المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويفوته شيء من الأشياء كائنًا ما كان فيهما، {إِنَّهُ} سبحانه، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ويفوته شيء من الأشياء كائنًا ما كان فيهما، {إِنَّهُ} سبحانه،

ويفوته شيء من الأشياء كائنًا ما كان فيهما، {إِنَّهُ} سبحانه، {كَانَ عَلِيمًا}؛ أي: بليغ العلم بكل شيء في العالم مما وجد ويوجد {قَدِيرًا} ؛ أي: بليغ القدرة على كل ممكن، ولذلك علم بجميع أعمالهم السيئة، فعاقبهم بموجبها، فمن كان قادرًا على معاقبة من قبلهم كان قادرًا على معاقبتهم إذا كانت أعمالهم مثل أعمالهم، أي: إنه تعالى عليم بمن يستحق أن تعجل له العقوبة، ومن قد تاب وأناب إلى ربه، ورجع عن ضلالته، قدير على الانتقام ممن شاء منهم، وعلى توفيق من أراد بالإيمان.

والإشارة في الآية أنه ما خاب له تعالى وليٌ، ولا ربح له عدوٌ فقد وسع لأوليائه فضلًا كثيرًا، ودمرَّ على أعدائه تدميرًا، وسبب الفضل والولاية هو التوحيد، كما أن سبب القهر والعداوة هو الشرك، وأن الله تعالى أمهل عباده، ولم يأخذهم بغتة، ليروا أن العفو والإحسان أحب إليه من الأخذ والانتقام، وليعلموا شفقته وبره وكرمه، وأن رحمته سبقت غضبه.

‌45

- ولما كان المشركون يستعجلون بالوعيد استهزاء، فيقولون: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

} بيَّن أنه لا يعاجلهم بالعقوبة على ما كسبوا لعلّهم يُنيبون أو ينيب بعضهم إلى ربه، ويؤوب إلى رشده فقال:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ} سبحانه {النَّاسَ} جميعًا، ويعاقبهم {بِمَا كَسَبُوا} من الذنوب، وعملوا من الخطايا، {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا}؛ أي: على ظهر الأرض ووجهها، والكناية راجعة إلى الأرض، وإن لم يسبق لها ذكر؛ لكونها مفهومة من المقام، وقال أبو حيان: وتقدَّم الكلام على نظير هذه الآية في سورة النحل، وقال هناك:{عَلَيْهَا} ، وهنا قال:{عَلَى ظَهْرِهَا} ، والضمير عائد على الأرض، إلا أن هناك يدل عليه سياق الكلام، وهنا يمكن أن يعود على ملفوظ به، وهو قوبه:{فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} ، وقال هناك:{بِظُلْمِهِمْ} وقال هنا: {بِمَا كَسَبُوا} انتهى. وفي "الجمل" وهنا قال: {عَلَى ظَهْرِهَا} استعارة من ظهر الدابة دلالة على التمكن والتقلب عليها، والمقام هنا يناسب ذلك؛ لأنه حث على السير للنظر والاعتبار، والله سبحانه وتعالى أعلم بأسرار كتابه.

فإن قيل: كيف يقال لما عليه الخلق وجه الأرض وظهر الأرض، مع أن الظهر مقابل الوجه، فهو من قبيل إطلاق الضدين على شيء واحد؟.

قلتُ: صح ذلك باعتبارين: فإنه يقال لظاهرها: ظهر الأرض من حيث أن

ص: 454

الأرض كالدابة الحاملة الأثقال، ويقال له: وجه الأرض؛ لكون الظاهر منها كالوجه للحيوان، وأن غيره كالبطن، وهو الباطن منها اهـ "زاده".

{مِنْ دَابَّةٍ} ؛ أي: من نسمة تدب عليها كائنة ما كانت، سواء كانت من بني آدم؛ لأنهم المكلفون المجازون، ويعضده ما بعد الآية، أو من غيرهم أيضًا، فإن شؤم معاصي المكلفين يلحق الدواب في الصحارى، والطيور في الهواء بالقحط ونحوه، ولذا يقال من أذنب ذنبًا، فجميع الخلق - من الإنس والدواب والوحوش والطيور والذر - خصماؤه يوم القيامة، وقد أهلك الله في زمان نوح عليه السلام جميع الحيوانات إلا ما كان منها في السفينة، وذلك بشؤم المشركين وسببهم، وقال بعض الأئمة: ليس معناه أن البهيمة تؤخذ بذنب ابن آدم، ولكنها خلقت لابن آدم، فلا معنى لإبقائها بعد إفناء من خلقت له.

