المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قلوبهن، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن ليكون لهن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: قلوبهن، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن ليكون لهن

قلوبهن، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن ليكون لهن عليكم تذكرةً في أيام الفرقة، وأوائلها إلى أن تتوطن نفوسهن على الفرقة، وسرحوهن سراحًا جميلًا، بأن لا تذكروهن بعد الفراق إلا بخير، ولا تستردوا منهن شيئًا تفضلتم به معهن، فلا تجمعوا عليها الفراق بالحال، والإضرار من جهة المال. انتهى.

وينبغي للمؤمن (1): أن لا يؤذي أحدًا بغير حق، ولو كلبًا أو خنزيرًا، ولا يظلم، ولو بشق تمرة، ولو وقع شيء من الأذى والجور .. يجب الاستحلال والإرضاء، ورأينا كثيرًا من الناس في هذا الزمان يطلقون ضرارًا، ويقعون في الإثم مرارًا، ويخالعون على المال بعد الخصومات، كأنهم غافلون عما بعد الممات.

ومعنى الآية (2): أي يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم على المؤمنات، وتزوجتموهن، ثم طلقتموهن من قبل المسيس، فلا عدة لكم عليهن بأيام يتربصن بها تستوفون عددها، ولكن اكسوهن كسوة تليق بحالهن إذا خرجن وانتقلن من بيت إلى آخر. ويختلف ذلك باختلاف البيئة والبلد الذي تعيش فيه المرأة، وأخرجوهن إخراجًا جميلًا، فهيئوا لهن من المركب والزاد وجميل المعاملة ما تقرّ به أعينهن، ويسر به أهلوهن، ليكون في ذلك بعض السلوة مما لحقهن من أذى بقطع العشرة التي كن ينتظرن دوامها، ومن الخروج من بيوت كن يرجون أن تكون هي المقام إلى أن يلاقين ربهن، أو تموت عنهن بعولتهن.

روى البخاري عن سهل بن سعد، وأبي أسيد رضي الله عنهما قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أميمة بنت شراحيل، فلما أن دخلت عليه .. بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها، ويكسوها ثوبين رازقيين - ضَرْبٌ من الثياب مشهور في ذلك الحين -.

‌50

- وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ

} الآية، ذكر الله سبحانه في هذه الآية أنواع الأنكحة التي أحلها لرسوله صلى الله عليه وسلم، وبدأ بأزواجه اللاتي قد أعطاهن أجورهن؛ أي: مهورهن، فقال: يا أيها النبي الكريم {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} ؛ أي: أبحنا لك بعظمتنا {أَزْوَاجَكَ} ؛ أي: نساءك {اللَّاتِي آتَيْتَ} هن، وأعطيت {أُجُورَهُنَّ}؛ أي: مهورهن، عبَّر عن

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 74

المهر بالأجر؛ لأن المهر أجر على البضع؛ أي: على المباشرة به، وإيتاؤها؛ إما إعطاؤها معجلة، أو تسميتها في العقد، وأيًا ما كان أجزأ.

واختلف (1) في معنى {أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} فقال ابن زيد والضحاك: إن الله أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها، فتكون الآية مبيحة له لجميع النساء ما عدا ذوات المحارم. وقال الجمهور: المراد: أحللنا لك أزواجك الكائنات عندك؛ لأنهن قد اخترنك على الدنيا وزينتها، وهذا هو الظاهر؛ لأن قوله:{أَحْلَلْنَا} ، و {آتَيْتَ} ماضيان، وتقييد الإحلال بإيتاء الأجور ليس لتوقف الحل عليه؛ لأنه يصح العقد بلا تسمية، ويجب مهر المثل مع الوطء، والمتعة مع عدمه، فكأنه لقصد الإرشاد إلى ما هو الأفضل. ففي (2) وصفهن بـ {اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} تنبيه على أن الله سبحانه اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم الأفضل والأولى؛ لأن إيتاء المهر أولى وأفضل من تأخيره؛ ليتقصى الزوج عن عهدة الدين، وشغل ذمته به، ولأن تأخيره يقتضي أنه يستمتع بها مجانًا دون عوض تسلمته، والتعجيل كان سنة السلف، لا يعرف منهم غيره.

والمعنى (3): أي يا أيها النبي إنا أحللنا لك الأزواج اللاتي أعطيتهن مهورهن، وقد كان مهره صلى الله عليه وسلم لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونصفًا؛ أي: خمس مئة درهم، إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان، فإنه أمهرها عنه النجاشي رحمه الله، أربع مئة درهم.

