الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إنسان العيون": والخلق يشمل الإنس والجن، والملك والحيوانات والنبات والحجر.
29
- {وَيَقُولُونَ} ؛ أي: المشركون من فرط جهلهم، وغاية غيهم، وشدة تعنتهم وعنادهم مخاطبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين به بطريق الاستهزاء:{مَتَى} يكون {هَذَا الْوَعْدُ} المبشر به والمنذر عنه، يعنون: الجنة والنار. {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في دعوى الوقوع والوجود .. فأخبرونا عن وقت وقوعه، ونحو الآية:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} ،
30
- ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم عن سؤالهم فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ} مبتدأ وخبر؛ أي: وعد يوم، وهو يوم البحث مصدر ميمي، وجملة:{لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ} ؛ أي: عن ذلك الميعاد المضروب لكم عند مفاجأته صفة لـ {الميعاد} إن طلبتم التأخير، {سَاعَةً}؛ أي: مقدار أقل قليل من الزمان.
{وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} عليه ساعة إن طلبتم الاستعجال، وفي هذا الجواب من المبالغة في التهديد ما لا يخفى؛ حيث جعل الاستئخار في الاستحالة كالاستقدام الممتنع عقلًا؛ أي لا يمكنكم التأخر عنه بالاستمهال، ولا التقدم إليه بالاستعجال.
فإن قلت (1): كيف انطبق هذا جوابًا لسؤالهم، مع أنهم سألوا عن تعيين وقت الوعد؛ لأن: متى، سؤال عن الوقت المعين، ولا تعرض في الجواب لتعيين الوقت؟
قلت: وجه انطباق هذا الجواب على سؤالهم: أن سؤالهم، وإن كان على صورة استعلام الوقت إلا أن مرادهم الإنكار والتعنت، والجواب المطابق لمثل هذا السؤال أن يجاب بطريق التهديد على تعنتهم وإنكارهم، وأنهم مرصدون ليوم يفاجئهم، فلا يستطيعون تأخر عنه ولا تقدمًا عليه اهـ "زاده" بزيادة.
ومعنى الآية: أي قل لهم أيها الرسول (2): إن لكم ميعاد يوم هو آتيكم لا محالة، لا تستأخرون عنه ساعة إذا جاء، فتنظروا للتوبة والإنابة، ولا تستقدمون قبله للعذاب؛ لأن الله جعل لكم أجلًا لا تعدونه.
(1) الفتوحات بتصرف.
(2)
المراغي.
والخلاصة: دعوا السؤال عن وقت مجيء الساعة، فإنه كائن لا محالة، وسلوا عن أحوال أنفسكم حين تكونون مبهوتين متحيرين من هول ما تشاهدون، فهذا أليق بكم، قيل (1): هو يوم البعث، وهو السابق إلى الذهن، وقيل: وقت حضور الموت، وقيل: أراد يوم بدر؛ لأنه كان يوم عذابهم في الدنيا. أقوال، وعلى كل تقدير فهذه الإضافة للبيان، ويجوز في {مِيعَادُ} أن يكون مصدرًا مرادًا به الوعد، وأن يكون اسم زمان، قال أبو عبيدة: الوعد والوعيد والميعاد بمعنى.
وقرأ الجمهور: {مِيعَادُ} يوم بالإضافة، وقرأ ابن أبي عبلة واليزيدي:{ميعاد يومًا} بتنوينهما، قال الزمخشري: وأما نصب {يومًا} فعلى التعظيم بإضمار فعل تقديره: لكم ميعاد، أعني يومًا، وأريد يومًا صفته كيت وكيت، ويجوز أن يكون انتصابه على الظرف على حذف مضاف؛ أي: إنجاز وعد يوم من صفته كيت وكيت، وقرأ عيسى:{ميعاد} منونًا، و {يوم}: بالنصب من غير تنوين مضافًا إلى الجملة، واحتمل تخريجه على الظرف على حذف مضاف؛ أي: إنجاز وعد يوم كذا، واحتمل تخريج الزمخشري على التعظيم.
الإعراب
{لَقَدْ} : {اللام} : موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {كاَنَ}: فعل ناقص، {لِسَبَإٍ}: خبرها مقدم، {فِي مَسْكَنِهِمْ}: حال من {سَبَأ} ؛ أي: حال كونهم في مسكنهم {آيَةٌ} : اسمها مؤخر، وجملة {كاَنَ} جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، {جَنَّتَانِ}: بدل من {آيَةٌ} بدل كل، أو خبر لمبتدأ محذوف، {عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ}: صفة لـ {جَنَّتَانِ} ، {كُلُوا}: فعل أمر وفاعل، {مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {كُلُوا} ، والجملة في محل الرفع مقول لقول محذوف تقديره: وقيل لهم بلسان الحال، أو بلسان المقال: كلوا من رزق ربكم، {وَاشْكُرُوا}: فعل وفاعل، معطوف على {كُلُوا} ،
(1) الشوكاني.