والمعنى: أي ولو يعاقب الله الناس ويكافئهم بما عملوا من الذنوب واجترحوا من الآثام .. ما ترك على ظهر الأرض نسمة تدب؛ لشؤم المعاصي التي يفتنون فيها: {وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} ؛ أي: يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بما كسبوا {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ؛ أي: إلى وقت معين معلوم عند الله تعالى، حدده لأخذهم، لا يقصرون دونه، ولا يتجاوزونه إذا بلغوه، فللعذاب أجل، والله لا يؤاخذ الناس بنفس الظلم، فإن الإنسان ظلوم جهول، وإنما يؤاخذ بالإصرار على المعاصي، وحصول يأس الناس عن إيمانهم، فإذا لم يبق فيهم من يؤمن يهلك الله المكذبين، ولو أخذهم بنفس الظلم .. لكان كل يوم إهلاك {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ}؛ أي: وقت هلاكهم، وأخذهم، ومجازاتهم، وهو يوم القيامة، أو يوم لا يوجد في الخلق من يؤمن، أو يوم القتل والأسر {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى يجازيهم بما عملوا من خير أو شر؛ لأن الله تعالى {كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} لا يخفى عليه شيء من أمرهم، دقَّ أو جل، ظهر أو بطن. وجملة {إِن} تعليل للجواب المحذوف، كما قدرناه، وهو العامل في إذا، لا جاء، كما توهّمه الشوكاني؛ لأن القاعدة عندهم: أن إذا خافضة لشرطها منصوبة بجوابها.

ثم إن البصير هو المدرك لكل موجود برؤيته، وخاصية هذا الاسم وجودز التوفيق عند ذكره، فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مئة مرة فتح الله بصيرته، ووفقه لصالح القول والعمل، نسأل الله سبحانه أن يفتح بصيرتنا إلى جانب اللاهوت،

ص: 455

ويأخذنا عن التعلق بعالم الناسوت، ويختمنا بالخير، ويجعلنا ممن أتاه بقلب سليم.

الإعراب

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} .

{وَالَّذِينَ} {الواو} : عاطفة، {الذين} مبتدأ، وجملة {كَفَرُوا} صلة له، {لَهُمْ}: خبر مقدم {نَارُ جَهَنَّمَ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر {الذين} ، وجملة {الذين} معطوفة على قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} {لَا} : نافية {يُقْضَى} : فعل مضارع مغيَّر الصيغة {عَلَيْهِمْ} : جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل لـ {يُقْضَى} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ثانٍ للموصول، أو حال من ضمير {لَهُمْ} {فَيَمُوتُوا}:{الفاء} : عاطفة سببية {يموتوا} : فعل مضارع، وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي، وعلامة نصبه حذف النون، والجملة مع أن المضمرة في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكون قضاء عليهم، فموتهم، {وَلَا يُخَفَّفُ}:{الواو} عاطفة {لا} : نافية {يُخَفَّفُ} فعل مضارع مغيَّر الصيغة {عَنْهُمْ} : جار ومجرور نائب فاعل لـ {يُخَفَّفُ} {مِنْ عَذَابِهَا} : متعلق بـ {يخفف} ، ويجوز العكس، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {يُقْضَى} ، {كَذَلِكَ}: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف {نَجْزِي} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله {كُلَّ كَفُورٍ}: مفعول به، والتقدير: نجزي كل كفور جزاء كائنًا كالجزاء المذكور، والجملة الفعلية مستأنفة. {وَهُمْ}:{الواو} : حالية، {هم}: مبتدأ، وجملة {يَصْطَرِخُونَ} ؛ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من ضمير {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} ، {فِيهَا} ؛ متعلق بـ {يَصْطَرِخُونَ} {رَبَّنَا} ؛ منادى مضاف، وجملة النداء مقول لقول محذوف وقع تفسيرًا لـ {يَصْطَرِخُونَ} تقديره؛ وهم يصطرخون فيها يقولون في صراخهم؛ ربنا إلخ، {أَخْرِجْنَا}: فعل أمر، معناه الدعاء، وفاعله ضمير مستتر يعود على الله، و {نا}: مفعول به، والجملة في محل النصب مقول لذلك القول المحذوف على كونها

