المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الثلاثون   {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ١

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل

- ‌الدرس الأول

- ‌[سورة الفاتحة]

- ‌سورة الفاتحة لها ثلاثة أسماء: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني

- ‌الدرس الثاني

- ‌[سورة البقرة]

- ‌الدرس الثالث

- ‌الدرس الرابع

- ‌الدرس الخامس

- ‌الدرس السادس

- ‌الدرس السابع

- ‌الدرس الثامن

- ‌الدرس التاسع

- ‌الدرس العاشر

- ‌الدرس الحادي عشر

- ‌الدرس الثاني عشر

- ‌الدرس الثالث عشر

- ‌الدرس الرابع عشر

- ‌الدرس الخامس عشر

- ‌الدرس السادس عشر

- ‌الدرس السابع عشر

- ‌الدرس الثامن عشر

- ‌الدرس التاسع عشر

- ‌الدرس العشرون

- ‌الدرس الحادي والعشرين

- ‌الدرس الثاني والعشرون

- ‌الدرس الثالث والعشرون

- ‌الدرس الرابع والعشرون

- ‌الدرس الخامس والعشرون

- ‌الدرس السادس والعشرون

- ‌الدرس السابع والعشرون

- ‌الدرس الثامن والعشرون

- ‌الدرس التاسع والعشرون

- ‌الدرس الثلاثون

- ‌الدرس الحادي والثلاثون

- ‌الدرس الثاني والثلاثون

- ‌الدرس الثالث والثلاثون

- ‌الدرس الرابع والثلاثون

- ‌الدرس الخامس والثلاثون

- ‌الدرس السادس والثلاثون

- ‌[سورة آل عمران]

- ‌الدرس السابع والثلاثون

- ‌الدرس الثامن والثلاثون

- ‌الدرس التاسع والثلاثون

- ‌الدرس الأربعون

- ‌الدرس الحادي والأربعون

- ‌الدرس الثاني والأربعون

- ‌الدرس الثالث والأربعون

- ‌الدرس الرابع والأربعون

- ‌الدرس الخامس والأربعون

- ‌الدرس السادس والأربعون

- ‌الدرس السابع والأربعون

- ‌الدرس الثامن والأربعون

- ‌الدرس التاسع والأربعون

- ‌الدرس الخمسون

- ‌الدرس الحادي والخمسون

- ‌الدرس الثاني والخمسون

- ‌[سورة النساء]

- ‌الدرس الثالث والخمسون

- ‌الدرس الرابع والخمسون

- ‌الدرس الخامس والخمسون

- ‌الدرس السادس والخمسون

- ‌الدرس السابع والخمسون

- ‌الدرس الثامن والخمسون

- ‌الدرس التاسع والخمسون

- ‌الدرس الستون

- ‌الدرس الحادي والستون

- ‌الدرس الثاني والستون

- ‌الدرس الثالث والستون

- ‌الدرس الرابع والستون

- ‌الدرس الخامس والستون

- ‌الدرس السادس والستون

- ‌الدرس السابع والستون

- ‌الدرس الثامن والستون

الفصل: ‌ ‌الدرس الثلاثون   {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ

‌الدرس الثلاثون

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) } .

* * *

ص: 333

قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) } .

قال مجاهد في قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ} . قال: هو نمرود بن كنعان. قال قتادة: وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.

وقال قتادة في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} ، وذكر لنا أنه دعا برجلين فقتل أحدهما، واستحيا الآخر. فقال: أنا أحيي هذا، أنا أستحيي من شئت، وأقتل من شئت. قال إبراهيم عند ذلك:{فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

قال البغوي: ( {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} ، أي: تحير ودهش وانقطعت حجته وقال ابن إسحاق: {وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، أي: لا يهديهم في الحجة عند الخصومة لما هم عليه من الضلال) . انتهى. وهو كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} .

ص: 334

وقال السدي: لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحي ويميت. قال نمرود: أنا أحي وأميت. أنا أدخل أربعة نفر، فأدخلهم بيتًا فلا يطعمون ولا يسقون حتى هلكوا من الجوع، أطعمت اثنين وسقيتمهما فعاشا، وتركت اثنين فماتا. فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك. قال له إبراهيم: فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر. وقال إن هذا إنسان مجنون فأخرجوه ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها، وإن النار لم تأكله، وخشي أن يفتضح في قومه، أعني نمرود، وهو قول الله تعالى ذكره:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} فكان يزعم أنه رب، وأمر بإبراهيم فأخرج. وقال ابن زيد: فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة تضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه، وضرب بهاما رأسه وكان جبارًا أربعمائة عام، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه وأماته الله.

قوله عز وجل: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) } .

ص: 335

قال البغوي: قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} ، وهذه الآية مسوقة على الآية الأولى. تقديره: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه؟ وهل رأيت كالذي مر على قرية؟ وقيل: تقديره: هل رأيت كالذي حاجّ إبراهيم في ربه؟ وهل رأيت كالذي مر على قرية؟

وقال ابن كثير: تقدم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} وهو في قوة، قوله: هل رأيت مثل الذي حاج إبراهيم في ربه. ولهذا عطف عليه بقوله: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} .

