المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كونه جزاء، وقرأ الجمهور: {فِي الْغُرُفَاتِ} بالجمع مضموم الراء، واختار - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: كونه جزاء، وقرأ الجمهور: {فِي الْغُرُفَاتِ} بالجمع مضموم الراء، واختار

كونه جزاء، وقرأ الجمهور:{فِي الْغُرُفَاتِ} بالجمع مضموم الراء، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله:{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} ، وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف:{في الغرفة} بالإفراد لقوله: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} .

ومعنى الآية (1): أي وما أموالكم التي تفتخرون بها على الناس، ولا أولادكم الذين تتكبرون بهم بالتي تقربكم منا، لكن من آمن وعمل صالحًا، فإيمانهم وعملهم يقربانهم منى، وأولئك أضاعف لهم ثواب أعمالهم، فأجازيهم بالحسنة عشر أمثالها، أو أكثر إلى سبع مئة ضعف، وهم في غرفات الجنات آمنون من كل خوف وأذى، ومن كل شر يحذر منه. روي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفًا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها"، فقال أعرابي: لمن هي؟ قال: "لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". وفي الآية إشارة إلى أنه لا تستحق الزلفى عند الله بالمال والأولاد مما زين للناس حبه، وحب غير الله يوجب البعد عن الله، فالأولى للعاقل أن يأخذ الباقي ويترك الفاني.

‌38

- ولما ذكر سبحانه حال المؤمنين .. ذكر حال الكافرين، فقال:{وَالَّذِينَ} وهم كفار قريش، {يَسْعَوْنَ} ويبادرون، {فِي آيَاتِنَا} القرآنية، بالرد والطعن فيها، ويجتهدون في إبطالها حال كونهم {مُعَاجِزِينَ}؛ أي: ظانين أنهم يعجزوننا ويفوتوننا، فلا يكون لهم مؤاخذة بمقابلة ذلك {أُولَئِكَ} المجتهدون في إبطال آياتنا {فِي الْعَذَابِ}؛ أي: في عذاب جهنم {مُحْضَرُونَ} تحضرهم الزبانية إليها، لا يجدون عنها محيصًا؛ أي: مدخلون في العذاب، مخلدون فيه، لا يغيبون عنه، ولا ينفعهم ما اعتمدوا عليه من الشفعاء.

‌39

- {قُلْ} يا محمد لأولئك المفتخرين بالأموال والأولاد: {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ} ويوسعه {لِمَنْ يَشَاءُ} البسط له {مِنْ عِبَادِهِ} ؛ أي: يوسعه عليه تارة، {وَيَقْدِرُ لَهُ}؛ أي: يضيقه عليه تارة أخرى ابتلاءً وحكمةً، فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين، وما سبق في شخصين، فلا تكرار؛ أي: بل فيه تقرير؛ لأن التوسع والتقتير ليسا لكرامة ولا هوان، فإنه لو كان كذلك لم يتصف بهما شخص واحد. اهـ "شهاب". وقيل: "تكرار لما تقدم لقصد التأكيد للحجة والدفع لما قاله الكفرة،

(1) المراغي.

ص: 288

وقيل: ما هنا في المؤمن وما سبق في الكافر، وقيل: ذكره توطئة لما بعده، والمعنى: قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، فلا تخشوا الفقر، وأنفقوا في سبيل الله {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} {مَا}: موصولة، بمعنى: الذي مبتدأ، خبره قوله:{فَهُوَ} ، سبحانه {يُخْلِفُهُ} لكم أو شرطية، بمعنى: أيُّ شيء نصب بقوله: أنفقتم، ومن شيء بيان له، وجواب الشرط فهو يخلفه، والمعنى: والذي، أو أي شيء أنفقتموه وصرفتم في طاعة الله تعالى، وطريق الخير والبر، وقيل: المعنى: وما أنفقتم على أنفسكم، أو على عيالكم، أو تصدقتم به، فالله تعالى يعطي خلفًا وعوضًا منه؛ إما في الدنيا بالمال، أو بالقناعة التي هي كنز لا يفنى، وإما في الآخرة بالثواب والنعيم، أو فيهما جميعًا، فلا تخشوا الفقر، وأنفقوا في سبيل الله تعالى، وتعرضوا لألطاف الله عاجلًا أو آجلًا. {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وأفضلهم؛ أي: خير من يعطي ويرزق؛ لأن كل من رزق غيره من سلطان يرزق جنده، أو سيد يرزق مملوكه، أو رجل يرزق عياله، فهو من رزق الله تعالى، أجراه الله على أيدي هؤلاء، وهو الرازق الحقيقي الذي لا رازق سواه، فإن رزق العباد بعضهم بعضًا إنما هو بتيسير الله وتقديره، وليسوا برازقين على الحقيقة، ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئًا مما رزقه الله .. فهو إنما تصرف في رزق الله له، فاستحق بما خرج منه الثواب عليه المضاعف لامتثاله لأمر الله، وإنفاقه فيما أمره الله تعالى.

ومعنى الآية: أي قل لهم أيها الرسول: إن ربي يوسع الرزق على من يشاء من عباده حينًا، ويضيقه عليه حينًا آخر، فلا تخشوا الفقر، وأنفقوا في سبيله، وتقربوا إليه بأموالكم لتنالكم نفحة من رحمته، وما أنفقتم من شيء فيما أمركم به ربكم، وأباحه لكم .. فهو يخلفه عليكم، ويعوضكم بدلًا منه في الدنيا وفي الآخرة ثوابًا كل خلف دونه.

وفي الحديث: "أنفق بلالًا، ولا تخشى من ذي العرش إقلالًا" وعن مجاهد أنه خصه بالآخرة؛ إذ قال: "إذا كان لأحدٍ شيء فيلقتصد"، ويتأول هذه الآية:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فإن الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له منه قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه. {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فترزقون من حيث لا تحتسبون، ولا رازق غيره. روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم

ص: 289