المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة يس سورة يس سورة مكية، قال القرطبي: بالإجماع إلا أن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة يس سورة يس سورة مكية، قال القرطبي: بالإجماع إلا أن

‌سورة يس

سورة يس سورة مكية، قال القرطبي: بالإجماع إلا أن فرقة قالت: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} نزلت في بني سلمة من الأنصار، حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس زعمًا صحيحًا، وسيأتي بيان ذلك، وقيل: إلا قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ

} الآية.

وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس قال: سورة يس نزلت بمكة، وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله.

تسميتها: وسميت هذه السورة سورة يس؛ لأن الله سبحانه افتتح السورة الكريمة بها، وفي الافتتاح بها إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم، وتسمى أيضًا القلب والدافعة والقاضية والمعمِّمة.

وآيها: ثلاث وثمانون آية، وكلماتها: سبع مئة وتسع وعشرون كلمة، وحروفها: ثلاثة آلاف حرف.

الناسخ والمنسوخ فيها: وقال ابن حزم: سورة يس كلها محكمة، ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.

مناسبتها لما قبلها:

1 -

أنه لما ذكر في السورة السالفة قوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} ، وقوله:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} ، وقد أعرضوا عنه وكذبوه .. افتتح هذه السورة بالقسم بصحة رسالته، وأنه على صراط مستقيم؛ لينذر قومًا ما أنذر آباؤهم.

2 -

أنه قال فيما قبلها: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} ، وقال في هذه:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ، وقال:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ، وورد في فضلها أحاديث كثيرة:

ص: 469

فمنها: ما روي عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤا يس على موتاكم".

ومنها: ما ذكر الآجري من حديث أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميت يقرأ عليه يس إلا هوّن الله عليه".

ومنها: ما في مسند الدارمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له في تلك الليلة". أخرجه أبو نعيم الحافظ.

ومنها: ما روى الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيء قلبًا، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بها قراءة القرآن عشر مرات".

ومنها: ما روي عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في القرآن لسورة تشفع لقارئها، وتغفر لمستمعها، ألا وهي سورة يس تدعى في التوراة: المعممة"، قيل: يا رسول الله، وما المعممة؟ قال:"تعم صاحبها بخير الدنيا، وتدفع عنه أهوال الآخرة، وتدعى أيضًا: الدافعة والقاضية"، قيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: تدفع عن صاحبها كل سوء، وتقضي له كل حاجة".

ومنها (1): ما روى الدارمي عن شهر بن حوشب قال: قال ابن عباس: من قرأ يس حين أصبح يعطى يسر يومه حتى يمسي، ومن قرأها في صدر ليلة أعطي يسر ليلته حتى يصبح.

ومنها: ما روى الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يرفع عنهم القرآن، فلا يقرؤون شيئًا سوى طه ويس"، وعن أبي جعفر قال: من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس في جام؛ أي: إناء بزعفران، ثم يشربه.

ومنها: ما روى الثعلبي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل مقبرة، فقرأ سورة يس .. خفف العذاب عن أهلها ذلك اليوم، وكان له بعدد من فيها حسنات" وقال يحيى بن أبي كثير: إن من قرأ سورة يس ليلًا لم يزل في فرح حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، وقد حدثني بهذا

(1) القرطبي.

ص: 470

من جربها، ذكره الثعلبي وابن عطية، وقال ابن عطية: ويصدق ذلك التجربة، اهـ "قرطبي".

وفي "البيضاوي": عن ابن عباس (1): أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل شيء قلبًا، وقلب القرآن يس، من قرأها يريد بها وجه الله غفر له، وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن عشر مرات، وأيما مسلم قرىء عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس .. نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفًا، يصلون عليه، ويستغفرون له، ويشهدون غسله، ويتبعون جنازته، ويصلون عليه، ويشهدون دفنه، وأيما مسلم قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت .. لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة، فيشربها وهو على فراشه، فيقبض روحه وهو ريان، ويمكث في قبره وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان. اهـ.

ومنها: "يس لما قرئت له".

قلت: وورد في فضلها أحاديث كثيرة ذكرت أكثرها هنا، وأغلبها أحاديث فيها مقال، وفيها موضوعات، وإنما ذكرتها استئناسًا بها في فضل هذه السورة الكريمة.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) البيضاوي.

ص: 471

بسم الله الرحمن الرحيم

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)} .

المناسبة

قد سبق لك بيان وجه المناسبة بين آخر السورة السابقة وأول هذه السورة.

قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن هؤلاء المشركين قد ختم الله على قلوبهم فهم لا يؤمنون .. أردف ذلك بذكر مَثَلٍ لقوم حالهم كحالهم في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب والاستكبار على الرسل، وصم الآذان عن سماع الوعظ

ص: 472

والإرشاد، وهم أهل قرية أنطاكية ببلاد الشام، فقد كان قصصهم مع رسل الله، كقصص قومك معك في العناد والاستكبار والعتو والطغيان (1).

أسباب النزول

قوله تعالى: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)

} الآيات، سبب نزول هذه الآيات (2): ما أخرجه أبو نعيم في "الدلائل" عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في السجدة، فيجهر بالقراءة حتى تأذى به ناس من قريش، حتى قاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا بهم عمي لا يبصرون، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ننشدك الله والرحم يا محمد، فدعا حتى ذهب عنهم فنزلت:{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)} إلى قوله: {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} قال: فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.

قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} إلى قوله: {لَا يُبْصِرُونَ} سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا لأفعلن ولأفعلن، فأنزل الله تعالى قوله:{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} إلى قوله: {يُبْصِرُونَ} فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول: أين هو أين هو أين هو؟ ولا يبصر.

قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ

} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري: قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد، فنزلت هذه الآية: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى

} الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن آثاركم تكتب، فلا تنتقلوا" وأخرج الطبراني عن ابن عباس مثله، قال الحافظ ابن كثير: وفي هذا الحديث غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية، والسورة بكمالها مكية، قلت: فلا وجه لقوله؛ لأنه إذا ثبت أن هذه الآية نزلت بمكة، فلا مانع من نزولها مرتين، وإن لم يثبت نزولها بمكة، فقد تكون السورة مكية إلا آية، كما هو معروف، والله أعلم.

(1) المراغي.

(2)

لباب النقول.

ص: 473