الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن عباس في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} أنزلت في السلم إلى أجل معلوم. وقال الضحاك: من باع إلى أجل مسمى أمر أن يكتب صغيرًا كان أو كبيرًا إلى أجل مسمى. قال الربيع فكان هذا واجبًا، ثم قامت الرخصة والسعة، قال:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} .
وقال قتادة في قوله: {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} اتقى الله كاتب في كتابه، فلا يدعن منه حقًا، ولا يزيدن فيه باطلاً.
وعن مجاهد في قول الله عز وجل: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ} . قال: واجب على الكاتب أن يكتب. وقال السدي: وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ إن كان فارغًا.
وقال ابن زيد في قوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} . قال: لا ينقص من حق هذا الرجل شيئًا إذا أملى.
وقوله تعالى: {فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} . قال مجاهد: أما السفيه فالجاهل بالإملاء والأمور،
وقال أيضًا: أما الضعيف فالأحمق. وقال ابن عباس: {فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} ، يقول إن عجز عن ذلك أملى وليّ صاحب الدين بالعدل. وقال الضحاك: أمر ولي السفيه والضعيف أن يمل بالعدل.
قال مجاهد: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ} قال: الأحرار. وقال البغوي: (يعني: الأحرار المسلمين دون العبيد والصبيان، وهو قول أكثر أهل العلم. وأجاز شريح وابن سيرين شهادة العبيد) . انتهى. وقال الربيع في قوله: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ} ، يقول: في الدِّين {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وذلك في الدين. {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} ، يقول: عدول. وقال قتادة: علم الله أن ستكون حقوق، فأخذ لبعضهم من بعض الثقة، فخذوا بثقة الله، فإنه أطوع لربكم وأدرك لأموالكم، ولعمري لئن كان تقيًّا لا يزيد الكتاب إلا خيرًا، وإن كان فاجرًا فبالحريّ أن يؤدي إذا علم أن عليه شهودًا.
وقال الربيع: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} ، يقول: أن تنسى إحداهما فتذكرها الأخرى.
وقال قتادة في قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ} قال: لا تأب أن تشهد إذا ما دعيت إلى شهادة. وكان الحسن يقول في قوله: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا
مَا دُعُواْ} . جمعت أمرين: لا تأب إذا كانت عندك شهادة أن تشهد، ولا تأب إذا دعيت إلى شهادة.
قال مجاهد: {وَلَا تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ} . قال: هو الدَّين.
وقال السدي: قوله: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ} ، يقول: أعدل عند الله.
وقال البغوي: {ذَلِكُمْ} ، أي: الكتاب، {أَقْسَطُ} أعدل، {عِندَ اللهِ} لأنه أمر به واتباع أمره أعدل من تركه وأقوم للشهادة، لأن الكتابة تذكر الشهود، {وَأَدْنَى} وأحرى وأقرب إلى {أَلا تَرْتَابُواْ} ، تشكوا في الشهادة.
وقال السدي: قوله: {إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} ، يقول: معكم بالبلد ترونها فتؤخذ وتعطى، فليس على هؤلاء جناح ألا يكتبوها. وقال الربيع: قلت للحسن: أرأيت قول الله عز وجل: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} ؟ قال: إن أشهدت عليه فهو ثقة للذي لك، وإن لم تشهد عليه فلا بأس. قال ابن كثير: وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب، لا على الوجوب.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} . يقول: لا يأتي
الرجل فيقول: انطلق فاكتب لي واشهد لي، فيقول: إن لي حاجة فالتمس غيري، فيقول: اتق الله فإنك قد أمرت أن تكتب لي، فهذه المضارة. ويقول: دعه والتمس غيره، والشاهد بتلك المنزلة. وقال ابن عباس:{وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} ، يقول: إنه يكون للكاتب والشاهد حاجة ليس منها بد فيقول: خلوا سبيله. وقال أيضًا: والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني: إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت، فيضاره بذلك وهو مكتف بغيره، فنهاه الله عز وجل عن ذلك وقال:{وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} ، قال: والفسوق المعصية.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . قال الضحاك: هذا تعليم علمكموه فخذوا به.
قوله عز وجل: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ
وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) } .
قال الربيع: قوله: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً} ، يقول كاتبًا يكتب لكم، {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} . وقال الضحاك: ما كان من بيع إلى أجل فأمر الله عز وجل: أن يكتب وليشهد عليه، وذلك في المقام، فإن كان قوم على سفر تبايعوا إلى أجل فلم يجدوا فرهان مقبوضة.
وقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} .
قال البغوي: (فإن كان الذي عليه الحق أمينًا عند صاحب الحق فلم يرتهن
منه شيئًا لحسن ظنه به، {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ، أي: فليقضه على الأمانة، {وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} في أداء الحق. انتهى.
وقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} . قال السدي: {وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} ، يقول: فاجر قلبه. وقال ابن عباس: إذا كانت عندك شهادة فسألك عنها فأخبره بها، ولا تقل: أخبر بها عند الأمير: أخبره بها لعله يراجع أو يرعوي. انتهى. وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . والله أعلم.
* * *