{وَ} أحللنا لك {مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} ويدك أي: السراري اللاتي دخلن في ملكك حالة كونها {مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ} سبحانه، ورده {عَلَيْكَ} من الكفار بالغنيمة لنسائهم المأخوذات على وجه القهر والغلبة. وليس المراد بهذا القيد إخراج ما ملكه بغير الغنيمة، فإنه تحل له السرية المشتراة والموهوبة والمهداة، ولكنه إشارة إلى ما هو الأفضل والأطيب؛ لأنها إذا كانت مسبية، فملكها مما غنمه الله من أهل دار الحرب .. كانت أحل وأطيب مما تشترى من الجلب، فما سبط من دار الحرب قيل فيه: سبط طيبة، وممن له عهد قيل فيه: سبي خبيثة، وفيء الله لا يطلق إلا على الطيِّب.

(1) الشوكاني.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

ص: 75

والمعنى: أي وأحللنا لك الإماء اللواتي سبيتهن فملكتهن بالسباء، وصرن لك من الفيء، بفتح الله عليك، وقد ملك صفية بنت حيي بن أخطب في سبي خيبر، ثم أعتقها، وجعل صداقها عتقها، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق أعتقها، ثم تزوجها، وملك ريحانة بنت شمعون النضرية، ومارية أم إبراهيم، وكانتا من السراري.

وقال في "إنسان العيون": إن سراريه صلى الله عليه وسلم أربع: مارية القبطية أم سيدنا إبراهيم رضي الله عنه، وريحانة، وجاريةٌ وهبتها له صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، وأخرى اسمها: زليخا القرظية. انتهى.

وكون ريحانة بنت يزيد من بني النضير سرية أضبط على ما قاله العراقي (1)، وزوجة أثبت عند أهل العلم على ما قاله الحافظ الدمياطي. وأما صفية بنت حيي الهارونية من غنائم خيبر، وجويرية بنت الحارث بن أبي صوار الخزاعية المصطلقية، وإن كانتا من المسبيات، لكنه صلى الله عليه وسلم أعتقهما، فتزوجهما، فهما من الأزواج لا من السراري على ما بيِّن في كتب السير، فالوجه أنَّ المعنى: مما أفاء الله؛ أي: أعاده عليك بمعنى: صيره لك، ورده لك بأي جهة كانت هديةً أو سبية.

{وَ} أحللنا لك {بَنَاتِ عَمِّكَ} والبنت: مؤنث الابن، والعم: أخو الأب؛ أي: وأحللنا لك نساء قريش من أولاد عبد المطلب وأعمامه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر:

الحارث، وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، وحمزة، والمقوم - بفتح الواو المشددة وكسرها - والمغيرة، والعباس، وضرار، وأبو لهب، وقثم، ومصعب، ولم يسلم من أعمامه الذين أدركوا البعثة إلا حمزة والعباس.

وبنات أعمامه صلى الله عليه وسلم: ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وكانت تحت المقداد، وأم الحكيم بنت الزبير، وكانت تحت النضر بن الحارث، وأم هانىء بنت أبى طالب، اسمها: فاختة، وجمانة بنت أبي طالب، وأم حبيبة، وآمنة، وصفية بنات العباس بن عبد المطلب، وأروى بنت الحارث بن عبد المطلب.

{و} أحللنا لك {بَنَاتِ عَمَّاتِكَ} جمع عمة، والنعمة: أخت الأب.

(1) روح البيان.

ص: 76

وعماته صلى الله عليه وسلم ست:

أم حكيم، واسمها: البيضاء، وعاتكة، وبرة، وأروى، وأميمة، وصفية، ولم تسلم من عماته اللاتي أدركن البعثة من غير خلاف إلا صفية أم الزبير بن العوام، أسلمت وهاجرت، وماتت في خلافة عمر رضي الله عنه.

واختلف في إسلام عاتكة، وأروى، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنات أعمامه دينًا، وأما بنات عماته دينًا .. فكانت عنده منهن زينب بنت جحش بن رباب؛ لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب، كما في "التكملة".

{و} أحللنا لك {بَنَاتِ خَالِكَ} والخال: أخ الأم. {وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} جمع: خالة، والخالة: أخت الأم، والمراد: نساء بني زهرة، يعني أولاد عبد مناف بن زهرة، لا إخوة أمه، ولا أخواتها؛ لأن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن لها أخ ولا أخت، فإذا لم يكن له صلى الله عليه وسلم خال ولا خالة .. فالمراد بذلك: الخال والخالة عشيرة أمه؛ لأن بني زهرة يقولون: نحن أخوال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أمه منهم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:"هذا خالي".