{لَهُ} : متعلق بـ {اشكروا} . {بَلْدَةٌ} : خبر لمبتدأ محذوف تقديره: بلدتكم بلدة طيبة، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {كُلُوا} ، {طَيِّبَةٌ}: صفة لـ {بَلْدَةٌ} ، {وَرَبٌّ}: خبر لمبتدأ محذوف، {غَفُورٌ}: صفة لـ {رب} ، والتقدير: وربكم رب غفور، والجملة معطوفة على ما قبلها.
{فَأَعْرَضُوا} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قيل لهم، وأردت بيان ما فعلوا بعد ذلك .. فأقول لك: أعرضوا، {أعرضوا}: فعل ماض وفاعل، ومتعلقه محذوف تقديره: عن شكر ربهم، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {فَأَرْسَلْنَا}:{الفاء} : حرف عطف وتفريع، {أرسلنا}: فعل وفاعل، {عَلَيْهِمْ}: متعلق به، {سَيْلَ الْعَرِمِ}: مفعول به، والجملة معطوفة مفرعة على جملة {أعرضوا} ، {وَبَدَّلْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به أول معطوف على {أرسلنا} ، {بِجَنَّتَيْهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {بدلنا} ، {جَنَّتَيْنِ}: مفعول ثان لـ {بدلنا} ، {ذَوَاتَيْ}: صفة لـ {جَنَّتَيْنِ} منصوب بالياء؛ لأنه جمع ذات مؤنث، {ذَو}: بمعنى صاحب، {أُكُلٍ}: مضاف إليه، {خَمْطٍ}: صفة {أُكُلٍ} ، {وَأَثْلٍ}: معطوف على {أُكُلٍ} ، {وَشَيْءٍ}: معطوف عليه أيضًا، {مِنْ سِدْرٍ}: صفة أولى لـ {شَيْءٍ} ، {قَلِيلٍ}: صفة ثانية له، {ذَلِكَ}: في محل النصب مفعول ثانٍ لـ {جَزَيْنَاهُمْ} مقدم عليه؛ لأنه ينصب مفعولين؛ أي: جزيناهم ذلك التبديل، {جَزَيْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة مستأنفة، {بِمَا} {الباء}: سببية متعلقة بـ {جَزَيْنَاهُمْ} ، {ما}: مصدرية، {كَفَرُوا}: فعل وفاعل، صلة لـ {ما} المصدرية؛ أي: بسبب كفرهم، {وَهَلْ}:{الواو} : استئنافية، {هَلْ}: حرف استفهام للاستفهام الإنكاري بمعنى: النفي، {نُجَازِي}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {الْكَفُورَ}: مفعول به، والجملة مستأنفة.
{وَجَعَلْنَا} : {الواو} : عاطفة، {جعلنا}: فعل وفاعل، معطوف على {بدلناهم} عطف قصة على قصة، {بَيْنَهُمْ}: ظرف مضاف منصوب على الظرفية، متعلق بـ {جعلنا} على كونه مفعولًا ثانيًا له، {وَبَيْنَ الْقُرَى}: ظرف ومضاف إليه، معطوف على الظرف الأول، {الَّتِي} في محل الجر صفة لـ {الْقُرَى} ، {بَارَكْنَا}: فعل وفاعل، {فِيهَا}: متعلق به، والجملة صلة الموصول، {قُرًى}: مفعول أول لـ {جعلنا} ، {ظَاهِرَةً}: صفة لـ {قُرًى} ، {وَقَدَّرْنَا}: فعل وفاعل، معطوف على {جعلنا} ، {فِيهَا}: متعلق بـ {الْأَرْضَ} ، أو متعلق بـ {السَّيْرَ} ، و {السَّيْرَ}: مفعول به لـ {قَدَّرْنَا} ، {سِيرُوا}: فعل أمر وفاعل، {فِيهَا}: متعلق بـ {سِيرُوا} ، {لَيَالِيَ وَأَيَّامًا}: منصوبان على الظرفية، متعلقان بـ {سِيرُوا}؛ {آمِنِينَ}: حال من فاعل {سِيرُوا} ، وجملة {سِيرُوا} في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: وقلنا لهم سيروا، والقول المحذوف معطوف على {قدرنا} .
{فَقَالُوا} : {الفاء} : عاطفة، {قالوا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على محذوف جواب لما المحذوفة، والتقدير: ولما بطروا النعمة، وطغوا، وسئموا الراحة، ولم يصبروا على العافية .. تمنوا طول الأسفار، والكد في المعيشة، فقالوا: ربنا باعد بين أسفارنا، كما يشير إليه كلام القرطبي. {رَبَّنَا}: منادى مضاف حذف منه حرف النداء، وجملة النداء مقول {قالوا} ، {بَاعِدْ}: فعل دعاء، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول {قالوا} على كونها جواب النداء، {بَيْنَ}: ظرف متعلق بـ {بَاعِدْ} ، {أَسْفَارِنَا}: مضاف إليه، {وَظَلَمُوا}: فعل وفاعل معطوف على {قالوا} ، {أَنْفُسَهُمْ}: مفعول به: {فَجَعَلْنَاهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول أول، معطوف على {ظَلَمُوا} ، {أَحَادِيثَ}: مفعول ثان، {وَمَزَّقْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {جَعَلْنَاهُمْ} ، {مُمَزَّقٍ}: منصوب على المفعولية المطلقة لنيابته عن المصدر {إنَّ} : حرف نصب وتوكيد، {فِي ذَلِكَ}: خبر مقدم لها، {لَآيَاتٍ}: اسمها مؤخر، واللام حرف ابتداء، {لِكُلِّ صَبَّار}: صفة لـ {آيَات} ، {شَكُورٍ}: صفة {صَبَّارٍ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ
عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)}.
