المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التوبيخ والتهكم: ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون. أسباب النزول قوله - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: التوبيخ والتهكم: ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون. أسباب النزول قوله

التوبيخ والتهكم: ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا

} الآيات، سبب نزولها (1): ما أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سفيان عن عاصم عن ابن رزين قال: كان رجلان شريكان، خرح أحدهما إلى الشام، وبقي الآخر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم .. كتب إلى صاحبه يسأله ما عمل، فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم، فترك تجارته، ثم أتى صاحبه، فقال: دلني عليه، وكان يقرأ بعض الكتب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إلام تدعو فقال: إلى كذا وكذا، فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: وما علمك بذلك؟ فقال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم، فنزلت هذه الآية:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)} ، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله قد أنزل تصديق ما قلت.

التفسير وأوجه القراءة

‌31

- ثمّ ذكر سبحانه طرفًا من قبائح الكفار، ونوعًا من أنواع كفرهم، فقال:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ أي: كفار قريش، {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} الذي ينزل على محمد {وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ أي: ولا بما نزل قبله من الكتب القديمة الدالة على البعث، كالتوراة والإنجيل.

والمعني (2): أي وقال قوم من مشركي العرب: لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالكتب التي سبقته، ولا بما اشتملت عليه من أمور الغيب التي تتصل بالآخرة من بعث وحساب وجزاء.

روي: أن كفار مكة سألوا أهل الكاتب عن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبروهم أنهم يجدون صفته في كتبهم، فأغضبهم ذلك، وقالوا ما قالوا.

(1) لباب النقول.

(2)

المراغي.

ص: 279

ثم ذكر ما يكون من حوار بين ضاليهم ومضليهم حين الوقوف بين يدي الملك الديان للحساب والجزاء، فقال:{وَلَوْ تَرَى} يا محمد، أو يا من يليق بالخطاب {إِذِ الظَّالِمُونَ} المنكرون للبعث؛ لأنهم ظلموا بأن وضعوا الإنكار موضع الإقرار {مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}؛ أي (1): محبوسون في موقف المحاسبة على أطراف أناملهم، وجواب {لَوْ} محذوف تقديره: لو رأيت ذلك .. لرأيت أمرًا فظيعًا شنيعًا تقصر العبارة عن تصويره، وإنما دخلت {لَوْ} على المضارع مع أنها للشرط في الماضي؛ لتنزيله منزلة الماضي؛ لأن المترقب في أخبار الله تعالى، كالماضي المقطوع به في تحقق وقوعه، أو لاستحضار صورة الرؤية ليشاهدها المخاطب. {يَرْجِعُ} ويردُّ، من رجع رجعًا بمعنى: ردَّ. {بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} ؛ أي: حالة كونهم يتحاورون، ويتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، بعد أن كانوا في الدنيا متناصرين متحابّين.

وفي "السمين"(2) قوله: {وَلَوْ تَرَى} : مفعول {تَرَى} ، وجواب {لَوْ} محذوفان للعلم؛ أي: ولو ترى يا محمد حال الظالمين وقت وقوفهم عند ربهم، راجعًا بعضهم إلى بعض القول .. لرأيت حالًا فظيعةً، وأمرًا منكرًا، وجملة {يَرْجِعُ} حال من ضمير {مَوْقُوفُونَ} والقول منصوب بـ {يَرْجِعُ}؛ لأنه يتعدى قال تعالى:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} ، وجملة قوله:{يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} تفسير لقوله: {يَرْجِعُ} ، فلا محل له من الإعراب، أو بدل منه؛ أي: حالة كون الاتباع الذين عدوا ضعفاء وقهروا يقولون: {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} ؛ أي: للرؤساء الذين بالغوا في الكبر والتعظم عن عبادة الله تعالى، وقبول قوله المنزل على أنبيائه، واستتبعوا الضعفاء في الغي والضلال:{لَوْلَا أَنْتُمْ} موجودون؛ أي: لولا إضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان، {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} بالله ورسوله؛ أي: أنتم منعتمونا من الإيمان واتّباع الرسول.

ومعنى الآية (3): أي ولو ترى أيها الرسول حال أولئك الكافرين، وما هم فيه من مهانة وذلة، يحاور بعضهم بعضًا، ويتلاومون على ما كان بينهم من سوء

(1) روح البيان.

(2)

الفتوحات.

(3)

المراغي.

ص: 280