ص: 456

جواب النداء، {نَعْمَلْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر مجزوم بالطلب السابق، والجملة في محل النصب مقول القول على كونها جواب الطلب {صَالِحًا}: صفة أولى لمصدر محذوف؛ أي: عملًا صالحًا، أو لمفعول به محذوف؛ أي: شيئًا صالحًا {غَيْر} : صفة ثانية على كلا التقديرين، وصحَّ الوصف به مع كونه مضافًا إلى المعرفة لعدم تعرفه بالإضافة؛ لأنه من الأسماء المتوغلة في الإبهام {غَيْر} مضاف، {الَّذِي}: مضاف إليه {كُنَّا} : فعل ناقص واسمه، وجملة {نَعْمَلْ} خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: كنا نعمله.

{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} .

{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التقريري لدخولها على حرف النفي داخلة على محذوف، و {الواو}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم نمهلكم ولم نعمركم، بل أمهلناكم وعمرناكم، والجملة المحذوفة مقول لقول محذوف تقديره: فيقال لهم: ألم نمهلكم ولم نعمركم، والقول المحذوف معطوف على القول المحذوف عند قوله:{رَبَّنَا} {وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} : {لم} : حرف جزم {نُعَمِّرْكُمْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، مجزوم بـ {لم} ، والجملة معطوفة على الجملة المحذوفة {ما}: نكرة موصوفة بمعنى عمرًا أو زمنًا في محل النصب مفعول ثانٍ لـ {نُعَمِّرْكُمْ} ، أو ظرف متعلق به {يَتَذَكَّرُ}: فعل مضارع {فِيهِ} : متعلق به، {مَن}: اسم موصول في محل الرفع فاعل لـ {يَتَذَكَّرُ} ، وجملة {يَتَذَكَّرُ} صفة لـ {ما} {تذكر}: فعل ماض وفاعل مستتر صلة لـ {مَن} الموصولة، {وَجَاءَكُمُ}:{الواو} : عاطفة {جاءكم} : فعل ومفعول. {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} فعل ماضٍ ومفعول به وفاعل معطوف على قوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} ؛ لأن معناه إخبار لكون الاستفهام فيه تقريريًا؛ أي: قد أمهلناكم وعمرناكم وجاءكم النذير، فلا عذر لكم، {فَذُوقُوا}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم تعميرنا إياكم، ومجيء النذير لكم، وأردتم بيان ما هو المستحق لكم .. فأقول لكم: ذوقوا. {ذوقوا} : فعل أمر وفاعل مبني على حذف النون، والمفعول محذوف تقديره: فذوقوا نار جهنم، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مقول للقول

ص: 457

المحذوف {فَمَا} {الفاء} : تعليلية {ما} نافية {لِلظَّالِمِينَ} : خبر مقدم {مِن} : زائدة {نَصِيرٍ} : مبتدأ مؤخر، ويجوز أن تكون {ما} حجازية عند من يجوّز تقديم خبرها على اسمها، إذا كان ظرفًا، والجملة الاسمية في محل النصب مقول للقول المحذوف على كونها معلّلة للأمر بالذوق.

{إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)} .

{إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه {عَالِمُ} خبره {غَيْبِ السَّمَاوَاتِ} : مضاف إليه {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، والجملة مستأنفة {إِنَّهُ} ناصب واسمه {عَلِيمٌ}: خبره {بِذَاتِ الصُّدُورِ} : متعلق به، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها من علمه غيب السموات والأرض. {هُوَ الَّذِي} مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة {جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر، ومفعولان، والجملة صلة الموصول {فِي الْأَرْضِ}: متعلق بـ {خَلَائِفَ} ، أو صفة له {فَمَنْ}:{الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم جعلنا إياكم خلائف في الأرض، وأردتم بيان عاقبتكم، فأقول لكم:{من} : اسم شرط جازم، في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما {كَفَرَ}: فعل ماضٍ في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، فاعله ضمير يعود على {مَنْ} الشرطية {فَعَلَيْهِ}:{الفاء} : رابطة الجواب وجوبًا {عليه} : خبر مقدم {كُفْرُهُ} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة {وَلَا يَزِيدُ}:{الواو} : عاطفة {لَا} : نافية {يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ} : فعل مضارع ومفعول به، وفاعل {عِنْدَ رَبِّهِمْ}: ظرف متعلق بمحذوف حال من {الْكَافِرِينَ} {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {مَقْتًا} : مفعول ثان لـ {يَزِيدُ} ، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة {مَنْ} الشرطية {وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ}: فعل ومفعول أول وفاعل، {إِلَّا}: أداة حصر {خَسَارًا} : مفعول ثانٍ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، وكررت للتوكيد، ولزيادة التقرير على رسوخ الكفر في نفوسهم، واقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين الهائلين، وهما: المقت والخسار.

