الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثامن والعشرون
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ
مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ
قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) } .
* * *
قال البغوي: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} ، أي: ألم تعلم بإعلامي إياك، وهو من رؤية القلب، وقال أهل المعالي: هو تعجيب. يقول: هل رأيتم مثلهم؟ كما تقول: ألم تر إلى ما يصنع فلان؟ وكل ما في القرآن ألم تر، ولم يعاينه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا وجهه.
قال أكثر أهل التفسير: كانت قرية يقال لها داوردان من قِبَل واسط بها وقع الطاعون، فخرجت طائفة منها، وبقيت طائفة، فهلك أكثر من بقي في القرية، وسلم الذين خرجوا، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا لبقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن إلى أرض لا وباء بها. فوقع الطاعون من قابل، فهرب عامة أهلها وخرجوا حتى نزلوا واديًا أفْيَح، فلما نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي، وآخر من أعلاه: أن موتوا. فماتوا جميعًا.
وساق بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام، فلما جاء
سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه فرجع عمر من سرغ» . والحديث في الصحيحين.
قال البغوي: وأولى الأقاويل قول من قال: كانوا زيادة على عشرة آلاف؛ لأن الله تعالى قال: {وَهُمْ أُلُوفٌ} ، قالوا: فمر عليهم نبي يقال له: حزقيل فجعل يتفكر فيهم متعجبًا، فأوحى الله تعالى إليه: تريد أن أريك آية؟ قال: نعم فأحياهم الله، {إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} .
قوله عز وجل: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) } .
يقول تعالى: وقاتلوا في سبيل الله عدوي وعدوكم من المشركين، ولا تقعدوا عن الجهاد خوف القتل، فإنه لا مفر عن الموت ولا يغني حذر عن قدر، كما قال تعالى:{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} .
قال البغوي: القرض اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازى عليه، فسمى الله تعالى عمل المؤمنين له على رجاء ما أعد لهم من الثواب قرضًا؛ لأنهم يعملون
لطلب ثوابه. قال الكسائي: القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيء. وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: (لما نزلت: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} . قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟ قال:«نعم يا أبا الدحداح» . قال: أرني يدك يا رسول الله. قال:
فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي. قال: وحائط له فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح فنادها: يا أم الدحداح. قالت: لبيك. قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل .
وقوله تعالى: {وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، روى ابن جرير وغيره عن أنس بن مالك قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله غلا السعر، فسعِّر لنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله الباسط القابض الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطلبني بمظلمة في نفس ومال» .
قال وهب بن منبه وغيره: كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلام على طريق الاستقامة مدة من الزمان، ثم أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويقيمهم
على منهج التوراة إلى أن فعلوا ما فعلوا، فسلَّط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم خلقًا عظيمًا، وأخذوا منهم بلادًا كثيرة، واستلبوا منهم التابوت الذي كان موروثًا لخلفهم عن سلفهم.
إلى أن قال: فأوحى الله إلى شمويل وأمره بالدعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعداءهم، وكان الملك قد باد فيهم، فقال لهم النبي: فهل عسيتم إن أقام الله لكم ملكًا أن لا تقاتلوا وتفوا بما التزمتم من القتال معه؟ قالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبناءنا، أي: وقد أخذت منا البلاد وسبيت الأولاد.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} ، أي: ما وفوا بما وعدوا بل نكل عن الجهاد أكثرهم والله عليم بهم.
قال قتادة: بعث الله طالوت ملكًا، وكان من سبط بنيامين سبط لم يكن فيهم مملكة ولا نبوة، وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة، وسبط مملكة، وكان سبط النبوة سبط لاوى إليه موسى، وسبط المملكة يهوذا إليه داود وسليمان، فلما بعث من غير النبوة والمملكة أنكروا ذلك، وعجبوا منه، وقالوا: أنى يكون له الملك علينا! ؟ وليس من سبط النبوة ولا من سبط المملكة؟ فقال: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
قوله عز وجل: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ
التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) } .
