المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس الثامن والخمسون - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ١

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل

- ‌الدرس الأول

- ‌[سورة الفاتحة]

- ‌سورة الفاتحة لها ثلاثة أسماء: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني

- ‌الدرس الثاني

- ‌[سورة البقرة]

- ‌الدرس الثالث

- ‌الدرس الرابع

- ‌الدرس الخامس

- ‌الدرس السادس

- ‌الدرس السابع

- ‌الدرس الثامن

- ‌الدرس التاسع

- ‌الدرس العاشر

- ‌الدرس الحادي عشر

- ‌الدرس الثاني عشر

- ‌الدرس الثالث عشر

- ‌الدرس الرابع عشر

- ‌الدرس الخامس عشر

- ‌الدرس السادس عشر

- ‌الدرس السابع عشر

- ‌الدرس الثامن عشر

- ‌الدرس التاسع عشر

- ‌الدرس العشرون

- ‌الدرس الحادي والعشرين

- ‌الدرس الثاني والعشرون

- ‌الدرس الثالث والعشرون

- ‌الدرس الرابع والعشرون

- ‌الدرس الخامس والعشرون

- ‌الدرس السادس والعشرون

- ‌الدرس السابع والعشرون

- ‌الدرس الثامن والعشرون

- ‌الدرس التاسع والعشرون

- ‌الدرس الثلاثون

- ‌الدرس الحادي والثلاثون

- ‌الدرس الثاني والثلاثون

- ‌الدرس الثالث والثلاثون

- ‌الدرس الرابع والثلاثون

- ‌الدرس الخامس والثلاثون

- ‌الدرس السادس والثلاثون

- ‌[سورة آل عمران]

- ‌الدرس السابع والثلاثون

- ‌الدرس الثامن والثلاثون

- ‌الدرس التاسع والثلاثون

- ‌الدرس الأربعون

- ‌الدرس الحادي والأربعون

- ‌الدرس الثاني والأربعون

- ‌الدرس الثالث والأربعون

- ‌الدرس الرابع والأربعون

- ‌الدرس الخامس والأربعون

- ‌الدرس السادس والأربعون

- ‌الدرس السابع والأربعون

- ‌الدرس الثامن والأربعون

- ‌الدرس التاسع والأربعون

- ‌الدرس الخمسون

- ‌الدرس الحادي والخمسون

- ‌الدرس الثاني والخمسون

- ‌[سورة النساء]

- ‌الدرس الثالث والخمسون

- ‌الدرس الرابع والخمسون

- ‌الدرس الخامس والخمسون

- ‌الدرس السادس والخمسون

- ‌الدرس السابع والخمسون

- ‌الدرس الثامن والخمسون

- ‌الدرس التاسع والخمسون

- ‌الدرس الستون

- ‌الدرس الحادي والستون

- ‌الدرس الثاني والستون

- ‌الدرس الثالث والستون

- ‌الدرس الرابع والستون

- ‌الدرس الخامس والستون

- ‌الدرس السادس والستون

- ‌الدرس السابع والستون

- ‌الدرس الثامن والستون

الفصل: ‌الدرس الثامن والخمسون

‌الدرس الثامن والخمسون

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللهِ نَصِيراً (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (47) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن

تَجِدَ لَهُ

ص: 540

نَصِيراً (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57) } .

* * *

ص: 541

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43) } .

روى ابن جرير عن عليّ: أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فخلط فيها، فنزلت:{لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} . وعن أبي رزين قال: كانوا يشربون بعدما أنزلت التي في البقرة وبعد التي في النساء، فلما أنزلت التي في المائدة تركوها. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف ولينم حتى يعلم ما يقول» . رواه البخاري، والنسائي. وفي بعض ألفاظه:«فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه» .

وقوله تعالى: {وَلَا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} ، قال ابن عباس: قوله: {وَلَا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} قال: المسافر. يقول: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إذا وجدتم الماء، فإن لم تجدوا الماء فقد أحللت لكم أن تمسحوا بالأرض. وقال إبراهيم لا بأس أن يمر الجنب في المسجد إذا لم يكن له طريق غيره.

وقوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ

ص: 542

أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} . عن ابن أبي مليكة

قال: دخل ابن عباس على عائشة فقال: كنتِ أعظم المسلمين بركة على المسلمين، سقطت قلادتك بالأبواء فأنزل الله فيك آية التيمم. وقال ابن مسعود: المرض الذي قد أرخص له في التيمم هو: الكسير الجريح، فإذا أصابت الجنابة الكسر اغتسل ولا يحل جراحته، إلا جراحة لا يخشى عليها. وقال سعيد بن جبير: إذا كان به جروح أو قروح يتيمم. وقال مجاهد: والمرض أن يصيب الرجل والجرح، والقرح، والجدري، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء.

وقوله: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُ مِّن الْغَآئِطِ} هو كناية عن حاجة الإنسان. والغائط في الأصل: الموضع المطمئن من الأرض. قال مجاهد: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُن مِّن الْغَآئِطِ} ، قال: الغائط الوادي.

وقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} ، قال ابن عباس: هو الجماع، ولكن الله كريم يكني. وقال ابن مسعود: القبلة من اللمس، وفيها الوضوء. قال إبراهيم: اللمس من شهوة ينقض الوضوء. وعن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينال مني القبلة بعد الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء) . رواه ابن جرير. وعن ابن جريج: قلت لعطاء: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} ، قال: الطيب ما حولك. قلت: مكان جرد غير بطح أيجزئ عني؟ قال: نعم. قال ابن جرير يعني (بالطيِّب) : طاهرًا من الأقذار والنجاسات. وعن أبي مالك قال. وضع عمار بن ياسر كفيه في التراب، ثم رفعها فنفخها فمسح وجهه وكفيه ثم قال: هكذا التيمم. قال الحسن: يصلي المتيمم

ص: 543

بتيممه ما لم يحدث. وعن علي رضي الله عنه

أنه كان يقول: التيمم لكل صلاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأعدل الأقوال: التيمم لوقت كل صلاة.

قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللهِ نَصِيراً (45) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً (46) } .

قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود، إذا كلم رسول الله لوى لسانه وقال: راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك، ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنزل الله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ} إلى قوله: {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً} . وقال مجاهد في قوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} ، تبديل اليهود التوراة. وقال ابن زيد في قوله:{وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} ، قال: هذا قول أهل الكتاب يهود، كهيئة ما يقول الإنسان: اسمع لا سمعت، أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشتمًا له واستهزاء.

وقوله تعالى: {وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ} ، قال الضحاك: كان الرجل من المشركين يقول: أرعني سمعك، يلوي بذلك لسانه. يعني: يحرف معناه. قال ابن زيد: والراعن: الخطأ من الكلام.

وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً} ، قال ابن زيد في قوله: {وَلَوْ

ص: 544

أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} ، قال يقولون: اسمع منا فإنا قد سمعنا وأطعنا، وانظرنا فلا تعجل علينا.

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (47) إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) } .

قال ابن عباس: (كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم: «يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق» . فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد، وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر، فأنزل الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} الآية) . قال إبراهيم: لما سمعها كعب الأحبار قال: يارب آمنت، يا رب أسلمت. مخافة أن تصيبه، ثم رجع فأتى أهله باليمن، ثم جاء بهم مسلمين في زمان عمر.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} ، قال ابن عمر: كنا

معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في عذاب آكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وقاطع الرحم، حتى نزلت هذه الآية، فأمسكنا عن الشهادة.

قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً (50) } .

ص: 545

قال الحسن في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ} ، هم اليهود والنصارى قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ، وقالوا:{لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} وقال التيمي: سألت ابن عباس عن قوله: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} ، قال: ما فتلت بين أصبعيك. وقال مجاهد: الفتيل الذي في شق النواة. وقال ابن جريج: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ} قال: هم اليهود والنصارى، {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ} ، وعن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر، فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح» . رواه أحمد.

قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا

آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55) } .

قال ابن عباس في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} ، الجبت: الأصنام. والطاغوت: الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس. وقال عمر: الجبت: السحر.

ص: 546

الطاغوت: الشيطان. قال ابن جرير: الجبت، والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله، أو طاعة، أو خضوع من حجر، أو إنسان، أو شيطان.

وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} ، قال مجاهد: نزلت في كعب بن الأشرف وكفار قريش، أنه قال: كفار قريش أهدى من محمد. وقال قتادة: قال كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ما قالا، وهما يعلمان أنهما كاذبان، فأنزل الله تعالى:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} .

وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ

نَقِيراً} قال السدي: يقول: لو كان لهم نصيب من الملك إذا لم يؤتوا محمدًا نقيرًا، والنقير: النكتة التي في وسط النواة.

وقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً} ، قال قتادة: حسدوا هذا الحي من العرب على ما آتاهم الله من فضله، بعث الله منهم نبيًا، فحسدوهم على ذلك.

وقوله تعالى: {فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} ، قال مجاهد:{فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ} ، قال: بما أنزل على محمد من يهود، {وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ} .

وقال ابن كثير: {فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ} ، أي: بهذا الإيتاء وهذا الإنعام، {وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ} ، أي: كفر به، وأعرض عنه، وسعى في صد الناس عنه، وهو منهم، ومن جنسهم، فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمد، ولست من بني إسرايئل؟ فالكفرة منهم أشد تكذيبًا لك، ولهذا قال متوعدًا لهم، {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} ، أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسلِه.

ص: 547

قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57) } .

قال ابن عمر في قوله: {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} قال: إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودًا بيضًا أمثال القراطيس. قال الحسن: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ

وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} ، قال ابن عباس في قوله تعالى:{لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} قال: من الأقذار، والأذى. وقال مجاهد: مطهرة من البول، والحيض، والنخام، والبزاق، والمني، والولد. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها شجرة الخلد» . رواه ابن جرير. والله أعلم.

* * *

ص: 548