ص: 458

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)} .

{قُلْ} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة {أَرَأَيْتُمْ}: فعل وفاعل، ورأى هنا بصرية تتعدى لمفعول واحد بلا همز، ولاثنين بالهمز، كما هنا، وهي بمعنى: أخبروني {شُرَكَاءَكُمُ} : مفعول أول لأرى، والجملة في محل النصب مقول لـ {قُلْ}: صفة لـ {شُرَكَاءَكُمُ} {تَدْعُونَ} : فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: تدعونهم {مِنْ دُونِ اللَّهِ} : جار ومجرور حال من فاعل {تَدْعُونَ} {أَرُونِي} : فعل أمر وفاعل ونون وقاية ومفعول أول، والجملة معترضة، وأعربها الزمخشري بدلًا من {أَرَأَيْتُمْ} {مَاذَا}: اسم استفهام مركب في محل الرفع مبتدأ، وجملة {خَلَقُوا} خبره؛ أي: أي شيء خلقوه، أو {ما} اسم استفهام مبتدأ، {ذا} اسم موصول بمعنى الذي في محل الرفع خبر لـ {ما} ، وجملة {خَلَقُوا} صلة لذا الموصولة؛ أي: ما الذي خلقوه، والاستفهام فيه إنكاري {مِنَ الْأَرْضِ}: متعلق بـ {خَلَقُوا} ، والجملة الاستفهامية في محل النصب مفعول ثانٍ؛ إما لـ {أَرَأَيْتُمْ} ، وإما لـ {أَرُونِي} ، فالمسألة من باب التنازع، أو مفعول ثانٍ لـ {أَرَأَيْتُمْ} وجملة {أَرُونِي} اعتراضية {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ}:{أَمْ} : منقطعة بمعنى بل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري أضرب بها عن الاستفهام الإنكاري إلى استفهام آخر {لَهُمْ}: خبر مقدم {شِرْكٌ} : مبتدأ مؤخر {فِي السَّمَاوَاتِ} : متعلق بـ {شِرْكٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة {أَرَأَيْتُمْ} {أَمْ آتَيْنَاهُمْ}:{أَمْ} : منقطعة أيضًا تفسر ببل، وهمزة الاستفهام {آتَيْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {كِتَابًا}: مفعول ثانٍ، والجملة الإضرابية في محل النصب معطوفة على ما قبلها {فَهُمْ}:{الفاء} : عاطفة {هم} : مبتدأ {عَلَى بَيِّنَتٍ} خبره {مِنْهُ} : صفة لـ {بَيِّنَتٍ} ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {آتَيْنَاهُمْ} {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ}:{بَل} : حرف إضراب وابتداء {إنْ} : نافية {يَعِدُ الظَّالِمُونَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، أو في محل النصب مقول لـ {قُلْ} {بَعْضُهُمْ}: بدل من {الظَّالِمُونَ} بدل بعض من كل {بَعْضًا} : مفعول به لـ {يَعِدُ} {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {غُرُورًا} : مفعول ثان لـ {يَعِدُ} ، أو منصوب بنزع الخافض؛ أي: إلا بغرور، أو صفة لمصدر محذوف، أي: إلا وعدًا باطلًا.

ص: 459

{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} .

{إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه، وجملة {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ}: خبره، والجملة مستأنفة {وَالْأَرْضَ}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} {أَنْ} : حرف نصب ومصدر {تَزُولَا} : فعل وفاعل منصوب بـ {أَنْ} المصدرية، وجملة {أَنْ} المصدرية مع ما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، أي: عن زوالها، الجار والمجرور متعلق بـ {يُمْسِكُ} ؛ لأنه بمعنى يمنع ويحفظ، أو منصوب على أنه بدل اشتمال من {السماوات} {وَلَئِنْ}:{الواو} : عاطفة واللام موطئة للقسم {أَنْ} : حرف شرط جازم {زَالَتَا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية على كونها فعل شرط لها {إِنْ} نافية {أَمْسَكَهُمَا} : فعل ماض ومفعول به {مِنْ} : زائدة {أَحَدٍ} : فاعل {أمسك} {مِنْ بَعْدِهِ} : جار ومجرور حال من أحد، أو صفة له، وعلى هذا يكون المعنى أحد غيره تعالى، وجملة {إِنْ أَمْسَكَهُمَا} جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم معطوفة على جملة قوله:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ، وجواب {إن} الشرطية محذوف دلّ عليه جواب القسم على حد قول ابن مالك:

