المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس العشرون   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ١

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل

- ‌الدرس الأول

- ‌[سورة الفاتحة]

- ‌سورة الفاتحة لها ثلاثة أسماء: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني

- ‌الدرس الثاني

- ‌[سورة البقرة]

- ‌الدرس الثالث

- ‌الدرس الرابع

- ‌الدرس الخامس

- ‌الدرس السادس

- ‌الدرس السابع

- ‌الدرس الثامن

- ‌الدرس التاسع

- ‌الدرس العاشر

- ‌الدرس الحادي عشر

- ‌الدرس الثاني عشر

- ‌الدرس الثالث عشر

- ‌الدرس الرابع عشر

- ‌الدرس الخامس عشر

- ‌الدرس السادس عشر

- ‌الدرس السابع عشر

- ‌الدرس الثامن عشر

- ‌الدرس التاسع عشر

- ‌الدرس العشرون

- ‌الدرس الحادي والعشرين

- ‌الدرس الثاني والعشرون

- ‌الدرس الثالث والعشرون

- ‌الدرس الرابع والعشرون

- ‌الدرس الخامس والعشرون

- ‌الدرس السادس والعشرون

- ‌الدرس السابع والعشرون

- ‌الدرس الثامن والعشرون

- ‌الدرس التاسع والعشرون

- ‌الدرس الثلاثون

- ‌الدرس الحادي والثلاثون

- ‌الدرس الثاني والثلاثون

- ‌الدرس الثالث والثلاثون

- ‌الدرس الرابع والثلاثون

- ‌الدرس الخامس والثلاثون

- ‌الدرس السادس والثلاثون

- ‌[سورة آل عمران]

- ‌الدرس السابع والثلاثون

- ‌الدرس الثامن والثلاثون

- ‌الدرس التاسع والثلاثون

- ‌الدرس الأربعون

- ‌الدرس الحادي والأربعون

- ‌الدرس الثاني والأربعون

- ‌الدرس الثالث والأربعون

- ‌الدرس الرابع والأربعون

- ‌الدرس الخامس والأربعون

- ‌الدرس السادس والأربعون

- ‌الدرس السابع والأربعون

- ‌الدرس الثامن والأربعون

- ‌الدرس التاسع والأربعون

- ‌الدرس الخمسون

- ‌الدرس الحادي والخمسون

- ‌الدرس الثاني والخمسون

- ‌[سورة النساء]

- ‌الدرس الثالث والخمسون

- ‌الدرس الرابع والخمسون

- ‌الدرس الخامس والخمسون

- ‌الدرس السادس والخمسون

- ‌الدرس السابع والخمسون

- ‌الدرس الثامن والخمسون

- ‌الدرس التاسع والخمسون

- ‌الدرس الستون

- ‌الدرس الحادي والستون

- ‌الدرس الثاني والستون

- ‌الدرس الثالث والستون

- ‌الدرس الرابع والستون

- ‌الدرس الخامس والستون

- ‌الدرس السادس والستون

- ‌الدرس السابع والستون

- ‌الدرس الثامن والستون

الفصل: ‌ ‌الدرس العشرون   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ

‌الدرس العشرون

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188) } .

* * *

ص: 246

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) } .

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ، أي: فرض عليكم {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} من الأنبياء والأمم. قال سعيد بن جبير: كان صوم من قبلنا من العتمة إلى الليلة القابلة، كما كان في ابتداء الإسلام. وقوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، أي: لأن الصوم وسيلة إلى التقوى، لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات. كما ثبت في الصحيحين:«يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» .

وقوله تعالى: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} ، أي: ثلاثين يومًا أو تسعة وعشرين يومًا.

وقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، أي: إذا أفطر المريض في حال مرضه، والمسافر في حال سفره صاما عدد ما أفطراه بعد رمضان.

وقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} . روى ابن

جرير عن معاذ بن جبل

ص: 247

قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم إن الله عز وجل فرض شهر رمضان، فأنزل الله تعالى ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} حتى بلغ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا، ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم، وثبت الإِطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم، فأنزل الله عز وجل: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى آخر الآية) .

وقال ابن عباس في قوله تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} ، {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} ، فزاد إطعام مسكين آخر {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} ، {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ، وقال ابن شهاب:{وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ، أي: أن الصيام خير لكم من الفدية. وعن الشعبي قال: نزلت هذه الآية للناس عامة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين، ثم نزلت هذه الآية:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} قال: فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر. وقال قتادة في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، قال: كان فيها رخصة للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينًا ويفطرا، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال:{شَهْرُ رَمَضَانَ} إلى قوله: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فنسختها هذه الآية، فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، إذا لم

يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما كل يوم مسكينًا، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها، وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها.

وقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} . قال ابن جرير: يعني: إن كنتم تعلمون

ص: 248

خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا من الإفطار والفدية والصوم على ما أمركم الله به.