وإنما خص هؤلاء بالذكر تشريفًا لهن، كما قال تعالى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} ، وإنما (1) أفرد العم والخال، وجمع العمات والخالات في الآية، وإن كان معنى الكل الجمع؛ لأن لفظ العم والخال لما كان يعطي المفرد معنى الجنس .. استغني فيه عن لفظ الجمع تخفيفًا للفظ، ولفظ العمة والخالة، وإن كان يعطي معنى الجنس .. ففيه الهاء، وهي تؤذن بالتحديد والإفراد، فوجب الجمع لذلك. ألا ترى أن المصدر إذا كان بغير هاء لم يجمع، وإذا حدد بالهاء جمع، هكذا ذكره الشيخ أبو علي رحمه الله. كذا في "التكملة".

وعبارة "فتح الرحمن" هنا (2): وإنما أفراد العم والخال، وجمع العمات والخالات؛ لأن العم والخال بوزن مصدرين، وهما: الضم، والمال، والمصدر يستوي فيه المفرد والجمع، بخلاف العمة والخالة، ولا يرد على ذلك جمع العم والخال في قوله في النور: {أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ

(1) روح البيان.

(2)

فتح الرحمن.

ص: 77

أَخْوَالِكُمْ}؛ لأنهما ليسا مصدرين حقيقة، فاعتبر هنا حقيقتهما، وثم شبههما.

وقوله: {اللَّاتِي} صفة للبنات؛ أي: وأحللنا لك البنات المذكورة اللاتي {هَاجَرْنَ مَعَكَ} ؛ أي: خرجن معك من مكة إلى المدينة، وفارقن أوطانهن، والمراد بالمعية (1): المتابعة له صلى الله عليه وسلم في المهاجرة، سواء وقعت قبله أو بعده أو معه، وتقييد البنات بكونها مهاجرات معه للإيذان بشرف الهجرة، وشرف من هاجر، وللتنبيه على الأليق والأفضل له صلى الله عليه وسلم، فالهجرة وصفهن، لا بطريق التعليل كقوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} ، ويحتمل تقييد الحل بذلك في حقه صلى الله عليه وسلم خاصةً، وأن من هاجر معه منهن يحل له نكاحها، ومن لم تهاجر لم تحل، ويعضده قول أم هانىء بنت أبي طالب: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله هذه الآية، فلم أحل له؛ لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وهم الذين أسلموا بعد الفتح، أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذهم، ولفائدة التقييد بالهجرة أعاد هنا ذكر بنات العم والعمات والخال والخالات، وإن كنَّ داخلات تحت عموم قوله تعالى عند ذكر المحرمات من النساء:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، وأول بعضهم الهجرة في هذه الآية على الإسلام؛ أي: أسلمن معك، فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة.

وقوله: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} بالنصب معطوف على مفعول {أَحْلَلْنَا} ؛ إذ ليس معناه إنشاء الإحلال الناجز، بل إعلام مطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق، والمعنى: وأحللنا لك امرأة مؤمنة بالله مصدِّقة بالتوحيد. {إِنْ وَهَبَتْ} تلك المرأة {نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} صلى الله عليه وسلم؛ أي: لك بغير صداق، والالتفات للإيذان بأن هذا الحكم مخصوص به لشرف نبوته، وأما من لم تكن مؤمنة .. فلا تحل لك بمجرد هبتها نفسها لك. والهبة: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض. والحرة لا تقبل الهبة، ولا البيع، ولا الشراء؛ إذ ليست بمملوكة، فمعناه: إن ملَّكته بضعها بلا مهر، بأي عبارة كانت من: الهبة، والصدقة، والتمليك، والبيع، والشراء، والنكاح، والتزويج، وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن النكاح ينعقد في حقه بلفظ الهبة وغيرها من غير ولي ولا شهود ولا مهر؛ لقوله:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} .

(1) روح البيان.

ص: 78

ومعنى الشرط إن اتفق ذلك، أي: وجد اتفاقًا، ولكن ليس ذلك بواجب عليك بحيث يلزمك قبول ذلك، بل مقيَّد بإرادتك، ولهذا قال:{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ} صلى الله عليه وسلم {أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} ؛ أي: أن يجعلها منكوحة له، ويتملك بضعها بتلك الهبة لا بمهر ابتداءً وانتهاءً، وهذا شرط للشرط الأول في استيجاب الحل، فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها، فإنها جارية مجرى القبول.

وقيل (1): إنه لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم من الواهبات أنفسهن أحدًا، ولم يكن عنده منهن شيء، وقيل: كان عنده منهن خولة بنت حكيم، كما في "صحيح البخاري" عن عائشة. وقال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث، وقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الأنصارية أم المساكين، وقيل غير ذلك.