وَاحْذِفْ لدَى اجتماعِ شَرْطٍ وقَسَم

جَوابَ ما أخّرْتَ فهُوْ مُلْتَزَم

وجملة {إن} الشرطية جملة معترضة لا محل لها من الإعراب لاعتراضها بين القسم وجوابه. {إِنَّهُ} : ناصب واسمه {كَانَ} : فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الله {حَلِيمًا}: خبر أول لها {غَفُورًا} : خبر ثان لها، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)} .

{وَأَقْسَمُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {بِاللَّهِ}: متعلق بـ {أَقْسَمُوا} {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} : منصوب على المصدرية، أو على الحال؛ أي: جاهدين {لَئِنْ} : {اللام} : موطئة للقسم، {إن}: حرف شرط جازم {جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} : فعل ومفعول وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها {لَيَكُونُنَّ} :

ص: 460

{اللام} : موطئة للقسم مؤكدة للأولى {يكونن} : فعل مضارع ناقص مرفوع لعدم اتصاله بنون التوكيد لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، و {الواو} المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع اسمها، ونون التوكيد حرف لا محل لها من الإعراب، أصله: ليكونونن، كما سيأتي {أَهْدَى}: خبر {يكون} {مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أَهْدَى} ، وجملة {يكون} جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مقول لقول محذوف، تقديره: وأقسموا بالله جهد أيمانهم قائلين لئن جاءهم نذير، وجواب {إن} الشرطية محذوف تقديره: إن جاءهم نذير يكونوا أهدى من إحدى الأمم، وجملة {إن} الشرطية معترضة بين القسم وجوابه {فَلَمَّا}:{الفاء} : عاطفة {لما} : حرف شرط غير جازم {جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا} لا محل لها من الإعراب {ما}: نافية {زَادَهُمْ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {نَذِيرٌ} ومفعول به أول {إِلَّا} : أداة حصر، {نُفُورًا}: مفعول ثانٍ لزاد، والجملة الفعلية جواب {لَمَّا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَمَّا} معطوفة على جملة قوله: وأقسموا.

{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .

{اسْتِكْبَارًا} : مفعول لأجله؛ أي: لأجل الاستكبار، أو بدل من {نُفُورًا} ، أو حال من مفعول {زَادَهُمْ} ، أي: حال كونهم مستكبرين {فِي الْأَرْضِ} متعلق بـ {اسْتِكْبَارًا} {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} : معطوف على {اسْتِكْبَارًا} ، أو على {نُفُورًا} ، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، والأصل: المكر السيء أو أن هناك موصوفًا محذوفًا؛ أي: مكر العمل السيء {وَلَا يَحِيقُ} {الواو} : حالية {لا} : نافية {يَحِيقُ الْمَكْرُ} : فعل وفاعل {السَّيِّئُ} صفته {إِلَّا} : أداة حصر، {بِأَهْلِهِ}: متعلق بـ {يَحِيقُ} ، والجملة في محل النصب حال من مكر السيء أو مستأنفة.

{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} .

{فَهَلْ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت هؤلاء المشركين، وأردت بيان عاقبتهم .. فأقول لك: هل

ص: 461

ينظرون {هل} : حرف للاستفهام الإنكاري {يَنْظُرُونَ} : فعل وفاعل {إِلَّا} : أداة حصر، {سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ}: مفعول به، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله؛ أي: سنة الله في الأولين، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة {فَلَنْ}:{الفاء} : تعليلية {لن} : حرف نصب {تَجِدَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر منصوب بـ {لن} ، {لِسُنَّتِ اللَّهِ}: مجرور باللام، وهو مصدر مضاف إلى فاعله؛ لأنه تعالى سنّها، الجار والمجرور متعلق بـ {تَبْدِيلًا} و {تَبْدِيلًا}: مفعول {تَجِدَ} ؛ لأنه من وجد الضالة، بمعنى: أصاب، والجملة الفعلية في محل الجر بلام التعليل المقدرة المدلول عليها بالفاء التعليلية {وَلَنْ تَجِدَ}: فعل وناصب وفاعل مستتر {لِسُنَّتِ اللَّهِ} : متعلق بـ {تَحْوِيلًا} ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها.

