فعلن؛ أي: أظهرته فظهر.

{تِجَارَةً} والتجارة في العرف: تقليب المال لغرض الربح، والمراد من التجارة هنا: المعاملة مع الله لنيل الثواب، والتاجر الذي يبيع ويشتري وعمله التجارة وهي التصرف في رأس المال طالبًا للربح، وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة، وأما تجاه فأصله وجاه وتجوب، فالتاء فيه للمضارعة.

{لَنْ تَبُورَ} : البوار: فرط الكساد، والوصف منه: بائر، ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد .. عبر بالبوار عن الهلاك مطلقًا، ومن الهلاك المعنوي ما في قولهم: خذوا الطريق ولو دارت، وتزوجوا البكر ولو بارت، واسكنوا المدن ولو جارت. {أُجُورَهُمْ} جمع أجر، والأجر ثواب العمل.

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} قال الراغب: الوراثة: انتقال قينة إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد، وسمي بذلك المنتقل عن الميت، ويقال لكل من حصل له شيء من غير تعب: قد ورث كذا انتهى.

{الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} والاصطفاء في الأصل: تناول صفو الشيء وخالصه.

{وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} ؛ أي: عامل به تارة، ومخالف له أخرى، وإنما قال مقتصد بصيغة الافتعال؛ لأن ترك الإنسان للظلم في غاية الصعوبة.

{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ} ؛ أي: متقدم إلى ثواب الله سبحانه، راجع دخول جنته، وأصل السبق: المتقدم في السير، ويستعار لإحراز الفضل كما هنا.

{بِالْخَيْرَاتِ} ؛ أي: بسبب ما يعمل من الخيرات والأعمال الصالحة، والخير كل ما يرغب فيه الكل، كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع، وضده: الشر.

ص: 430

{مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} والأساور: جمع أسورة، وهو جمع سوار على وزن كتاب وغراب معرب "دستواره". {وَلُؤْلُؤًا} واللؤلؤ: الدر، سمي بذلك لتلألئه ولمعانه. {وَلِبَاسُهُمْ} واللباس: اسم لما يلبس.

{حَرِيرٌ} : والحرير من الثياب: ما رق، كما في "المفردات"، وثوب يكون سداه ولحمته إبريسمًا، وإن كان في الأصل الإبريسم المطبوخ، كما في "القهستاني"، ويحرم لبسه على الرجال دون النساء إلا في الحرب، كما هو مبسوط في علم الفروع.

{الْحَزَنَ} : الحزن - بفتحتين - والحزن - بالضم والسكون - واحد، وهو: خشونة الأرض، وخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم، وضده الفرح. وقيل: الحزن - بالتحريك -: الخوف من محذور يقع في المستقبل.

{أَحَلَّنَا} ؛ أي: أنزلنا يقال: حلت إذا نزلت من حل الأحمال عند النزول، ثم جرِّد استعماله للنزول فقيل: حل حلولًا وأحله غيره، والمحلة: مكان النزول، كما في "المفردات".

{دَارَ الْمُقَامَةِ} : مفعول ثانٍ لـ {أحل} ، وليست بظرف؛ لأنها محدودة مختصة، فلو كان ظرفًا لتعدى إليه الفعل بفي، والمقامة - بالضم -: مصدر ميمي، تقول: أقام يقيم إقامة ومقامة. {لَا يَمَسُّنَا} المس، كاللمس، وقد يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى. {نَصَبٌ}؛ أي: تعب وكد بالأشغال.

{لُغُوبٌ} ؛ أي: ضعف وملالة عن كثرة الأشغال، والفرق بين النصب واللغوب: أن النصب نفس المشقة والكلفة، واللغوب: ما يحدث منه من الفتور والضعف للجوارح. قال أبو حيان: هو لازم من تعب البدن، فهي الجديرة لعمري بأن يقال فيها:

عَلْيَاءُ لَا تَنْزِلُ الأَحْزَانُ سَاحَتَهَا

لَوْ مَسَّهَا حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ

وفي "القاموس": نصب كفرح: أعيا، وفي "المختار": ونصب تعب، وبابه: طرب.

