المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بقاء للباطل، ولا قرار له إذا ظهر نور الحق: {فَأَمَّا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: بقاء للباطل، ولا قرار له إذا ظهر نور الحق: {فَأَمَّا

بقاء للباطل، ولا قرار له إذا ظهر نور الحق:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} .

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه، لما أبطل شبههم، ورد عليهم بما لم يبقَ بعده مستزاد لمستزيد .. هددهم بشديد العقاب إن هم أصروا على عنادهم واستكبارهم، ثم ذكر أنهم حين معاينة العذاب يقولون: آمنا بالرسول، وأنى لهم ذلك، وقد فات الأوان، وقد كان ذلك في مكنتهم في دار الدنيا لو أرادوا، أما الآن فإن ذلك لا يجديهم فتيلًا ولا قطميرًا من جراء ما كانوا فيه من شك مريب في الحياة الأولى، وتلك سنة الله في أشباههم من قبل.

التفسير وأوجه القراءة

‌43

- {وَإِذَا تُتْلَى} ؛ أي: وإذا قرئت بلسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. {عَلَيْهِمْ} ؛ أي: على مشركي مكة. {آيَاتُنَا} القرآنية الناطقة بحقيقة التوحيد وبطلان الشرك حالة كونها، {بَيِّنَاتٍ}؛ أي: واضحات الدلالات، ظاهرات المعاني {قَالُوا}؛ أي: قال كفار مكة مشيرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {مَا هَذَا} التالي لها {إِلَّا رَجُلٌ} حقير لا يعبأ بكلامه، تنكيره للتهكم والتلهي، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان علمًا مشهورًا بينهم. {يُرِيدُ} ويقصد {أَنْ يَصُدَّكُمْ} ويمنعكم ويصرفكم {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} وأسلافكم من الأصنام منذ أزمنة متطاولة، فيستتبعكم بما يستبدعه من غير أن يكون هناك دين إلهي، وإضافة (1) الآباء إلى المخاطبين لا إلى أنفسهم لتحريك عرق العصبية منهم مبالغةً في تقريرهم على الشرك، وتنفيرهم عن التوحيد.

والمعنى (2): وإذا تتلى على المشركين آيات الكتاب الكريم دالة على التوحيد وبطلان الشرك .. قالوا: إن هذا الرجل يريد أن يلفتكم عن الدين الحق دين الآباء والأجداد، ليجعلكم من أتباعه دون أن يكون له حجة على ما يدَّعي، وبرهان يدل على صحة ما يسلك من سبيل، ثم زادوا إنكارهم توكيدًا، وأيأسوا الرسول من الطمع في إيمانهم {وَقَالُوا} ثانيًا:{مَا هَذَا} القرآن الذي يدعي محمد أنه وحي من

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 306

عند ربه {إِلَّا إِفْكٌ} ؛ أي: كذب محض، وكلام مصروف عن وجهه لعدم مطابقة ما فيه من التوحيد والبعث الواقع {مُفْتَرًى}؛ أي: مختلف من عند نفسه وقد نسبه إلى ربه ترويجًا للدعوة، واجتلابًا لقلوب الكافة، والافتراء: الكذب محمدًا، قالوه عنادًا ومكابرةً، وإلا فقد قال كبيرهم عتبة بن ربيعة: واللهِ ما هو شعر ولا كهانة ولا سحر.

ثم شددوا في الإنكار، فجعلوه سحرًا بيِّنًا لا شك فيه عندهم، كما حكي عنهم بقوله:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ثالثًا: {لِلْحَقِّ} ؛ أي: للقرآن؛ أي: في شأنه على أن العطف لاختلاف العنوان، بأن يراد بالأول وهو قولهم:{إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى} معناه، وبالثاني وهو قولهم:{إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} نظمه المعجز، وقيل: إن طائفة منهم قالوا: إنه إفك، وطائفة قالوا: إنه سحر، وقيل: المراد بالحق هنا: التوحيد، وأمور الإِسلام، وقيل: المراد بالذين كفروا المذكور أولًا: جميع الكفار؛ لأن إنكار القرآن والمعجزة كان متفقًا عليه بين أهل الكتاب والمشركين، وبالثاني المشركون؛ لأنهم أنكروا التوحيد على القول بأن المراد بالحق: التوحيد؛ أي: وقال الذين كفروا للحق والقرآن {لَمَّا جَاءَهُمْ} ؛ أي: حينما جاءهم من الله تعالى، ومعنى التوقع في {لَمَّا}: أنهم كذبوا به وجحدوه على البديهة ساعة أتاهم، وأول ما سمعوه قبل التدبر والتأمل. {إن} بمعنى ما النافية؛ أي ما {هَذَا} القرآن {إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}؛ أي: خيال ظاهر سحريته لا شبهة فيه.

والمعنى على القول: بأن المراد بالحق التوحيد والشرائع؛ أي (1): وقال المشركون لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه مشتملًا على الهدى والشرائع التي وجهتهم في حياتهم الاجتماعية ونظم المعيشة وجهة جديدة، تكون بها سعادتهم في معاشهم ومعادهم، وغيَّرت الطريق التي ورثوها عن الآباء والأجداد: ما هذا إلا سحر مبين لا خفاء فيه عندنا، وقد أعمى أبصارنا، وأضلَّ أحلامنا، فلم نستطيع أن ندفعه بكل سبيل، ولا يزال يلج القلوب ويقتحمها، ويداخل النفوس ويستحوذ عليها، ونحن في حيرة لا نجد طريقًا للتغلب عليه بالوسائل التي نعرفها، وهي بين أيدينا.

(1) المراغي.

ص: 307