{وَلَقَدْ} : {الواو} : استئنافية، {اللام}: موطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق، {صَدَّقَ}: فعل ماض، {عَلَيْهِمْ}: متعلق به، {إِبْلِيسُ}: فاعل، {ظَنَّهُ}: مفعول به، والجملة جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة، {فَاتَّبَعُوهُ}:{الفاء} : عاطفة، {اتَّبَعُوه}: فعل ماضٍ، وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة {صَدَّقَ} ، {إِلَّا}: أداة استثناء، {فَرِيقًا}: منصوب على الاستثناء {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} : صفة لـ {فَرِيقًا} ، {وَمَا}: الواو: حالية أو عاطفة، {مَا}: نافية، {كَانَ}: فعل ماض ناقص، {لَهُ}: خبر كان مقدم، {عَلَيْهِمْ}: حال من {سُلْطَانٍ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {مِنْ}: زائدة، {سُلْطَانٍ}: اسمها مؤخر، والجملة في محل النصب حال من إبليس، أو معطوفة على جملة القسم، {إِلَّا}: أداة استثناء متصل مفرغ من أعم العلل، تقديره: وما كان تسليطنا إياه عليهم لعلة من العلل إلا لأجل أن نعلم ونميز من يؤمن بآياتنا، {لِنَعْلَمَ} {اللام}: حرف جر وتعليل، {نَعْلَمَ}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وفاعله ضمير يعود على الله، {مَن}: اسم موصول في محل النصب مفعول {نعلم} ، {يُؤْمِنُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، {بِالْآخِرَةِ}: متعلق به، وجملة {يُؤْمِنُ} صلة الموصول، وجملة {نعلم} مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بمعلول محذوف تقديره: وما كان تسليطنا إياه عليهم إلا لعلمنا وتمييزنا من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك، {مِمَّنْ}: جار ومجرور، متعلق بـ {نعلم}؛ لأنه متضمن معنى: نميز، {هُوَ}: مبتدأ، {مِنْهَا}: حال من {شَكٍّ} ؛ لأنه في الأصل صفة لـ {شَكٍّ} . {فِي شَكٍّ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول، {وَرَبُّكَ}: مبتدأ {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} : متعلق بـ {حَفِيظٌ} ، {حَفِيظٌ}: خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{قُلِ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، والجملة مستأنفة،
{ادْعُوا} : فعل أمر وفاعل، {الَّذِينَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول، وجملة {زَعَمْتُمْ}: صلة الموصول، {مِنْ دُونِ اللَّهِ}: جار ومجرور، صفة للمفعول الثاني المحذوف، والمفعول الأول محذوف أيضًا تقديره: زعمتموهم آلهة كائنة من دون الله تعالى، فحذف الأول لطول الموصول بصلته، وحذف الثاني لقيام صفته، أعني دون الله مقامه، فإذن مفعولا زعم محذوفان جميعًا بسببين مختلفين. {لَا يَمْلِكُونَ}: فعل وفاعل، {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}: مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لبيان حال آلهتهم، أو حال من الموصول في قوله:{الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} . {فِي السَّمَاوَاتِ} : متعلق بـ {يَمْلِكُونَ} ، أو صفة لـ {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ، {وَلَا فِي الْأَرْضِ}: معطوف على {فِي السَّمَاوَاتِ} ، {وَمَا}:{الواو} : عاطفة، {مَا}: نافية، {لَهُم}: خبر مقدم، {فِيهِمَا}: حال من شرك؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {مِنْ}: زائدة، {شِرْكٍ}: مبتدأ مؤخر، واسم {مَا} على رأي من يجيز تقدم خبرها على اسمها، والجملة معطوفة على جملة {يَمْلِكُونَ} ، {وَمَا} {الواو}: عاطفة، {ما}: نافية، {لَهُ}: خبر مقدم، {مِنْهُمْ}: حال من {ظَهِيرٍ} ، {مِنْ} زائدة، {ظَهِيرٍ}: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة {لَا يَمْلِكُونَ} أيضًا.
