المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس الثالث والعشرون - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ١

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل

- ‌الدرس الأول

- ‌[سورة الفاتحة]

- ‌سورة الفاتحة لها ثلاثة أسماء: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني

- ‌الدرس الثاني

- ‌[سورة البقرة]

- ‌الدرس الثالث

- ‌الدرس الرابع

- ‌الدرس الخامس

- ‌الدرس السادس

- ‌الدرس السابع

- ‌الدرس الثامن

- ‌الدرس التاسع

- ‌الدرس العاشر

- ‌الدرس الحادي عشر

- ‌الدرس الثاني عشر

- ‌الدرس الثالث عشر

- ‌الدرس الرابع عشر

- ‌الدرس الخامس عشر

- ‌الدرس السادس عشر

- ‌الدرس السابع عشر

- ‌الدرس الثامن عشر

- ‌الدرس التاسع عشر

- ‌الدرس العشرون

- ‌الدرس الحادي والعشرين

- ‌الدرس الثاني والعشرون

- ‌الدرس الثالث والعشرون

- ‌الدرس الرابع والعشرون

- ‌الدرس الخامس والعشرون

- ‌الدرس السادس والعشرون

- ‌الدرس السابع والعشرون

- ‌الدرس الثامن والعشرون

- ‌الدرس التاسع والعشرون

- ‌الدرس الثلاثون

- ‌الدرس الحادي والثلاثون

- ‌الدرس الثاني والثلاثون

- ‌الدرس الثالث والثلاثون

- ‌الدرس الرابع والثلاثون

- ‌الدرس الخامس والثلاثون

- ‌الدرس السادس والثلاثون

- ‌[سورة آل عمران]

- ‌الدرس السابع والثلاثون

- ‌الدرس الثامن والثلاثون

- ‌الدرس التاسع والثلاثون

- ‌الدرس الأربعون

- ‌الدرس الحادي والأربعون

- ‌الدرس الثاني والأربعون

- ‌الدرس الثالث والأربعون

- ‌الدرس الرابع والأربعون

- ‌الدرس الخامس والأربعون

- ‌الدرس السادس والأربعون

- ‌الدرس السابع والأربعون

- ‌الدرس الثامن والأربعون

- ‌الدرس التاسع والأربعون

- ‌الدرس الخمسون

- ‌الدرس الحادي والخمسون

- ‌الدرس الثاني والخمسون

- ‌[سورة النساء]

- ‌الدرس الثالث والخمسون

- ‌الدرس الرابع والخمسون

- ‌الدرس الخامس والخمسون

- ‌الدرس السادس والخمسون

- ‌الدرس السابع والخمسون

- ‌الدرس الثامن والخمسون

- ‌الدرس التاسع والخمسون

- ‌الدرس الستون

- ‌الدرس الحادي والستون

- ‌الدرس الثاني والستون

- ‌الدرس الثالث والستون

- ‌الدرس الرابع والستون

- ‌الدرس الخامس والستون

- ‌الدرس السادس والستون

- ‌الدرس السابع والستون

- ‌الدرس الثامن والستون

الفصل: ‌الدرس الثالث والعشرون

‌الدرس الثالث والعشرون

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ

خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم

ص: 275

مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (214) } .

* * *

ص: 276

قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) } .

قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، وهو حليف لبني زهرة وأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأظهر له الإسلام، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه وقال: إنما جئت أريد الإسلام والله يعلم أني صادق، وذلك قوله:{وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} ، ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر، فأنزل الله عز وجل:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} .

وقال أبو معشر: سمعت سعيدًا المقبري يذاكر محمد بن كعب فقال سعيد: إن في بعض الكتب أن لله عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين. قال الله تبارك وتعالى: أعليّ يجترئون وبي يفترون؟ فبعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيرانًا. فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله جل ثناؤه. فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ} ،

فقال سعيد: قد عرفت فيم أنزلت هذه الآية؟ فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.

وقال الضحاك: {وَإِذَا تَوَلَّى} ، أي: ملك الأمر وصار واليًا، {سَعَى فِي الأَرْضِ} ، قال مجاهد: إذا ولى يعمل بالعدوان والظلم، فأمسك الله المطر وأهلكم الحرث والنسل.

ص: 277

وقال قتادة: قوله: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} ، يقول: شديد القسوة في معصية الله، جدّال بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل، يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» . رواه البخاري وغيره.

وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} ، أي: إذا وعظ هذا الفاجر حملته العزة والغضب على الفعل بالإِثم، {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} ، أي: كافية {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} الفراش. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} . قال ابن مسعود: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقال للعبد: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك.

قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) } .

قال ابن عباس وغيره: نزلت في صهيب بن سنان الرومي، وذلك وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل، فتخلص منهم وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة فقالوا له: ربح البيع، فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية.

وعن صهيب قال: لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش: يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك؟ والله لا يكون ذلك أبدًا فقلت: أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني؟ قالوا: نعم. فدفعت إليهم مالي

ص: 278

فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ربح صهيب، ربح صهيب» . مرتين. رواه ابن مردويه.

وقال ابن عباس: نزلت في سرية الرجيع. وعن المغيرة قال: بعث عمر جيشًا فحاصروا أهل الحصن، فتقدم رجل من بجيلة فقاتل فقتل، فأكثر الناس يقولون فيه: ألقى بيده إلى التهلكة. قال: فبلغ ذلك

عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: كذبوا أليس الله عز وجل يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ

بِالْعِبَادِ} ؟ .

قال ابن كثير: وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله، كما قال تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ

وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

وقال ابن جرير: هي عامة في كل من باع نفسه في طاعة الله، وإن كان نزولها بسبب من الأسباب، هذا معنى كلامه.

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208) فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) } .

قال ابن عباس وغيره: {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ} يعني: الإسلام.

{كَآفَّةً} جميعًا.

ص: 279

وقال مجاهد: أي: اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر، {وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} فيما يأمركم به، {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} .

وقوله تعالى: {فَإِن زَلَلْتُمْ} ، أي: ضللتم {مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} أي: الدلالات الواضحات {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} قال قتادة: عزيز في نقمته، حكيم في أمره.

قوله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (210) } .

يقول تعالى مهددًا للكافرين: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ} يوم القيامة {فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} لفصل القضاء والملائكة، كما قال تعالى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ، وقال

تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} . وفي حديث الصور: «وينزل الجبار عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى، سبحان ذي السلطان والعظمة، سبحانه سبحانه أبدًا أبدًا» . رواه ابن جرير.

قال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره:

ص: 280

قراءته والسكوت عليه، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله.

وقوله تعالى: {وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} ، أي: فصل الله القضاء بين الخلق، وجزي كلٌ بعمله، ودخل كلٌ منزله: فريق في الجنة وفريق في السعير، كما قال تعالى:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

ص: 281

قوله عز وجل: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) } .

يقول تعالى: {سَلْ} يا محمد، {بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} ، أي: حجة قاطعة بصدق موسى فيما جاءهم به، كاليد، والعصا، وفلق البحر، وضرب الحجر، وتظليل الغمام، وغير ذلك من الآيات، ومع هذا أعرض كثير منهم وبدلوا وكذبوا الأنبياء، ولهذا قال:{وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، كما

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} .

قوله عز وجل: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) } .

يقول تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فآثروها على الآخرة، {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ} حيث آثروا الآخرة وأعرضوا عما يشغلهم عنها. {وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} .

وقوله تعالى: {وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ، أي: يعطي من يشاء من خلقه عطاء كثيرًا بلا حصر في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} .

ص: 282

قوله عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ

بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213) } .

قال ابن عباس: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.

وقوله تعالى: {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} ، أي: الكتب بالحق، أي: الصدق والعدل، {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} من أمور دينهم ودنياهم. {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} ، أي: الكتاب، {إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} ، كما قال تعالى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} .

قال الربيع بن أنس في قوله: {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} ، أي: عند الاختلاف، أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف، أقاموا على الإخلاص لله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف، واعتزلوا الاختلاف، وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة.

وقوله تعالى: {وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} . قال أبو العالية في هذه الآية المخرج من الشبهات، والضلالات، والفتن. وعن عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول: «اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك

ص: 283

فيما كانوا فيه

يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» . رواه البخاري، ومسلم.

قوله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (214) } .

قال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، اشتد عليهم الضر لأنهم خرجوا بلا مال، وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا مرضاة الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسرّ قوم النفاق، فأنزل الله تعالى تطييبًا لقلوبهم:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ} . قال مجاهد وغيره: {الْبَأْسَاء} : الفقر،

{وَالضَّرَّاء} : السقم، {وَزُلْزِلُواْ} : خوفوا من الأعداء. {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ} ، أي: ما زال البلاء بهم حتى استبطئوا النصر. قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} ، وهذه الآية كقوله تعالى:{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} . وفي الحديث الصحيح: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» . والله أعلم.

* * *

ص: 284