ثم بين سبحانه أن هذا النوع من النكاح خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحل لغيره من أمته فقال:{خَالِصَةً لَكَ} إما حال من فاعل {وَهَبَتْ} ، قاله الزجاج. أي: حالة كون تلك الواهبة خالصة لك، وخاصة بك. {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فإن الإحلال للمؤمنين إنما يتحقق بالمهر، أو بمهر المثل إن لم يسم عند العقد، ولا يتحقق بلا مهر أصلًا، أو مصدر مؤكد لعامله المحذوف كالكاذبة؛ أي: خلص لك إحلال المرأة المؤمنة الواهبة خالصةً؛ أي: خلوصًا.

وقرأ الجمهور (2): {وَامْرَأَةً} بالنصب {إِنْ وَهَبَتْ} بكسر الهمزة؛ أي: أحللناها لك إن وهبت. وقرأ أبو حيوة: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف؛ أي: أحللناها لك. وقرأ أبي والحسن والشعبي وعيسى وسلام: {أن وهبت} بفتح الهمزة على تقدير لام العلة؛ أي: لأن وهبت، أو على أنه بدل من امرأة بدل اشتمال، وذلك حكم في امرأة بعينها، فهو فعل ماض.

وقراءة الكسر استقبال في كل امرأة كانت تهب نفسها دون واحدة بعينها. وقرأ زيد بن علي: {إذ وهبت} ظرف لما مضى، فهو في امرأة بعينها. وقرأ الجمهور:{خَالِصَةً} بالنصب، فهو مصدر مؤكد كوعد الله، وصبغة الله؛ أي: أخلص لك إخلاصًا، فأحللنا لك خالصةً بمعنى خلوصًا، ويجيء المصدر على فاعل وفاعلة،

(1) الشوكاني.

(2)

البحر المحيط.

ص: 79

وقال الزمخشري: والفاعل والفاعلة في المصادر عليَّ غير عزيزين، كالخارج، والقاعد، والعاقبة، والكاذبة. انتهى.

وليس كما ذكر، بل هما عزيزان، وقد تتأول هذه الألفاظ على أنها ليست مصادر، وقرىء بالرفع على أنها صفة لامرأة على قراءة من قرأ:{امرأة} بالرفع.

وقد أجمع (1) العلماء على أن هذا خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز ولا ينعقد النكاح بهبة المرأة نفسها، إلا ما روي عن أبي حنيفة وصاحبيه أنه يصح النكاح إذا وهبت، وأشهد هو على نفسه بمهر، وأما بدون مهر، فلا خلاف في أن ذلك خاص بالنبي، ولهذا قال:{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} ؛ أي: أوجبنا على المؤمنين {فِي أَزْوَاجِهِمْ} ؛ أي: في حقهن من شرائط العقد وحقوقه، فإن ذلك حق عليهم مفروض، لا يحل لهم الإخلال به، ولا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خصه الله به توسعة عليه، وتكريمًا له، فلا يتزوجوا إلا أربعة بمهر وولي وشهود.

{وَ} ما فرضنا عليهم في حق {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وأيديهم من الأحكام؛ أي: وعلمنا ما فرضنا عليهم فيما ملكت أيمانهم من كونهن ممن يجوز سبيه وحربه، لا ممن لا يجوز سبيه كالمعاهدين، وأهل الذمة.

وقوله: {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} قال المفسرون: هذا يرجع إلى أول الآية؛ أي: أحللنا لك أزواجك، وما ملكت يمينك، والواهبة نفسها لك لكيلا يكون عليك حرج. فتكون اللام متعلقةً بـ {أَحْلَلْنَا} ، وقيل: متعلقة بـ {خَالِصَةً} ، والأول أولى. ولام كي دخلت على كي للتوكيد؛ أي: لئلا يكون عليك ضيق في أمر النكاح، فقوله: قد علمنا .. الخ اعتراض بين قوله: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} وبين متعلَّقه، وهو {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ، مقرر لما قبله من خلوص الإحلال المذكور لرسول الله، وعدم تجاوزه للمؤمنين ببيان أنه قد فرض عليهم من شرائط العقد وحقوقه ما لم يفرض عليه، تكرمة له، وتوسعة عليه.

أي: قد علمنا ما ينبغي أن يفرض عليهم في حق أزواجهن، ومملوكاتهم، وعلى أيّ حد، أو على أي صفة يحق أن يفرض عليهم، ففرضنا ما فرضنا على

(1) الشوكاني.

ص: 80