{لُغُوبٌ} إعياء من التعب، وفي "القاموس": لغب لغبًا ولغوبًا، كمنع وسمع وكرم: أعيا أشد الاعياء، وفي "المختار": اللغوب - بضمتين -: التعب والإعياء،

ص: 431

وبابه: دخل، ولَغِب بالكسر لغوبًا لغة ضعيفة، فظاهر ما ورد في كتب اللغة أنهما متفقان في المعنى، ولكن الزمخشري فرَّق بينهما تفريقًا دقيقًا، فقال: فإن قلت: ما الفرق بين النصب واللغوب؟ قلت: النصب: التعب والمشقة التي تصيب المتنصب للأمر المزاول له، وأما اللغوب فما يلحقه من الفتور بسبب النصب، فالنصب نفس المشقة والكلفة، واللغوب نتيجته وما يحدث منه من الكلال والفترة. انتهى.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: تعريف الفقراء في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} للمبالغة في فقرهم، كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء فقط، وأن افتقار غيرهم بالنسبة إلى فقرهم كالعدم.

ومنها: الطباق بين {يذهب} و {وَيَأْتِ} ، بين {الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} ، و {الظُّلُمَاتُ} و {النُّورُ} ، و {الظِّلُّ} و {الْحَرُورُ} ، و {الْأَحْيَاءُ} و {الْأَمْوَاتُ} ، وبين:{نَذِيرًا} و {بَشِيرًا} ، وبين {سِرًّا} و {عَلَانِيَةً} .

ومنها: جناس الاشتقاق بين {تَزِرُ} و {تَزِرُ} و {وِزْرَ} في قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، وبين {حِمْلِهَا} و {يُحْمَلْ} في قوله:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} .

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)} الآية، شبه الكافر بالأعمى، والمؤمن بالبصير بجامع ظلام الطريق، وعدم الاهتداء على الكافر، ووضوح الرؤية، والاهتداء للمؤمن، ثم استعار المشبه به {الْأَعْمَى} للكافر، واستعار {البصير} للمؤمن بطريق الاستعارة التصريحية الأصلية.

ومنها: تكرار إلا في قوله: {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} مبالغة في تأكيد النفي.

ومنها: تقديم الأعمى على البصير، والظلمات على النور، والظل على الحروو لتتطابق فواصل الآي.

ص: 432

ومنها: إيثار صيغة الجمع في الطرفين في قوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} تحقيقًا للتباين بين أفراد الفريقين.

ومنها: الاستعارة المرشحة في قوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} مثل المصرين على الكفر بالأموات، ورشح له بذكر القبور، وترشيح الاستعارة اقترانها بما يلائم المستعار منه، شبه تعالى من طبع على قلبه بالموتى في عدم القدرة على الإجابة، فكما لا يسمع أصحاب القبور ولا يجيبون، كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق.

ومنها: الاكتفاء في قوله: {يَعْمَلُونَ} لكون الإنذار هو المقصود الأهم من البعثة.

ومنها: إعادة الجار في المعطوف في قوله: {وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ} لإفادة التأكيد.

ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا} لذمهم بما في حيز الصلة، والإشعار بعلية الأخذ.

ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} .

ومنها: الالتفات من الغيبة في: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} إلى التكلم في قوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} لإظهار كمال الاعتناء بفعل الإخراج لما فيه من الصنع البديع المنبىء عن كمال القدرة والحكمة، ولأن الرجوع إلى نون العظمة أهيب في العبارة.

ومنها: التدبيج في قوله: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} والتدبيج: أن يذكر المتكلم ألوانا يقصد الكناية بها والتورية بذكرها عن أشياء من وصف أو مدح أو هجاء أو غير ذلك من الفنون، وقد أراد الله سبحانه بذلك الكناية عن المشتبه من الطرق إلى آخر ما ذكروه هنا.

ومنها: العدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} فأورد هاتين الجملتين اسميتين مع مشاركتهما للفعلية قبلهما في الاستشهاد بمضمون كل على تباين الناس في الأحوال لما أن اختلاف الجبال والناس والدواب والأنعام فيما ذكر من الألوان أمر مستمر، فعبر عنه بما يدل على

ص: 433

الاستمرار، وأما إخراج الثمرات المختلفة .. فأمر حادث، فعبر عنه بما يدل على الحدوث، ولما كان فيه نوع خفاء علَّق الرؤية به بطريق الاستفهام التقريري، بخلاف أحوال الجبال والناس وغيرهما، فإنها مشاهدة غنية عن التأمل، فلذلك جردت عن التعليق بالرؤية فتدبر، كما مر ذلك عن "أبي السعود".

