المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رسلًا، وكيف يجب علينا طاعتكم، وهو تتمّة الكلام المذكور؛ لأنه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: رسلًا، وكيف يجب علينا طاعتكم، وهو تتمّة الكلام المذكور؛ لأنه

رسلًا، وكيف يجب علينا طاعتكم، وهو تتمّة الكلام المذكور؛ لأنه يستلزم الإنكار أيضًا؛ أي: ما أنزل شيئًا مما تدّعونه ويدعيه غيركم ممن قبلكم من الرسل وأتباعهم وفي قولهم: {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ} إيماء إلى أنهم يعترفون بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام. {إِنْ أَنْتُمْ} ؛ أي: ما أنتم {إِلَّا تَكْذِبُونَ} في دعوى رسالته،

‌16

- فأجابوهم بإثبات رسالتهم بكلام مؤكّد تأكيدًا بليغًا لتكرر الإنكار من أهل أنطاكية حيث: {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)} ؛ وإن كذبتمونا. فأكَّدوا الجواب بالقسم الذي يفهم من قولهم: {رَبُّنَا يَعْلَمُ} ، وبإن وباللام؛ أي: استشهدوا بعلم الله، وهو يجري مجرى القسم في التوكيد مع ما فيه من تحذيرهم معارضة علم الله، وزادوا اللام لما شهدوا منهم من شدة الإنكار،

‌17

- {وَمَا عَلَيْنَا} ؛ أي: من جهة ربنا، {إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؛ أي: إلا تبليغ رسالته تبليغًا ظاهرًا واضحًا مبينًا بالآيات الشاهدة بالصحة، فإنه لا بدّ للدعوى من البينة، وقد خرجنا من عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا، وليس في وسعنا إجباركم على الإيمان، ولا أن نوقع في قلوبكم العلم بصدقنا، فإن آمنتم وإلا فينزل العذاب عليكم، وفيه تعريض لهم بأن إنكارهم للحق ليس لخفاء حاله وصحته، بل هو مبنى على محض العناد والحمية الجاهلية.

‌18

- وهذه الجملة مستأنفة كالتي قلبها، وكذلك قوله:{قَالُوا} لما ضاقت عليهم الحيل، ولم يبقَ لهم علل وحجج، {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} فإنها مستأنفة جوابًا عن سؤال مقدر؛ أي إنا تشاءمنا بكم جريًا على ديدن الجهلة؛ حيث كانوا يتمنون بكل ما يوافق شهواتهم، وإن كان مستجلبًا لكل شرٍّ ووبال، ويتشاءمون بكل ما لا يوافقها، وإن كان مستتبعًا لسعادة الدارين، وقال النقشبندي: قد تشاءمنا بقدومكم؛ إذ منذ قدمتم إلى ديارنا ما نزل القطر علينا، وما أصابنا هذا الشر إلا من قبلكم، أخرجوا من بيننا، واخرجوا إلى أوطانكم سالمين، وانتهوا عن دعوتكم، ولا تتفوّها بها بعد، قيل: أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل، ويكره التطيُّر، والفرق بينهما (1): أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله، والتطير إنما هو من طريق الاتكال على شيء سواه.

(1) روح البيان.

ص: 495

وفي الخبر: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم نحو المدينة .. لقي بريدة بن أسلم، فقال:"من أنت يا فتى"؟ قال: بريدة، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال:"برد أمرنا وصلح"؛ أي: سهل، ثم قال عليه السلام:"ابن من أنت يا فتى؟ " قال: ابن أسلم، فقال النبي عليه السلام لأبي بكر رضي الله عنه:"سلمنا من كيدهم".

وفي الفقه: لو صاحت الهامة أو طير آخر، فقال رجل: يموت المريض، يكفر، ولو خرج إلى السفر ورجع فقال: ارجع لصياح العقعق، كفر عند البعض وفي الحديث:"ليس عبد إلا سيدخل في قلبه الطيرة، فماذا أحسَّ بذلك .. فليقل: أنا عبد الله، ما شاء الله لا قوّة إلا بالله، لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يذهب بالسيئات إلا الله، أشهد أن الله على كل شيء قدير، ثم يمضي بوجهه"؛ أي: يمر إلى جهة حاجته، قالوا: من تطير تطيرًا منهيًا عنه حتى منعه مما يريده من حاجته، فإنه قد يصيبه ما يكرهه، كما في "عقد الدر".

{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا} ؛ أي: والله لئن لم تمتنعوا عن مقالتكم هذه، ولم تسكتوا عنا {لَنَرْجُمَنَّكُمْ}؛ أي: لنرمينكم بالحجارة؛ أي: لئ لم تتركوا هذه الدعوى، وتعرضوا عن هذه المقالة .. لنرجمنكم بالحجارة. {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ}؛ أي: وليصيبنكم، {مِنَّا}؛ أي: من جهتنا، {عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: عذاب شديد وجيع فظيع؛ أي: لا نكتفي برجمكم بحجر أو حجرين، بل نديم ذلك عليكم إلى الموت، وهذا العذاب الأليم، أو ليمسنكم بسبب الرجم منا عذاب مؤلم. قال الفراء: عامة ما في القرآن من الرجم المراد به: القتل: وقال قتادة هو على بابه من الرجم بالحجارة، قيل: ومعنى العذاب: القتل: وقيل: الشتم، وقيل: هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص، وهذا هو الظاهر. وفسر بعضهم الرجم بالشتم، فيكون المعنى: لا نكتفي بالشتم، بل يكون شتمنا مؤديًا إلى الضرب والإيلام الحسي.

والمعنى (1): أي إنا تشاءمنا من تبليغكم ودعوتكم، فقد افتتن بعض القوم بكم، وتفرقت كلمتنا، وانفرط عقد وحدثنا، ولئن لم تنتهوا عن بث هذه الدعوة بيننا لنرجمنكم بالحجارة رجمًا، ولنمثلن بكم شر التمثيل، أو لنعذبنكم عذابًا شديدًا، ؤأنتم أحياء.

(1) المراغي.

ص: 496