الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} خلفًا وملكًا وعبيدًا. {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة قال: (لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» ، فلما أقرّ بها القوم وذلّت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا
وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ) . إلى آخره.
ولمسلم: (ولما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ، قال:«نعم ربنا» ، {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قال:«نعم ربنا» ، {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال:«نعم» ، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال:«نعم» .
وفي رواية له من حديث ابن عباس: قال: (قد فعلت) .
قال ابن حجر في (فتح الباري) : (والمراد بقوله: نسختها أي: أزالت ما تضمنته من الشدة، وبينت أنه وإن وقعت المحاسبة به، لكنها لا تقع المؤاخذة به؛ أشار إلى ذلك الطبري، فرارًا من إثبات دخول النسخ في الأخبار، وأجيب بأنه وإن كان خبرًا لكنه يتضمن حكمًا، ومهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام، أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام، وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار، ما كان خبرًا محضًا لا يتضمن حكمًا، كالإخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك؛ ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ في الحديث: التخصيص، فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيرًا، والمراد بالمحاسبة بما يخفي الإنسان ما يصمم عليه ويشرع فيه، دون ما يخطر ولا يستمر عليه. والله أعلم) . انتهى.
وروى الجماعة من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تكلم أو تعمل» .
قال ابن زيد: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} ، كما صنع القوم يعني: بني إسرائيل قالوا: فلان نبي وفلان ليس نبيًا، وفلان نؤمن به وفلان لا نؤمن به. وعن حكيم بن جابر قال:(لما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} . قال جبريل: إن الله عز وجل قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك، فسل تعطه. فسأل: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) } . رواه ابن جرير.
قال السدي: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} طاقتها، وحديث النفس مما لا يطيقون. وقال ابن عباس: هم المؤمنون، وسع الله عليهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ} وقال: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، وقال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} . وقال: قتادة:
قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ} ، أي: من خير، {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ، أي: من شر، وقوله:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال ابن زيد: إن نسينا شيئًا مما افترضته علينا، أو أخطأنا شيئًا مما حرمته علينا. وقال قتادة: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لهذه الأمة عن نسيانها وما حدثت بها أنفسها» . وروى ابن ماجة وغيره من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
وقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} . قال مجاهد: {إِصْراً} ، عهدًا. وقال ابن زيد: لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا ذنبًا ليس فيه توبة ولا كفارة. وقال مالك: الإصر الأمر الغليط.
وقوله: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ، قال ابن زيد: لا تفترض علينا من الدين ما لا طاقة لنا به، فنعجز عنه، {وَاعْفُ عَنَّا} إن قصرنا عن شيء من أمرك مما أمرتنا به، {وَاغْفِرْ لَنَا} ، إن انتهكنا شيئًا مما نهيتنا عنه، {وَارْحَمْنَا} يقول: لأننا لا نعمل بما أمرتنا به، ولا نترك ما نهيتنا عنه إلا برحمتك. قال: ولم ينج أحد إلا برحمتك.
وقوله تعالى: {أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ، ورد في بعض الآثار:(قال الله: قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم، ونصرتكم على القوم الكافرين) . وكان معاذ رضي الله عنه إذا فرغ من هذه السورة قال: (آمين) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه إذا فرغ من
هذه السورة قال: (آمين) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في
ليلة كفتاه» . متفق عليه. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
«أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي» . رواه أحمد. وعن علي رضي الله عنه قال: لا أرى أحدًا عقل الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، فإنها من كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش. رواه ابن مردويه. والله أعلم.
* * *