قال قتادة: {فِيهِ سَكِينَةٌ} ، أي: وقار. وقال عطاء: ما تعرفون من آيات الله فتسكنون إليه.
وقوله تعالى: {وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} . قال ابن عباس: عصا موسى ورضاض الألواح. قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض، حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون.
روى البخاري عن البراء بن عازب قال: (كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جازه معه إلا مؤمن) . قال ابن عباس: فلما فصل طالوت بالجنود غازيًا إلى جالوت، قال
طالوت لبني إسرائيل: إن الله مبتليكم بنهر، قال: هو نهر بين الأردن وفلسطين، نهر عذب الماء طيبه.
وقال قتادة: {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} . قال: كان الكفار يشربون فلا يروون، وكان المسلمون
يغترفون غرفة فتجزيهم ذلك. وقال ابن عباس: لما جاوزه هو والذين آمنوا معه، قال الذين شربوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. وقال السدي: عبر مع طالوت النهر من بني إسرائيل أربعة آلاف، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضًا، وقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. فرجع عنه أيضًا ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون. وخلص في ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر.
وقال بعضهم في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللهِ} ، هم العلماء من القليل:{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
قوله عز وجل: {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ
وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) } .
يقول تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُواْ} ، يعني: طالوت ومن معه من المؤمنين للعدو {قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم} ، كسروهم، {بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ
…
جَالُوتَ} وكان طالوت وعده أن يزوجه ابنته إن قتل جالوت، ويشركه في أمره، فيما قال وهب. فآل الملك إلى داود، {وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ} ، الذي كان بيد طالوت، {وَالْحِكْمَةَ} ، أي: النبوة بعد شمويل، {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} ، من صنعة الدروع وغير ذلك،
…
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} ، كما قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .
وعن مجاهد: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر، وببقية أخلاق الناس بعضهم عن بعض؛ لهلك أهلها. وقال علي رضي الله عنه: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة بيت من جيرانه البلاء» ، ثم قرأ ابن عمر:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} .
وأكثر كلام المفسرين على أن الآية في الجهاد، ولديّ أنها عامة فيه وفي غيره، وأسند للشيخ عبد الرحمن أنها عامة، وهذا نص كلامه،
قال: (ومن ذلك ما ذكرت في آية البقرة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} ، وأن كلام المفسرين يدور على الجهاد فقط، وظنكم أنها عامة، فهو كما ظننتم؛ لأن العبرة بعموم اللفظ، وعموم المعنى لا بخصوص السبب، والجهاد جزء من أمور كثيرة يحصل فيها دفع الناس بعضهم ببعض. وإذا نزلتها على الواقع السابق واللاحق، ورأيت الأسباب المتعددة التي حصل بها عن العباد مدافعات كثيرة ووقيات من شرور بصدد أن تقع لولا تلك الأسباب، لا تضح لك أنها عامة، وأنها من أكبر نعم الله على عباده وتمام وقياته. وفي الحديث الصحيح:«إن الله ليؤيد هذا الرجل بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم» . عام في الجهاد وغيره،
ونرجو الله تعالى أن يلطف بالمسلمين وأن يقيهم شر الشرور التي يترقبها الخلق كل ساعة، ويقدر من ألطافه ما يدفع به عن عباده المؤمنين، إنه جواد كريم) . انتهى.
فالظاهر أن المراد بقوله تعالى في هذه الآية: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} ، أنه عام في جميع الناس مسلمهم وكافرهم، وأن دفع الله شر بعضهم ببعض من نعمه السابقة على خلقه.
وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، أي: بدفع بعضهم عن بعض.
وقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، يقول: تلك آيات الله التي اقتص فيها قصص من مضى، نتلوها عليك بالحق اليقين، وإنك يا محمد لمن المرسلين. وبالله التوفيق.
* * *