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)} .

{أَوَلَمْ} : {الهمزة} للاستفهام التقريري داخلة على محذوف، و {الواو}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أقعدوا في منازلهم ولم يسيروا، والجملة المحذوفة مستأنفة {لم}: حرف نفي وجزم {يَسِيرُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لم} {فِي الْأَرْضِ} : متعلق به، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة {فَيَنْظُرُوا} {الفاء}: عاطفة {يَنْظُرُوا} : فعل وفاعل، معطوف على {يَسِيرُوا} {كَيْفَ}: اسم استفهام في محل النصب خبر كان مقدم للزومه الصدارة {كَانَ عَاقِبَةُ} : فعل ناقص واسمه {الَّذِينَ} : مضاف إليه {قَبْلِهِمْ} : جار ومجرور صلة الموصول، وجملة {كَانَ} في محل النصب مفعول {يَنْظُرُوا} معلقة عنها باسم الاستفهام {وَكَانُوا}:{الواو} : حالية {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه {أَشَدَّ} : خبره {مِنْهُمْ} متعلق بـ {أَشَدَّ} {قُوَّةً} : تمييز منصوب باسم التفضيل، وجملة {كَانَ} في محل النصب حال من الذين {وَمَا كَانَ اللَّهُ}:{الواو} : استئنافية {مَا} : نافية {كَانَ اللَّهُ} : فعل ناقص واسمه {لِيُعْجِزَهُ} {اللام} : حرف نفي وجحود {يعجز} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، و {الهاء} مفعول به {مِنْ}: زائدة {شَيْءٍ} : فاعل {فِي السَّمَاوَاتِ} : صفة لـ {شَيْءٍ} {وَاَلأَرضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} وجملة يعجز صلة أن المضمرة، وأن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام

ص: 462

تقديره: وما كان الله لإعجاز شيء إياه، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر كان، ولكن اللام بمعنى الباء، والتقدير: وما كان الله موصوفًا بإعجاز شيء في السموات والأرض إياه، وجملة {كان} مستأنفة مسوقة لتقرير ما يفهم مما قبله من استئصال الأمم السابقة {إِنَّهُ}: ناصب واسمه {كَانَ} : فعل ناقص، واسمه ضمير يعود على الله {عَلِيمًا}: خبر أول لها {قَدِيرًا} : خبر ثانٍ، وجملة {قَدِيرًا} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)} .

{وَلَوْ} : {الواو} : عاطفة {لو} : حرف شرط غير جازم، {يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {يُؤَاخِذُ} {كَسَبُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: بما كسبوه، ويحتمل كون {ما} مصدرية؛ أي: بكسبهم {ما} نافية {تَرَكَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله {عَلَى ظَهْرِهَا} : جار ومجرور متعلق بـ {تَرَكَ} {مِنْ} : زائدة {دَابَّةٍ} : مفعول {تَرَكَ} ، وجملة {تَرَكَ} جواب {لو} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} ، {وَلَكِنْ}:{الواو} : عاطفة {لكن} : حرف استدراك {يُؤَخِّرُهُمْ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، {إِلَى أَجَلٍ}: متعلق بـ {يؤخر} {مُسَمًّى} : صفة {لِأَجَلٍ} ، والجملة الاستدراكية معطوفة على جملة {لو} الشرطية {فَإِذَا جَاءَ} {الفاء}: عاطفة {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان {جَاءَ أَجَلُهُمْ} : فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، وجوابه محذوف تقديره: فيجازيهم على أعمالهم، والفاء رابطة الجواب، وجملة إذا معطوفة على الجملة الاستدراكية {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه {كَانَ} : فعل ناقص، واسمه ضمير يعود على الله {بِعِبَادِهِ}: متعلق بـ {بَصِيرًا} {بَصِيرًا} : خبر كان، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل الجواب المحذوف.