{وَلَا تَنْفَعُ} : {الواو} : استئنافية، {لا تنفع الشفاعة}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {عِنْدَهُ}: متعلق بـ {تَنْفَعُ} أو حال من الشفاعة، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان المصير الذي لا تنفع فيه شفاعة الشافعين، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {لِمَنْ}: متعلق بـ {الشَّفَاعَةُ} ، أو بـ {تَنْفَعُ} ، {أَذِنَ}: فعل، وفاعل مستتر يعود على الله، {لَهُ}: متعلق بـ {أَذِنَ} ، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، {حَتَّى}: حرف جر وغاية لمحذوف يفهم من السياق، كأنه قيل: وكانوا يتربصون ويقفون خائفين وجلين تتقاوسهم المخاوف، وتتقاذفهم الشكوك، أيؤذن لهم أم لا؟ {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} ، {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {فُزِّعَ}: فعل ماض مغير الصيغة، {عَنْ قُلُوبِهِمْ}: جار ومجرور، في محل الرفع نائب فاعل لـ {فُزِّعَ} ، والجملة في محل الجر بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة
{إِذَا} الشرطية مع جوابها في محل الجر بـ {حَتَّى} الجارة، والتقدير: يقفون خائفين منتظرين الإذن إلى قولهم: ماذا قال ربكم وقت إزالة الفزع عنهم، و {حَتَّى}: متعلق بيقفون المحذوف، {مَاذَا}:{ما} : اسم استفهام مبتدأ، {ذا}: اسم موصول خبره، {قَالَ رَبُّكُمْ}: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ذا} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما الذي قاله ربكم، والجملة الاسمية محل النصب مقول {قَالُوا} ، {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {الْحَقَّ}: مقول لـ {قَالَ} المحذوف بتضمينه معنى ذكر، تقديره: قال ربنا القول الحق، وهو الإذن في الشفاعة، وجملة {قال} المحذوف في محل النصب مقول {قَالُوا} ، ولك أن تعرب القول المحذوف مفعولًا مطلقًا لقال المحذوف، أو مفعولًا به؛ لأنه بمعنى: ذكر، و {الْحَقَّ}: صفة له، {وَهُوَ}: مبتدأ، {الْعَلِيُّ}: خبر أول، {الْكَبِيرُ}: خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{قُلْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، {مَن}: اسم استفهام مبتدأ، وجملة {يَرْزُقُكُمْ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قُلْ} {مِنَ السَّمَاوَاتِ} متعلق بـ {يَرْزُقُكُمْ} ، {وَالْأَرْضِ} معطوف على {السَّمَاوَاتِ} {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة، {اللَّهُ}: مبتدأ خبره محذوف تقديره: الله يرزقنا وإياكم، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو الله، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قُلْ} ، {وَإِنَّا} {الواو}: عاطفة، {إنا}: ناصب واسمه، {أَوْ إِيَّاكُمْ}: معطوف على اسم {إن} ، {لَعَلَى}:{اللام} : حرف ابتداء، {على هدى}: جار ومجرور، خبر {إن}؛ أي: لكائنون على هدى، وجملة {إن} معطوفة على جملة {الله يرزقنا} على كونها مقولًا لـ {قُلِ} ، {أَوْ فِي ضَلَالٍ}: معطوف على {على هدى} ، {مُبِينٍ}: صفة {ضَلَالٍ} ، {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، {لَا}: نافية، {تُسْأَلُونَ}: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ} ، {عَمَّا}: متعلق بـ {تُسْأَلُونَ} ، و {ما} موصولة أو مصدرية، {أَجْرَمْنَا}: فعل وفاعل، والجملة صلة
لـ {ما} الموصولة، أو المصدرية، {وَلَا}:{الواو} : عاطفة، {لا}: نافية، {نُسْأَلُ}: فعل مضارع مغيَّر الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة معطوفة على جملة {لَا تُسْأَلُونَ} ، {عَمَّا}: متعلق بـ {نُسْأَلُ} ، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ {ما} المصدرية، أو الموصولة، {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، {يَجْمَعُ}: فعل مضارع، {بَيْنَنَا}: متعلق بـ {يَجْمَعُ} ، {رَبُّنَا}: فاعل {يَجْمَعُ} ، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب، {يَفْتَحُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، معطوف على {يَجْمَعُ} ، {بَيْنَنَا}: متعلق بـ {يَفْتَحُ} ، {بِالْحَقِّ}: متعلق بـ {يَفْتَحُ} أيضًا، {وَهُوَ الْفَتَّاحُ}: مبتدأ وخبر أول، {الْعَلِيمُ}: خبر ثانٍ، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{قُلْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة، {أَرُونِيَ}: فعل أمر والواو فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول؛ لأنّ الرؤية علمية متعدية قبل النقل إلى اثنين، فلما جيء بهمزة النقل تعدت إلى ثلاثة مفاعيل. {الَّذِينَ}: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ {أَرُونِيَ} ، والجملة {أَلْحَقْتُمْ} صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: ألحقتموهم، {بِهِ}: متعلق بـ {أَلْحَقْتُم} ، {شُرَكَاءَ}: مفعول ثالث لـ {أَرُونِيَ} ، وجملة {أَرُونِيَ} في محل النصب مقول {قُلْ} ، ويجوز أن تكون الرؤية بصرية متعدية قبل النقل إلى واحد، فلما جيء بهمزة النقل .. تعدت لاثنين، أولهما: ياء المتكلم، والثاني: الموصول، {شُرَكَاءَ}: حال من العائد المحذوف؛ أي: بصّروني الملحقين به حال كونهم شركاء له. {كَلَّا} حرف ردع وزجر مبني على السكون، {بَلْ}: حرف إضراب وابتداء، {هُوَ}: ضمير الشأن مبتدأ أول {اللَّهُ} : مبتدأ ثانٍ، {الْعَزِيزُ}: خبر أول له، {الْحَكِيمُ}: خبر ثان له، وجملة المبتدأ الثاني مع خبره خبر للمبتدأ الأول، وجملة المبتدأ الأول مستأنفة، ولك أن تجعل {هُوَ} ضميرًا عائدًا على الله، وتعربه مبتدأ خبره {اللَّهُ} ، و {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: صفتان للجلالة.