قوله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) } .

يمدح تعالى هذا الشهر؛ لأنه أنزل فيه القرآن، وفرض صيامه على المسلمين. وروى الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» . وقال ابن عباس: نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر إلى هذه السماء الدنيا جملة واحدة، وكان الله يحدث لنبيه ما يشاء، ولا يجيء المشركون بمثل يخاصمون به إلا جاءهم الله بجوابه، وذلك قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} .

وقوله تعالى: {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ، أي: إرشادًا للناس إلى سبيل الحق {وَبَيِّنَاتٍ} ، أي: واضحات من الهدى، يعني: من البينات الدالة على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.

ص: 249

وقوله: {وَالْفُرْقَانِ} ، يعني: والفصل بين الحق والباطل. وقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} قال ابن عباس في قوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} قال: هو إهلاله بالدار، يريد إذا هلّ وهو مقيم.

وقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .

قال البغوي: أباح الفطر لعذر المرض، والسفر، وأعاد هذا الكلام ليعلم أن هذا الحكم ثابت في النسخ ثبوته في المنسوخ.

وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، عن أبي حمزة قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر فقال: يسر وعسر، فخذ بيسر الله. وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه:(كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) .

وقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، أي: إنما أرخص لكم في الإفطار للمرض والسفر، لإرادته بكم اليسر، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم.

وقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، أي: ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم، كما قال تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} .

قال البغوي: {وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ} ، ولتعظموا الله {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أرشدكم

ص: 250

إلى ما رضي به من صوم شهر رمضان، وخصكم به دون سائر أهل الملل. قال ابن عباس: هو تكبيرات ليلة الفطر {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على نعمه.

قوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } .

قال البغوي: روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قالت يهود أهل المدينة: يا محمد كيف يسمع ربنا دعاءنا؟ وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام؟ وأن غلظ كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت هذه الآية. وقال الضحاك: سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} . وفيه إضمار، كأنه قال: فقلت لهم: {إِنِّي قَرِيبٌ} منهم بالعلم لا يخفى عليّ شيء، كما قال تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} . ثم ساق سنده عن أبي موسى الأشعري قال: (لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبرًا وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم» .

وقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، روى الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء

ص: 251

بمثلها» . قالوا: إذًا نكثر قال: «الله أكثر» .

وقوله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي} ، أي: فليجيبوا لي بالطاعة أجبهم بالعطاء. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي» .

وقوله تعالى: {وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} أي: لكي يهتدوا.

قوله عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) } .

الرفث: كناية عن جماع. قال ابن عباس: إن الله حيي كريم يكني كل ما ذكر في القرآن من المباشرة والملامسة، والإفضاء والدخول والرفث، فإنما عنى به الجماع، وقال أيضًا: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن أناسًا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:{عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية.

ص: 252

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إني أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله، فقالت: إنها قد نامت. فظننتها تعتل، فواقعتها، فنزل في عمر {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} .

وقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} ، أي: سكن لكم. {وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} . كما قال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} ، وقال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} ، وقال الربيع بن أنس: هنَّ فراش لكم وأنتم لحاف لهنَّ.

وقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} ، أي: جامعوهن. {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} . قال قتادة: وابتغوا الرخصة التي كتب الله كم بإباحة الأكل والشرب والجماع في اللوح المحفوظ.

وقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} ، في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال: (لما نزلت هذه الآية: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} . عمدت إلى عقالين أحدهما أسود، والآخر أبيض، قال: فجعلتهما تحت وسادتي. قال: فجعلت أنظر إليهما فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت، فقال:«إن وسادك إذًا لعريض. إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل» . وروى مسلم وغيره عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال،

ص: 253

ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطيل في الأفق» . ولأحمد، والترمذي عن طلق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كلوا واشربوا ولا يهدينكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر» . وقال ابن عباس: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئًا، ولكن الفجر الذي يستنير على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب. رواه عبد الرزاق.

وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} ، في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، فقد أفطر الصائم» . ولمسلم: «وغابت الشمس» .

وقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} . قال ابن عباس: هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان، أو في غير

رمضان، فحرّم الله عليه أن ينكح النساء ليلاً أو نهارًا حتى يقضي اعتكافه.

وقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ} ، أي: التي نهاكم عنها. {فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فينجو من العذاب، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .

قوله عز وجل: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188) } .

ص: 254

قال ابن عباس: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بيّنة، فيجحد المال، ويخاصم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام. وقال مجاهد: لا تخاصم وأنت ظالم. وقال قتادة: لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم؛ فإن قضاءه لا يحل حرامًا. وفي الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فليحملها أو يذرها» .

قال قتادة: (اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حرامًا، ولا يحق لك باطلاً وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى، وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن

خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا) . والله أعلم.

ص: 255