ص: 463

التصريف ومفردات اللغة

{يَصْطَرِخُونَ} : أي: يصيحون أشد الصياح للاستغاثة، أصله: يصترخون بوزن يفتعلون من الاصطراخ، والاسطراخ: افتعال من الصراخ، وهو الصياح بجهد وشدة، دخلت الطاء فيه للمبالغة كدخولها في الاصطبار والاصطفاء والاصطناع والاصطياد جريًا على القاعدة المشهورة عند الصرفيين: أن الفعل المبدوء بأحد أحرف الإطباق، وهي: الصاد والضاد والطاء والظاء، إذا صيغ منه على وزن افتعل، وما يتصرف منه .. أبدلت تاء الافتعال طاء مثال ذلك: الأفعال: صلح ضرب طرد ظلم، إذا بنينا منها صيغة افتعل .. قلنا على القياس: اصتلح اضترب اطترد اظتلم، ولتخفيف اللفظ أبدلت التاء طاء، والمجانسة بينهما ظاهرة، فنقلت إلى اصطلح اضطرب اطرد اظطلم، ويجوز في نحو: اظطلم وجهان آخران: اظّلَم اطلَّم.

{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} والتعمير: إطالة العمر، والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة، كما سبق.

{بِذَاتِ الصُّدُورِ} هو المعتقدات والظنون التي في النفوس.

{خَلَائِفَ} جمع خليفة، وهو الذي يقوم بما كان قائمًا به سلفه، وأما خلفاء فجمع خليف، وكلاهما بمعنى المستخلف بصيغة اسم المفعول.

{مَقْتًا} ؛ أي: بغضًاواحتقارًا، قال الراغب: المقت: البغض الشديد لمن يراه متعاطيًا لقبيح اهـ.

{خَسَارًا} ؛ أي: خسارة، فالعمر كرأس المال إذا اشترى به صاحبه رضا الله تعالى ربح، وإذا اشترى سخطه خسر.

{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ؛ أي: يحفظهما بقدرته، فإن الإمساك ضد الإرسال، وهو التعلق بالشيء وحفظه {أَنْ تَزُولَا}؛ أي: تضطربا وتنتقلا من أماكنهما، والزوال: الذهاب، وهو يقال في كل شيء قد كان ثابتًا قبل، أي: كراهة زوالهما عن أماكنهما، فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ.

{حَلِيمًا} والحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، كما في "المفردات".

ص: 464

{وَأَقْسَمُوا} أقسم: حلف، أصله: من القسامة، وهي أيمان تقسم على أولياء المقتول، ثم صار اسمًا لكل حلف، كما في "المفردات".

{جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ؛ أي: غاية اجتهادهم فيها، قال الفراء: للجهد بالفتح من قولك اجهد جهدك؛ أي: ابلغ غايتك، والجهد بالضم الطاقة، وعند غير الفراء كلاهما بمعنى الطاقة اهـ "زاده". وإنما كان القسم بالله غاية أيمانهم؛ لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وأصنامهم، فإذا اشتد عليهم الحال، وأرادوا تحقيق الحق .. حلفوا بالله.

{لَيَكُونُنَّ} بضم النون الأولى مضارع، اتصل به واو الجماعة، ولم تباشره نون التوكيد، أصله: ليكونونن بثلاث نونات، أولاها نون الرفع، حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، وواو الجماعة لالتقاء الساكنين، وهو معرب مرفوع بثبوت النون لعدم مباشرته بنون التوكيد لوجود الفاصل، وهو واو الجماعة.

{نُفُورًا} ؛ أي: تباعدًا عن الحق والهدى.

{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} ، الاستكبار: التكبر، كالاستعظام بمعنى التعظم. {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} قال الراغب: المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة، كما مر عنه {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} قال في "القاموس": حاق به يحيق حيقًا وحيوقًا وحيقانًا: أحاط به، كأحاق وحاق بهم العذاب: أحاط ونزل، كما في "المختار"، والحيق: ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله، أي: ولا يصيب ولا ينزل. {يَنْظُرُونَ} النظر هنا بمعنى الانتظار {إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} والسنة: الطريقة، وسنة النبي: طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله: طريقة حكمته. {تَبْدِيلًا} بوضع الرحمة موضع العذاب. {تَحْوِيلًا} بأن ينقل عذابه من المكذبين إلى غيرهم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع.

فمنها: التشبيه في قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} .

ومنها: المبالغة في نحو {كَفُورٍ} و {شكور} ونحو: {حَلِيمًا} {عَلِيمًا} {قَدِيرًا} ؛ فإنها من صيغ المبالغة.

