الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال علي بن أبي طلحة في قوله: {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} : استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب.
وقوله تعالى: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} ، قال السدي: نزلت في عبد الله بن رواحة، كانت له أمة سوداء فغضب عليها فلطمها، ثم فزع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهما، فقال له:«ما هي» ؟ قال: تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«يا عبد الله هذه مؤمنة» ، فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها، ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمته، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله:{وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} .
وقوله تعالى: {وَلَا تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} .
قال البغوي: هذا إجماع لا يجوز للمسلمة أن تنكح المشرك.
وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} ، أي: معاشرتهم ومخالطتهم تبعث على إيثار الدنيا على الآخرة، وهو موجب للنار. {وَاللهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ
بِإِذْنِهِ} ، أي: بأمره، {وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» .
روى مسلم وغيره عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اصنعوا كل شيء إلا النكاح» .
وقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} ، يعني: الفرج، قاله ابن عباس وغيره، وروى الإِمام أحمد وغيره عن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: «ما فوق الإِزار» . وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ
…
يَطْهُرْنَ} ، أي: لا تجامعوهن حتى يطهرن من الحيض {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي: اغتسلن، {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} . قال ابن عباس: طؤهن في الفروج ولا تعدوه إلى غيره. {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} ، من الذنب، {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ، أي: المتنزهين عن الأقذار والأذى، ومن ذلك إتيان الحائض، والوطء في الدبر.
قال ابن عباس: الحرث موضع الولد {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد. وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامع الرجل امرأته في دبرها في قبلها كان الولد أحول. فنزلت: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أناس من الأنصار، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ائتها على كل حال، إذا كان في الفرج» ، وفي حديث آخر:«أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة» ، وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأته في دبرها» .
وقوله تعالى: {وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ} ، قال السدي: يعني: الخير والعمل الصالح. وقال مجاهد: يعني: إذا أتى أهله فليدْعُ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدًا» .
وقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللهَ} ، أي: خافوا الله فلا ترتكبوا ما نهاكم عنه. {وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ} ، فيجازيكم بأعمالكم. {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ، المطيعين بجزيل ثواب الله لهم.
قال ابن عباس في قوله تعالى {وَلَا تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} : لا تجعلن الله عرضة ليمينك ألا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير، وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها» .
وقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ، عن عائشة مرفوعًا:«اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته: كلا والله، وبلى والله» . رواه أبو داود، وعنها قالت:(هم القوم يتدارءون في الأمر فيقول هذا لا والله، وبلى والله، وكلا والله يتدارءون في الأمر، لا تعقد عليه قلوبهم)، وقالت أيضًا:(إنما اللغو في المزاحة والهزل، وهو قول الرجل: لا والله، وبلى والله. فذاك لا كفارة فيه، إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله) . وعن الحسن بن أبي الحسن: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون، يعني: يرمون، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فقام رجل من القوم فقال: أصبت والله، وأخطأت والله، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم: حنث
الرجل يا رسول الله، قال:«كلا، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة» . رواه ابن جرير.
قال ابن كثير: وهذا مرسل حسن. عن الحسن وعن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة، فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك، كفّر عن يمينك وكلم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا تملك» .
وقوله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ، أي: عزمتم عليه، وقصدتم به اليمين كما قال تعالى:{وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} ، {وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ، أي: غفور لذلات عباده حليم عليهم.
الإيلاء هو: أن يحلف من جميع نسائه أو بعضهن لا يقربهن، فإن وقّت بدون أربعة أشهر اعتزل حتى ينقضي ما وقّت به، وإن وقّت بأكثر منها خيّر بعد مضيها بين أن يفيء أو يطلق.
وقوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} ، أي: يحلفون على ترك جماعهن.
وقوله: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} ، أي: ينتظر الزوج أربعة أشهر من حين الحلف، ثم يوقف ويطالب بالفيئة أو الطلاق، فإن أبي طلق عليه الحاكم.
وقوله تعالى: {فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، استدل بذلك على أنه لا كفارة عليه إذا فاء بعد الأربعة الأشهر، والجمهور أن عليه التكفير.
وقوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، قال سعيد بن المسيب: إذا مضت أربعة أشهر فإما أن يفيء، وإما أن يطلق، فإن جاوز فقد عصى الله. والله أعلم.
* * *