{وَمَا} : {الواو} : استئنافية، {ما}: نافية {أَرْسَلْنَاكَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مستأنفة، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {كَافَّةً}: حال من الكاف في {أَرْسَلْنَاكَ} ، أو من الناس على رأي من يجيز تقدم الحال على الجار والمجرور، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي: إرسالة كافة عامة للناس، {لِلنَّاسِ} متعلقان بـ {أَرْسَلْنَاكَ} {بَشِيرًا وَنَذِيرًا}: حالان من الكاف في {أَرْسَلْنَاكَ} ، {وَلَكِنَّ}: حرف نصب واستدراك، {أَكْثَرَ النَّاسِ}: اسمها ومضاف إليه، وجملة {لَا يَعْلَمُونَ} خبرها، والجملة معطوفة على جملة:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ} عطف اسمية على فعلية.
{وَيَقُولُونَ} : {الواو} : استئنافية، {يقولون}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {مَتَى}: اسم استفهام في محل النصب على الظرفية الزمانية، مبني على السكون، والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، {هَذَا}: مبتدأ مؤخر {الْوَعْدُ} : بدل من اسم الإشارة، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ {يقولون} ، {إِن}: حرف شرط، {كُنْتُمْ صَادِقِينَ}: فعل ناقص واسمه وخبره في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله، تقديره: إنْ كنتم صادقين فيما وعدتمونا .. فأخبرونا متى هو، وجملة {إِن} الشرطية في محل النصب مقول {يقولون} ، {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة، {لَكُمْ}: خبر مقدم، {مِيعَادُ يَوْمٍ}: مبتدأ مؤخر، وهو مصدر مضاف إلى الظرف، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قُلْ} ، {لَا}: نافية، {تَسْتَأْخِرُونَ}: فعل وفاعل، {عَنْهُ}: متعلق بـ {تَسْتَأْخِرُونَ} ، {سَاعَةً}: طرف زمان متعلق به أيضًا، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ {يَوْمٍ} ، وجملة {وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ}: معطوفة على جملة {لَا تَسْتَأْخِرُونَ} .
التصريف ومفردات اللغة
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} هو: سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، والمراد به هنا: القبيلة.
{فِي مَسْكَنِهِمْ} والمسكن: موضع السكنى، وهو: مأرب، كمنزل من بلاد
اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام.
{آيَةٌ} ؛ أي: علامة دالة على وجود الله ووحدانيته، وقدرته على إيجاد الغرائب والعجائب. {جَنَّتَانِ}؛ أي: بستانان.
{عَنْ يَمِينٍ} واليمين في الأصل: الجارحة، وهي أشرف الجوارح لقوتها، وبها تعرف من الشمال وتمتاز عنها. {وَشِمَالٍ}: ضد اليمين. {فَأَعْرَضُوا} ؛ أي: انصرفوا عن شكر هذه النعم، يقال: أعرض: إذا أظهر عرضه؛ أي: ناحيته.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} الإرسال: مقابل الإمساك، والتخلية، وترك المنع.
{سَيْلَ الْعَرِمِ} السيل: أصله مصدر، كالسيلان بمعنى: فاض الوادي ماء، وجعل اسمًا للماء الذي يأتيك ولم يصبك مطره، والعرم: من العرامة، وهي الشدة والصعوبة، يقال: عَرَم، كنصر وضرب وكرم وعلم عرامةً وعرامًا بالضم، فهو عارم وعرم: إذا اشتد، وعرم الرجل إذا شرس خلقه؛ أي: ساء وصعب، وأضاف السيل إلى العرم؛ أي: الصعب، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، بمعنى: سيل المطر العرم، أو الأمر العرم، وقيل: العرم بفتح أوله وكسر ثانية، جمع: عرمة، كذلك مثل كلم وكلمة، وهي الحجارة المركومة، كخزّان أسوان في وادي النيل لحجز المياه جنوبيّ النيل، وقيل: اسم للجرذ؛ أي: الخلد: نوع من الفئران، وقيل: المطر الشديد، وقيل: اسم للوادي، وقيل: غير ذلك من الأقوال المتلاطمة، ولن تجد كلمة اختلف فيها المفسرون كهذه الكلمة، واختار الجلال منها أن يكون العرم جمع عرمة، وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته، وهذا ما نعبّر عنه اليوم بالسدود، وهو أولى ما تفسَّر به الآية، وقد يحدث تصدّع السدود وانهيارها بأسباب مختلفة.
