الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول تعالى: واذكروا: إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قال أبو العالية: كان رجل من بني إسرائيل، وكان غنيًا، ولم يكن له ولد، وكان له قريب، وكان وارثه، فقتله ليرثه، ثم ألقاه على مجمع الطريق، وأتى موسى عليه السلام، فقال له: إنه قريبي قتل، وإني إلى أمر عظيم، وإني لا أجد أحدًا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله. قال: فنادى موسى في الناس، فقال: أنشد الله، من كان عنده من هذا علم إلا يبيّنه لنا. فلم يكن عندهم علم، فأقبل القاتل على موسى عليه السلام، فقال له: أنت نبي الله، فسل لنا ربك أن يبيّن لنا. فسأل ربه، فأوحى الله:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} فعجبوا من ذلك، فقالوا:{أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} ؟ {قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ} ، يعني: لا هرمة {وَلَا بِكْرٌ} ، يعني: ولا صغيرة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} أي: نَصَفٌ بين البكر والهرمة. {فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} ، أي: صاف لونها، {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} ، أي: تعجب الناظرين.
…
{قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ} ، أي: لم يذللها العمل. {وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} ، يعني: وليست بذلول تثير
الأرض ولا تسقي الحرث، يعني: ولا تعمل في الحرث. {مُسَلَّمَةٌ} ، يعني: مسلمة من العيوب. {لا شِيَةَ فِيهَا} يقول: لا بياض فيها.
{قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} . قال: ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها، لكانت إياها، ولكن شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا:{وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} ، لما هُدوا إليها أبدًا، فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم، إلا عند عجوز، وعندها يتامى وهي القيّمة عليهم، فلما علمت أنه لا يزكوا لهم غيرها، أضعفت عليهم الثمن، فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة، وأنها سألت أضعاف ثمنها، فقال موسى: إن الله قد خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها، ففعلوا، واشتروها، فذبحوها، فأمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظمًا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتًا كما كان، فأخذ قاتله، وهو الذي كان أتى موسى عليه السلام فشكا إليه فقتله الله على أسوأ عمله.
يسألوه عن سنها فأخبرهم أنها نَصَفٌ بين الصغيرة والهرمة.
قال ابن عباس: {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} شديد الصفرة تكاد من صفرتها تَبْيَضُّ.
قال مجاهد: لا شية فيها: لا بياض ولا سواد. وقوله تعالى: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} . قال ابن عباس: كادوا ألا يفعلوا، ولم يكن ذلك الذي أرادوا، لأنهم أرادوا ألا يذبحوها.
قال مجاهد: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} اختلفتم. وقال ابن جريج: قال بعضهم: أنتم قتلتموه. وقال آخرون: بل أنتم قتلتموه. وقوله تعالى: {وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} ، عن المسيب بن رافع، قال: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وتصديق ذلك في كلام الله:{وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} .
وقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، أي: فضربوه فحيى، وقال: قتلني فلان
ثم مات. وفي ذلك دليل على كمال قدرته، قال الله تعالى:{مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} .
يقول تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} كله، {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} التي لما تلين أبدًا، {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أي: بل هي أشد قسوة من الحجارة.
{وَإِنَّ مِنَ
الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء} وإن لم يكن جاريًا، {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله، {مِنْ خَشْيَةِ} وقلوبكم لا تلين ولا تخشع.
وقوله تعالى: {وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ، وعيد وتهديد. وقد قال الله تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} . وروى البزار عن أنس مرفوعًا: «أربع من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا» . والله المستعان.
* * *