الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يعلو سطح البحر نحو (1100) متر، وتسير فيه المياه نحو الشرق الشمالي حتى تنتهي إلى مكان قبل مأرب بثلاث ساعات، وهو مضيق بين جبلين، يقال لكل منهما: بلن، أحدهما: بلن الأيمن، وثانيهما: بلن الأيسر، والمسافة بينهما ست مئة ذراع، يجري السيل الأكبر بينهما من الغرب الجنوبي إلى الشرق الشمالي في وادي آذنة.
وقد اختار السبئيُّون المضيق بين جبلي بلن، وبنوا في عرضه سورًا عظيمًا عرف بسد مأرب، أو بسد العرم؛ لأنه لا أنهار عندهم، وإنما يستقي أهلها من السيول التي تتجمع من المطر، وقد كان يذهب أكثرها في الرمال، فإذا انقضى فصل المطر .. ظمئوا وجفت أغراسهم، وربما فاض المطر فسطا على المدن والقرى، فنالهم منه أذى كثير. وبين المضيق ومدينة مأرب متسع من الأرض، تبلغ مساحة ما يحيط به من الأرض من سفوح وجبال نحو (3000) ميل مربع، كانت صحراء جرداء قاحلة، فأصبحت بعد تدبير المياه بالسد غياضًا وبساتين على سفحي الجبلين، وهي المعبَّر عنها بالجنتين، الجنة اليمنى، والجنة اليسرى. اهـ بتصرف.
قال الأصفهاني: إن السد تهدم قبل الإِسلام بنحو أربع مئة سنة، وقال ياقوت: إنه هدم في نحو القرن السادس للميلاد، وقال ابن خلدون: إنه تهدم في القرن الخامس للميلاد.
18
- وقوله: {وَجَعَلْنَا} معطوف على قوله: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} ، وهو (1) بيان لما أوتوا من النعم البادية في مسايرهم ومتاجرهم، بعد حكاية ما أوتوا من النعم الحاضرة في مساكنهم ومحاضرهم، وما فعلوا بها من الكفران، وما فعل بهم من الجزاء تكملة لقصتهم، وإنما لم يذكر الكل معًا لما في التثنية والتكرير من زيادة تنبيه وتذكير.
والمعنى (2): وجعلنا مع ما آتيناهم في مساكنهم من فنون النعم {بَيْنَهُمْ} ؛ أي: بين بلادهم اليمنية {وَبَيْنَ الْقُرَى} الشامية {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بالمياه والأشجار والثمار والخصب والسعة في العيش للأعلى والأدنى. والمراد بها هنا: فلسطين وأريحا
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
وأردن ونحوها، والبركة: ثبوت الخير الإلهى، في الشيء، والمبارَك: ما فيه ذلك الخير.
{قُرًى ظَاهِرَةً} ؛ أي: قرى متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها، فهي ظاهرة لأعيق أهلها، أو راكبة متن الطريق، ظاهرة للسابلة، غير بعيدة عن مسالكهم حتى تخفى عليهم، أو مرتفعة على الآكام، وهي أصح القري.
وكان متجرهم من أرضهم التي هي مأرب إلى الشام، وكانوا يبيتون بقرية، ويقيلون بأخرى حتى يرجعوا، وكانوا لا يحتاجون إلى زادٍ يحملونه من أرضهم إلى الشام، وقال الحسن: إن هذه القرى هي بين اليمن والشام، قيل: إنها كانت أربعة آلاف وسبع مئة قرية، وقيل: هي بين المدينة والشام، وقال المبرد: القرى الظاهرة: هي المعروفة، وإنما قيل لها: ظاهرة؛ لظهورها إذا خرجت من هذه ظهرت لك الأخرى، فكانت قرى ظاهرة؛ أي: معروفة، يقال: هذا أمر ظاهر؛ أي: معروف.
{وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} ؛ أي: وجعلنا مسافة السير بينها مقدارًا معينًا واحدًا؛ أي: جعلنا القرى في نسبة بعضها إلى بعض على مقدار معين يليق بحال أبناء السبيل، وذلك نصف يوم. وقال الفراء: أي: جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية، والمبيت في أخرى إلى أن يصل إلى الشام. قيل: كان الغادي من قرية يقيل في الأخرى، والرائح منها يبيت في أخرى إلى أن يبلغ الشام، لا يحتاج إلى حمل ماء وزاد، ولا مبيت في أرض خالية، ولا يخاف من عدو ولا سبع، وكل ذلك كان تكميلًا لما أوتوا من أنواع النعماء، وتوفيرًا لها في الحضر والسفر، وإنما يبالغ الإنسان في السير لعدم الزاد والماء، ولخوف الطريق، فإذا وجد الزاد والأمن .. لم يحمل نفسه المشقة، بل ينزل أينما أراد.
والحاصل: أن الله سبحانه عدد عليهم النعم، ثم ذكر ما نزل بهم من النقم، ثم عاد لتعديد بقية ما أنعم به عليهم مما هو خارج عن بلدهم من اتصال القرى بينهم وبين ما يريدون السفر إليه، ثم ذكر بعد ذلك تبديله بالمفاوز والبراري، كما سيأتي.
وقوله: {سِيرُوا فِيهَا} ؛ أي: في تلك القرى الظاهرة على تقدير القول بلسان المقال أو الحال، فإنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه .. فكأنهم أمروا