{وَبَدَّلْنَاهُمْ} والتبديل: جعل الشيء مكان آخر، والباء تدخل على المتروك، كما هو القاعدة المشهورة.
{ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} مثنى: ذوات أو ذات، ولفظ ذوات مفرد؛ لأن أصله: ذوية، فالواو عين الكلمة والياء لامها؛ لأنه مؤنث ذو وذو أصله: ذوي، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها .. قلبت الفًا، فصار: ذوا، ثم حذفت الواو تخفيفًا، فعندما يراد تثنيته يجوز أن ينظر إلى لفظه الآن، فيقال: ذاتان، ويجوز أن ينظر إلى أصله،
فيقال: ذواتان. هذا، وذات: مؤنث ذو، ومثناها: ذواتان، والجمع: ذوات، ويعرب المؤنث والمثنى والجمع إعراب نظيره من الأسماء المفردة والمثناة والمجموعة.
{أُكُلٍ خَمْطٍ} بضمتين وبضم، فسكون: الثمر أو ما يؤكل، والخمط: المر والحامض، يقال: خمر خمطة؛ أي: حامضة، ولبن خمط؛ أي: متغيِّر، وفي "المختار": الخمط: ضرب من الأراك له حمل يؤكل، وعن أبي عبيدة: كل شجر ذي شوك، وقال الزجاج: كل نبت أخذ طعمًا من مرارة حتى لا يمكن أكله. اهـ.
{وَأَثْلٍ} الأثلة: السمرة، وقيل: شجر من العضاة طويلة مستقيمة الخشبة تعمل منها القصاع والأقداح، فوقعت مجازًا في قولهم: نحت أثلته إذا تنقصته، وفلان لا تنحت أثلته، ولفلان أثلة مال؛ أي: أصل مال، ثم قالوا: أثلت مالًا وتأثلته، وشرف مؤثل وأثيل، وقيل: الأثل: الطرفاء، وهو المعروف في مصر بالأتل، وفي اللغة الأرمية: غاترا، قال الفراء: يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه طولًا، ومنه اتخذ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورقه كورق الطرفاء، والواحدة: أثلة، والجمع: أثلال، كما مر وفي الأرمية: بربرس.
{مِنْ سِدْرٍ} السدر: شجر النبق يطيب أكله، ولذا يغرس في البساتين، وقيل: إن السدر صنفان، صنف يؤكل ثمره، وينتفع بورقه في غسل الأيدي، وصنف له ثمرة غضة لا تؤكل أصلًا، وهو الضال في الأرمية: قرقر غبروا.
{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور} قال في "القاموس": {هَلْ} : كلمة استفهام، وقد يكون بمعنى الجحد وكفر النعمة، وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها.
{وَبَيْنَ الْقُرَى} : جمع قرية، والقرية: اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، بلدة كانت أو غيرها. {بَارَكْنَا فِيهَا} والبركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، والمبارك: ما فيه ذلك الخير.
{قُرًى ظَاهِرَةً} أصل ظهر الشيء: أن يحصل على ظهر الأرض فلا يخفى، وبطن الشيء: أن يحصل في بطنان الأرض فيخفى، ثم صار مستعملًا في كل ما برز للبصر والبصيرة. {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} والسير: المضي في الأرض.
{آمِنِينَ} أصل الأمن: طمأنينة النفس، وزوال الخوف.
{بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} المباعدة والبعاد: مصدران لباعد، والأسفار: جمع سفر، والسفر: خلاف الحضر، وهو في الأصل كشف الغطاء، وسفر الرجل فهو سافر وسافر: خص بالمفاعلة اعتبارًا بأن الإنسان قد سفر عن المكان، والمكان سفر عنه، ومن لفظ السفر اشتقت السفرة لطعام السفر، ولما يوضع فيه من الجلد المستدير. وقال بعضهم: وسمي السفر سفرًا؛ لأنه يسفر؛ أي: يكشف عن أخلاق الرجال، ويستخرج دعاوي النفوس ودفائنها.
{أَحَادِيثَ} جمع: أحدوثة، وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والاستغراب، وتقديره في العربية: ذوي أحاديث، قال ابن الكمال: الأحاديث مبني على واحده المستعمل، وهو الحديث، كأنهم جمعوا حديثًا على أحدثة، ثم جمعوا الجمِع على الأحاديث، وفي "القاموس": الأحاديث: جمع حديث بمعنى الخبر.
{وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} ؛ أي: فرقناهم كل تفريق؛ أي: فرقناهم تفريقًا لا يتوقع بعده عود اتصال.
{لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} الصبار: كثير الصبر عن الشهوات ودواعي الهوى وعلى مشاقّ الطاعات، والشكور: كثير الشكران على النعم، وهما من صيغ المبالغة.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ} وإبليس: مشتق من الإبلاس، وهو الحزن المعترض من شدة اليأس، كما في "المفردات": أبلس: يئس وتحير، ومنه: إبليس، أو هو أعجمي. انتهى.
{ظَنَّهُ} والظن: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض، ومظنة الشيء - بكسر الظاء -: موضع يظن فيه وجوده.
{إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الفريق: الجماعة المنفردة عن الناس.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} ؛ أي: وجد ظنه فيهم صادقًا؛ لانهماكهم في الشهوات، واستفراغ الجهد في اللذات.
{مِنْ سُلْطَانٍ} السلطان: القهر والغلبة، ومنه: السلطان لمن له ذلك.
{إِلَّا لِنَعْلَمَ} العلم: إدراك الشيء بحقيقته، والعالم في وصف الله تعالى هو الذي لا يخفى عليه شيء.
{مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} : والشك: اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما.
{عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} ؛ أي: محافظ عليه، فإن فعيلًا ومفاعلًا صيغتان متآخيتان في إفادة المبالغة، وقيل: معناه: أي: وكيل قائم على شؤون خلقه.
{الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} قال في "القاموس": الزعم - مثلثة -: القول الحق، والباطل، والكذب، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه، وفي "المفردات": الزعم: حكاية قول يكون مظنة الكذب، ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذمَّ القائلين به.
{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} وهي طلب العفو أو الفضل للغير من الغير، يعني: أن الشافع شفيع للمشفوع له في طلب نجاته، أو زيادة ثوابه، ولذا لا تطلق الشفاعة على دعاء الرجل لنفسه، وأما دعاء الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم، وسؤالهم له مقام الوسيلة، فلا يطلق عليه الشفاعة؛ إما لاشتراط العلو في الشفيع، وإما لاشتراط العجز في المشفوع له، وكلاهما منتفٍ هاهنا.
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} والتفزيع: إزالة الفزع، وهو انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع، ولذا لا يقال: فزعت من الله، كما يقال: خفت منه، وفي "الأساس": وفزَّع عن قلبه: كشف الفزع عنه، فالتضعيف هنا للسلب، كما يقال: قزدت البعير: أزلت قراده.
{عَمَّا أَجْرَمْنَا} الإجرام: فعل الجرم، والجرم - بالضم -: الذنب، وأصله: القطع، واستعير لكل اكتساب مكروه، كما في "المفردات".
{أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} ؛ أي: أعلموني بالدليل وجه الشركة. {كَلَّا} : كلمة للزجر عن كلام، أو فعل صدر من المخاطب.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق بين لفظ {يَمِينٍ} و {وَشِمَالٍ} ، وبين {بَشِير} و {نَذِيرٍ} ، وبين {تَسْتَقْدِمُونَ} و {تَسْتَأْخِرُونَ} .
ومنها: المشاكلة في قوله: {جَنَّتَيْنِ} وهو ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في
مقابلته، فقد سمي البدل جنتين للمشاكلة، وإلا فالخمط والأثل والضال ليس بجنة.
ومنها: التهكم بهم في قوله: {جَنَّتَيْنِ} .
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا} فإن كلمة {سِيرُوا} مشتقة من السير.
ومنها: التنكير في قوله: {لَيَالِيَ وَأَيَّامًا} إلماعًا إلى قصر أسفارهم، فقد كانت قصيرة؛ لأنهم يرتعون في بحبوحة من العيش، ورغد منه، لا يحتاجون إلى مواصلة الكد، وتجشم عناء الأسفار للحصول على ما يرفه عيشهم.
ومنها: التذييل في قوله: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} فإنه تذييل لقوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} ، وهو هنا أن تكون الجملة الثانية متوقفة على الأولى في إفادة المراد؛ أي: وهل يجازى ذلك الجزاء المخصوص، ومضمون الجملة الأولى أن آل سبأ جزاهم الله تعالى بكفرهم، ومضمون الثانية أن ذلك العقاب المخصوص لا يقع إلا للكفور، وفرق بين قولنا: جزيته بسبب كذا، وبين قولنا: ولا يجزى ذلك الجزاء إلا من كان بذلك السبب، ولتغايرهما يصح أن يجعل الثاني علة للأول، ولكن اختلاف مفهومهما لا ينافي تأكيد أحدهما بالآخر للزوم معنى.
ومنها: مقابلة الإيمان بالشك في قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} إيذانًا بأن أدنى مرتبة الكفر يوقع في الورطة.
ومنها: جعل الشك ظرفًا له، وتقديم صلته عليه، والعدول إلى كلمة {مِنْ} مع أنه يتعدى بفي؛ للمبالغة والاشعار بشدته، وأنه لا يرجى زواله.
ومنها: المبالغة في قوله: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} ؛ لأن فعيلًا من صيغ المبالغة.
ومنها: فن الفرائد في قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} ، وهو أن يأتي المتكلم في كلامه بلفظة تتنزل منزلة الفريدة من حب العقد، وهي الجوهرة التي لا نظير لها، بحيث لو سقطت من الكلام لم يسد غيرها مسدَّها، وفي لفظة:{فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} من غرابة الفصاحة ما لا مزيد عليه.
ومنها: التعجيز بدعاء الجماد الذي لا يسمع ولا يحس في قوله: {قُلِ ادْعُوا
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
ومنها: التوبيخ والتبكيت في قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .
