المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وخص الصبار الشكور؛ لأنهما المنتفعان بالمواعظ والآيات. والمعنى: أن في (1) - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وخص الصبار الشكور؛ لأنهما المنتفعان بالمواعظ والآيات. والمعنى: أن في (1)

وخص الصبار الشكور؛ لأنهما المنتفعان بالمواعظ والآيات.

والمعنى: أن في (1) ذلك الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب بعد النعمة والعافية عقوبة لهم على ما اجترحوه من الآثام لعبرة لكل عبد صبَّار على المصايب، شكور على النعم.

روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن، إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، يؤجر المؤمن في كل شيء، حتى اللقمة يرفعها إلى في امرأته". وكان مطرِّف بن الشخير يقول: نعم العبد الصبَّار الشكور الذي إذا أَعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.

قال بعض أهل المعرفة: إن طلب الدنيا شهواتها هو طلب البعد عن الله تعالى وعن جنابه، والميل إلى الدنيا والرغبة في شهواتها من خسة النفس، وركاكة العقل، وهو ظلم على النفس، فمن قطعته الدنيا عن جناب الله .. جعله الله عبرة لأهل الطلب، وأوقعه في وادي الهلاك، فلا بد من الصبر عن الدنيا وشهواتها، والشكر على نعمة العصمة وتوفيق العبودية، الله وإياكم من الراغبين إليه، والمعتمدين عليه، وعصمنا من الرجوع عن طريقه، والضلال بعد إرشاده وتوفيقه، إنه الرحمن الذي بيده القلوب وتقليبها من حال إلى حال، وتصريفها كيف يشاء في الأيام والليالي.

‌20

- واللام في قوله (2): {وَلَقَدْ صَدَّقَ} موطئة للقسم، وضمير {عَلَيْهِمْ} عائد إلى أهل سبأ لتقدم ذكرهم، والظاهر أنه راجع إلى الناس جميعًا، كما يشهد به ما بعده {إِبْلِيسُ} اللعين من: الإبلاس، وهو اليأس من رحمة الله {ظَنَّهُ}؛ أي: ما ظنه بأهل سبأ من إغوائهم؛ أي: وعزتي وجلالي لقد وجد إبليس اللعين ظنه بأهل سبأ حين رأى أنهماكهم في الشهوات صادقًا {فَاتَّبَعُوهُ} ؛ أي: اتبع أهل سبأ الشيطان في الشرك والمعصية {إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ؛ أي: إلا جماعة هم المؤمنون لم يتبعوه في أصل الدين، فـ {مِن} بيانية، وتقليلهم بالإضافة إلى الكفار، أو تبيعيضية؛

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

ص: 245

أي: إلا فريقًا من فرق المؤمنين لم يتبعوه، وهم المخلصون. أو المعنى (1): وجد ظنه ببني آدم صادقًا فاتبعوه إلا فريقًا من المؤمنين، وذلك أنه حين شاهد آدم عليه السلام قد أصغى إلى وسوسته قال: إن ذريته أضعف منه عزمًا، ولذا قال: لأضلنهم. وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى أن إبليس لم يكن متيقنًا أن يقدر على الإغواء والإضلال، بل كان ظانًا بنفسه أنه يقدر على إغواء من لم يطع الله ورسوله، فلما زين لهم الكفر والمعاصي، وكانوا مستعدين لقبولها حكمة لله في ذلك، وقبلوا منه بعض ما أمرهم به على وفق هواهم، وتابعوه بذلك .. صدق عليهم ظنه؛ أي: وجدهم كما ظن فيهم. اهـ.

ومعنى الآية (2): أي ولقد ظن إبليس بهؤلاء الذي بدَّلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط - عقوبة منا لهم - ظنًا غير يقين أنهم يتبعونه ويطيعونه في معصية الله، وحين أغواهم وأطاعوه وعصوا ربهم .. تحقق صدق ظنه فيهم، إلا فريقًا من المؤمنين ثبتوا على طاعة الله ومعصية إبليس.

وقرأ ابن عباس وقتادة وطلحة والأعمش وزيد بن علي والكوفيون (3): {صَدَّقَ} بتشديد الدال، وانتصب {ظَنَّهُ} على أنه مفعول بـ {صَدَّقَ} ، والمعنى: وجد ظنه صادقًا؛ أي: ظن شيئًا، فوقع ما ظن. وقرأ باقي السبعة بالتخفيف، فانتصب {ظَنَّهُ} على المصدر، أي: يظن ظنًا، أو على إسقاط الحرف؛ أي: في ظنه، أو على المفعول به، نحو قولهم: أخطأت ظني، وأصبت ظني، وظنه هذا كان حين قال: لأضلنَّهم ولأغوينهم، وهذا مما قاله ظنًا منه، فصدق هذا الظن. وقرأ زيد بن علي والزهري وجعفر بن محمد وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب {إبليس} ورفع ظنه أسند الفعل إلى ظنه؛ لأنه ظن ظنًا، فصار ظنه في الناس صادقًا، كأنه صدقه ظنه ولم يكذبه.

وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو: {إبليس ظنه} برفعهما فـ {ظَنَّهُ} بدل من {إبليس} بدل اشتمال.

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

البحر المحيط.

ص: 246