قال قتادة: ذكر لنا أنه عزير، وقال عكرمة: القرية: بيت المقدس مر بها عزير بعد إذ خربّها بختنصر. وقال ابن جريج: بلغنا أن عزيرًا خرج فوقف على بيت المقدس، وقد خربه بخنتصر، فوقف فقال: أبعد ما كان لك من القدس والمقالة والمال ما كان فحزن.

وقال السدي: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، يقول: ساقطة على سقفها، وذلك أن عزيرًا مر جائيًا من الشام على حمار له، معه عصير وعنب وتين، فلما مر بالقرية فرآها وقف عليها، وقلّب يده وقال: كيف يحيي هذه الله بعد موتها؟ ليس تكذيبًا منه وشكًا، فأماته الله وأمات حماره، فهلكا ومر عليهما مائة سنة، ثم إن الله أحيا عزيرًا فقال له: كم لبثت؟ قال: لبثت يومًا أو بعض يوم. قيل له: بل لبثت مائة عام فانظر: إلى طعامك من التين والعنب، وشرابك من العصير لم يتسنه الآية. وقال قتادة: ذكر لنا أنه مات ضحى، ثم بعثه قبل غيبوبة الشمس، فقال: كم لبثت؟

ص: 336

قال: لبثت يومًا ثم التفت، فرأى بقية من

الشمس، فقال: أو بعض يوم. فقال: بل لبثت مائة عام. وقال الضحاك في قوله: {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} يقول: لم يتغير. وقد أتى عليه مائة عام.

وقوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} . قال البغوي: أي: نرفعها من الأرض، ونردها إلى مكانها ونركب بعضها على بعض. وقال السدي وغيره: تفرقت عظام حماره حوله يمينًا وشمالاً فنظر إليها وهي تلوح من بياضها، فبعث الله ريحًا فجمعتهما من كل موضع من تلك المحلة، ثم ركب كل عظم في موضعه حتى صار حمارًا قائمًا من عظام لا لحم عليها، ثم كساها الله لحمًا وعصبًا وعروقًا وجلدًا، وبعث الله ملكًا فنفخ في منخاري الحمار، فنهق بإذن الله عز وجل. وذلك كله بمرأى من العزير، فعند ذلك لما تبين له هذا كله قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير. وقال الضحاك وغيره: إنه عاد إلى قريته شابًا وأولاده، وأولاد أولاده شيوخ وعجائز، وهو أسود الرأس واللحية.

قوله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) } .

قال محمد بن إسحاق: لما جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء، قال نمرود فيهما يذكرون لإبراهيم: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته، وتذكر من قدرته التي تعظمه بها

على غير ما هو؟ قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت. قال نمرود: أنا أحيي وأميت. فقال له

ص: 337

إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ ثم ذكر ما قص الله من محاجته إياه قال: فقال إبراهيم عند ذلك: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} من غير شك في الله تعالى، ولا في قدرته ولكنه أحب أن يعلم ذلك، وتاق إليه قلبه، فقال: ليطمئن قلبي، أي: ما تاق إليه إذ هو علمه. وقال سعيد ابن جبير: ليطمئن قلبي، ليزداد يقيني.

وقوله تعالى: {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . قال ابن عباس: فصرهنّ: قطعهنّ. وقال مجاهد: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً} : ثم بددهن أجزاء على كل جبل، {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} كذلك يحي الله الموتى. وقال ابن جريج: فجعلهن سبعة أجزاء، وأمسك رؤوسهن عنده، ثم دعاهن بإذن الله فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى، وكل ريش تطير إلى الريشة الأخرى، وكل بضعة وكل عظم يطير بعضه إلى بعض من رؤوس الجبال حتى لقيت كل جثة بعضها بعضًا في السماء، ثم أقبلن يسعين حتى وصلت رأسها. وعن ابن المنكدر قال: التقى عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص فقال ابن عباس لابن عمرو: أي آية في القرآن أرجى عندك؟ فقال عبد الله بن عمرو: قول الله عز وجل:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} الآية. فقال ابن عباس: لكن أنا أقول: قول الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ

إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى} فرضي من إبراهيم قوله: بلى. قال: فهذا لما يعترض في النفوس ويوسوس به الشيطان. رواه ابن أبي حاتم وغيره.

وقال البخاري: (باب وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى.

ص: 338

فصرهن: قطعهن. وذكر حديث أبي هريرة قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ

قَلْبِي} » . انتهى.

قال إسماعيل بن يحيى المزني: لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إبراهيم في أن الله قادر على أن يحيي الموتى، وإنما شكّا في أنه هل يجيبهما إلى ما سألا؟

قال في فتح الباري: (وقال عياض: لم يشك إبراهيم بأن الله يحيي الموتى ولكن أراد طمأنينة القلب، وترك المنازعة لمشاهدة الأحياء، فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته، ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين، وإن لم يكن في الأول شك، لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين. والله أعلم) .

* * *

ص: 339