ومنها: حذف الخبر لدلالة السياق عليه في قوله: {قُلِ اللَّهُ} ؛ أي: قل الله الخالق الرازق للعباد، ودلَّ على المحذوف سياق الآية.
ومنها: المبالغة بذكر صيغ المبالغة في قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ، وفي قوله:{وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} ؛ لأن فعالًا وفعولًا وفعيلًا من أوزان المبالغة.
ومنها: الاستدراج في قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ، وهو فن يعتبر من البلاغة محورها الذي تدور عليه؛ لأنه يستدرج الخصم ويضطره إلى الإذعان والتسليم، والعزوف عن المكابرة واللجاج، فإنه لما ألزمهم الحجة خاطبهم بالكلام المنصف الذي يقول من سمعه المخاطب به: قد أنصفك صاحبك، كقول الرجل لصاحبه: أنا وأنت أحدنا لكاذب، وأبرزه في صورة الإبهام لأجل الإنصاف في الكلام.
ومنها: المخالفة بين حرفي الجر في قوله: {لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} فإنه إنما خولف بينهما في الدخول على الحق والباطل؛ لأن صاحب الحق كأنه مستعلٍ على فرس جواد يركض به حيث شاء، وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام منخفض فيه، لا يدري أين يتوجه، وهذا معنى دقيق قلّما يراعى مثله في الكلام، وكثيرًا ما سمعنا إذا كان الرجل يلوم أخاه أو يعاتب صديقه على أمر من الأمور، فيقول له: أنت على ضلالك القديم، كما أعهدك، فيأتي بعلى في موضع: في، وإن كان هذا جائزًا، إلا أن استعمال في هنا أولى لما أشرنا إليه، والاستعارة التصريحية واضحة.
ومنها: الأمر في قوله: {أَرُونِيَ} أمرهم بإراءته الأصنام مع كونها بمرأى منه إظهارًا لخطئهم، وإطلاعهم على بطلان رأيهم.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {عَمَّا أَجْرَمْنَا} لأن الإجرام في الأصل: القطع ثم استعير لكل اكتساب مكروه.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ} تخصيصًا للجهل بنعمتي البشارة والنذارة، ونعمة الرسالة بهم.
ومنها: الحذف والزيادة في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله (1) سبحانه لما ذكر الأصول الثلاثة، وهو: التوحيد والرسالة والحشر، وكانوا كافرين بها جميعًا .. ذكر شأن جماعة من المشركين جاهروا بإنكار القرآن، وبكل كتاب سبقه من الكتب السماوية السالفة، ويستتبع ذلك أنهم لا يؤمنون بما جاء فيها من البعث والحشر والحساب والجزاء، ثم ذكر ما سيكون من الحوار بين الضالين ومضليهم من الكفار، وما يسرونه من
(1) المراغي.
الحسرة والندامة، حين يرون العذاب، ثم أعقبه بذكر ما سيحيق بهم من الإهانة بوضع الأغلال في الأعناق، وأن هذا جزاء لهم على ما عملوا من سيء الأعمال، وما دسوا به أنفسهم من قبيح الخلال.
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر قول المشركين لرسوله: لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه، بعد أن طال به الأمد في دعوتهم حتى لحقه من ذلك الغم الكثير، كما قال:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} .. سلاه على ما ابتلي به من مخالفة مترفي قومه له، وعداوتهم إياه بالتأسي بمن قبله من الرسل، فهو ليس بدعًا من بينهم، فما من نبي بعث في قرية إلا كذبه مترفوها، واتبعه ضعفاؤها، كما قال:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} ، ثم ذكر حجتهم بأنهم لا حاجة لهم إلى الإيمان به، فما هم فيه من مال وولد برهان ساطع على محبة الله إياهم، فرد عليهم بأن بسط الرزق وتقتيره، كما يكون للبر .. يكون للفاجر؛ لأن ذلك مرتبط بسنن طبيعية، وأسباب قدرها سبحانه في هذه الحياة، فمن أحسن استعمالها استفاد منها، ثم ذكر أن المتقين يمتّعون إذ ذاك بغرف الجنان، وهم في أمن ودعة، وأن الذين يصدون عن سبيل الله في نار جهنم يصلونها أبدًا، ثم وعد المنفقين في سبيل الله بالإخلاف، وأوعد الممسكين بالإتلاف.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (1) أنَّ حال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه ليس بدعًا بين الرسل، فحاله معهم كحال من تقدمه منهم مع أقوامهم، فكلهم كذبوا، وكلهم أوذوا في سبيل الله، ثم أعقب ذلك بأن ردّ عليهم بأن كثرة الأموال والأولاد لا صلة لها بمحبة الله تعالى، ولا سخطه .. أردف ذلك ما يكون من حالهم يوم القيامة من التقريع والتأنيب بسؤال الملائكة لمعبوداتهم أمامهم: هل هؤلاء كانوا يعبدونكم؟ فيجيبون: بأنهم كانوا يعبدون الشياطين بوسوستهم لهم، ثم بيَّن أنهم في ذلك اليوم لا يقع لهم نفع ممن كانوا يرجون من الأوثان والأصنام، ويقال لهم على طريق
(1) المراغي.