ص: 465

ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} ؛ لأن همزة الإنكار إذا دخلت على حرف النفي أفادت التقرير، لأنه في معنى: عمرناكم، نظيره قوله:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ؛ لأنه في معنى: قد شرحنا صدرك، ولا تغتر بما ذكره أكثر المفسرين هنا من أن الاستفهام إنكاري؛ لأنه غير صواب، والله أعلم.

ومنها: التهكُّم في قوله: {فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} مثل قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} .

ومنها: المجاز المرسل في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ؛ أي: خطرات القلوب، ففيه إسناد ما للحال إلى المحل؛ لأن الصدور محل القلوب، فالإضافة فيه لأدنى ملابسة.

ومنها: التكرير في قوله: {وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا} لزيادة التشنيع والتقبيح على من كفر بالله تعالى، وللتنبيه على أن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين الهائلين القبيحين بطريق الاستقلال والأصالة.

ومنها: التنكير للتعظيم في كل من الأمرين؛ أي: مقتًا عظيمًا ليس وراءه خزي وصغار، وخسارًا عظيمًا ليس وراءه شرٌّ وتبار.

ومنها: الاستفهام الإنكاري للتوبيخ في قوله: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} ، وكذلك قوله:{أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} .

ومنها: الكناية في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ؛ لأنه كناية عن حفظهما؛ لأن الإمساك في الأصل: التعلق بالشيء، فكنى به عن الحفظ.

ومنها: ائتلاف اللفظ مع المعنى في قوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، وهو أن تكون ألفاظ المعنى المراد يلائم بعضها بعضًا، ليس فيها لفظة نافرة عن أخواتها غير لائقة بمكانها؛ لأنه كانت هنا جميع الألفاظ المجاورة للقسم كلها من المستعمل المتداول فيه.

ومنها: إرسال المثل في قوله: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} قال كعب الأحبار لابن عباس في التوراة: من حفر حفرة لأخيه وقع فيه، فقال له ابن عباس: إنا وجدنا هذا في كتاب الله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .

ص: 466

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} ؛ لأن إسناد الزيادة للنذير مجاز مرسل؛ لأنه سبب في ذلك كقوله: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} اهـ "سمين".

ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} ؛ لأن همزة الإنكار دخلت على حرف النفي، فأفادت التقرير؛ لأن نفي النفي إثبات، كما مر، فصار المعنى: قد ساروا ونظروا.

ومنها: جمع المؤكدات في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} ؛ لأن اللام في {لِيُعْجِزَهُ} ، و {مِنْ} في قوله:{مِنْ شَيْءٍ} لتأكيد النفي المستفاد من {ما} ، وكذا {لا} في قوله:{وَلَا فِي الْأَرْضِ} تأكيد آخر لـ {ما} النافية، ففي الكلام ثلاث تأكيدات.

ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} فقد شبه الأرض بالدابة التي يركب الإنسان عليها، ويحمل عليها أنواع الأثقال، ثم حذف المشبه به وهو الدابة، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الظهر على طريقة الاستعارة المكنية.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 467

مجمل ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة من حكم وأحكام

وجملة ما تضمنته هذه السورة:

1 -

الأدلة على قدرة الله سبحانه بإبداعه للكون، وأنه المنعم المتفضل.

2 -

تذكير الناس بالنعم ليشكروها.

3 -

تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر قصص المكذبين الأنبياء والمرسلين.

4 -

نداء الناس عامة بأن يتحلو بالفضائل، ويتخلوا عن الرذائل، ولا يتبعوا خطوات الشيطان، وينظروا فيما أبدع الرحمن من الآيات في الأرض والسموات.

5 -

ضرب الأمثال لما سلف من القسمين، وإيضاح الطائفتين المؤمنة والكافرة.

6 -

تقسيم المؤمنين إلى علماء محققين وصالحين متقين، ثم تقسيمهم من حيث العمل أقسامًا ثلاثة.

7 -

وصف عاقبة الكافرين والمؤمنين، وما يلقاه كل منهما يوم القيامة (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) إلى هنا تم تفسير سورة فاطر، في اليوم الثاني من شهر صفر المبارك قبيل الظهر من المشهور المنسلكة في سلك سنة أربع عشرة وأربع مئة وألف 2/ 2/ 1414 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، نسأل الله الكريم الرحيم لطفه ورحمته وعفوه العميم وعافيته الدائمة في الدنيا والدين لنا ولأحبابنا ولإخواننا المسلمين، آمين يا رب آمين، بحرمة كتابك الكريم.

ص: 468