ومنها: التقديم والتأخير لغرض الحصر في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فقصر الخشية على العلماء قصر صفة على موصوف، فكأنه قيل: إن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، أما إذا قدمت الفاعل .. فإن المعنى ينقلب إلى أنهم لا يخشون إلا الله، فيكون قصر موصوف على صفة، وهما معنيان مختلفان كما يبدو للمتأمل.

ومنها: مغايرة الأسلوب من الاستقبال في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} إلى المضي في قوله: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} للدلالة على أن أوقات التلاوة أعم بخلاف أوقات الصلاة، وكذا أوقات الزكاة المدلول عليها بقوله:{وَأَنْفَقُوا} .

ومنها: الاستعارة التصريحية المرشحة في قوله: {تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} استعار التجارة للمعاملة مع الله تعالى لنيل ثوابه، وشبَّهها بالتجارة الدنيوية، وهي المعاملة مع الخلق بالبيع والشراء لغرض الربح بجامع الاكتساب في كلٍّ، ثم رشحها بقوله:{لَنْ تَبُورَ} .

ومنها: تقديم المعمول على عامله في قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} لمرعاة الفاصلة التي على حرف الراء.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} شبه إعطاء الكتاب إياهم من غير كد ولا تعب في وصوله إليهم بتوريث الوارث، وفيه أيضًا تقديم المفعول الثاني على المفعول الأول لشرفه وعظم قدره، وفي هذه الآية أيضًا من البلاغة الجمع ثم التقسيم، وهو أن يجمع المتكلم بين شيئين أو أكثر في حكم، ثم يقسم ما جمعه، فجمع العباد هنا في إيراثهم الكتاب، ثم فصلهم بقوله:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} إلخ.

ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {عِبَادِنَا} .

ومنها: التعبير عن المستقبل بالماضي في قوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} ؛ أي:

ص: 434

ويقولون عند دخول الجنة: الحمد لله للدلالة على التحقق والوقوع.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 435

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما (1) بيّن ما لعباده الذين أورثوا الكتاب من النعمة في دار السرور .. أردف ذلك بذكر ما لأضدادهم من النقمة زيادة في سرورهم بما قاسوا في الدنيا من تكبرهم عليهم، وفخارهم بما أوتوا من نعيم زائد وجور لا يدوم. وعبارة أبي حيان (2): لما ذكر حال المؤمنين ومقرهم .. ذكر حال

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 436

الكافرين، وهذا يدل على أن أولئك الثلاثة هم في الجنة، والذين كفروا هم مقابلوهم.

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لماذكر فيما سلف أنه ليس للظالمين من ينصرهم، ويدفع العذاب عنهم .. أردف ذلك ببيان أنه محيط بالأشياء علمًا، فلو كان لهم نصير في وقت ما .. لعلمه، إلا أنه تعالى لما نفى النصير على سبيل الاستمرار، وكان ذلك مظنة أن يقال: كيف يخلدون في العذاب، وقد ظلموا في أيام معدودات .. أعقب ذلك بذكر أنه عليم بما انطوت عليه ضمائرهم، وأنهم صمموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد، فمهما طالت أعمارهم فلن تتغير حالهم.

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما بيَّن (1) أنه هو الذي استخلفهم في الأرض .. أكد هذا بأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ما يضطرهم إلى الاعتراف بوحدانيته، وعدم إشراك غيره معه.

قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر تكذيبهم للتوحيد بإشراكهم الأوثان والأصنام، وبَكَّتهم على هذا أشد التبكيت، وضرب لهم الأمثال ليبين لهم سخف عقولهم وقبح معتقداتهم .. أردف ذلك بذكر إنكارهم للرسالة بعد أن كانوا مترقبين لها ناعين على أهل الكتاب تكذيب بعضهم بعضًا، فقالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء، ثم هددهم بأن عاقبتهم ستكون الهلاك الذي لا محيص عنه، وتلك سنة الله سبحانه في الأولين من قبلهم، وسنته لا تبديل فيها ولا تحويل.

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه (2) لما هدد المشركين بجريان سنته فيهم بإهلاكهم، كما أهلك المكذبين من قبلهم .. نبَّههم إلى ذلك بما يشاهدونه من

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 437