الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} ، يعني: في طاعة الله. وقال ابن عباس: الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف.
وقوله تعالى: {وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} ، أي: بحسب إخلاصه في عمله، {وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . قال ابن زيد:{وَاسِعٌ} أن يزيد من سعته، {عَلِيمٌ} عالم بمن يزيده. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:«كل عمل ابن آدم يضاعف له، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته، وطعامه، وشرابه، من أجلي» .
قال قتادة: علم الله أن ناسًا يمنون بعطيتهم، فكره ذلك وقدم فيه فقال:
{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} . وقال الضحاك: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} يقول: أن يمسك ماله خير من أن ينفق ماله ثم يتبعه منًا وأذى.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف والكاذب» . وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى» . رواه أحمد وغيره.
وقوله تعالى: {وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} . قال ابن عباس: الغني الذي كمل في غناه، والحليم الذي قد كمل في حلمه.
قال عمرو بن حريث: إن الرجل يغزو [و] لا يسرق ولا يزني ولا يغل، لا يرجع بالكفاف، فقيل له: لم ذاك؟ قال: فإن الرجل ليخرج، فإذا أصابه من بلاء [الله] الذي حكم عليه، سبُّ ولعن إمامه ولعن ساعة غزا، وقال: لا أعود لغزوة معه أبدًا. فهذا عليه، وليس له مثل النفقة في سبيل الله يتبعها منّ وأذى، فقد ضرب
الله مثلها في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} حتى ختم الآية.
وقال قتادة: فهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة. يقول: {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ} يومئذٍ كما ترك هذا المطر الصفا الحجر، ليس عليه شيء أنقى ما كان عليه. وقال السدي:{لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} إلى قوله: {عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ} ، أما الصفوان الذي عليه تراب، فأصابه المطر فذهب ترابه فتركه صلدًا، فكذا هذا الذي ينفق ماله رياء الناس، ذهب الرياء بنفقته، كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصفا فتركه نقيًا، فكذلك تركه الرياء، لا يقدر على شيء مما قدم، فقال للمؤمنين:{لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} ، فتبطل كما بطلت صدقة الرياء.
قال الشعبي في قوله تعالى: {وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ} : تصديقًا وتيقينًا. وقال مجاهد: يثبتون أين يضعون أموالهم.
وقوله تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} .
قال البغوي: (وهي المكان المرتفع المستوى الذي تجري فيه الأنهار، فلا يعلوه الماء، ولا يعلو عن الماء) . انتهى. وقال ابن عباس: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} ، المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار.
وقوله تعالى: {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} . قال السدي: أما الطل فالندى، يقول: كما أضعفت ثمرة
تلك الجنة، فكذلك يضاعف ثمرة هذا المنفق. وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن، يقول: ليس كخيره خلف، كما ليس الخير هذه الجنة، خلف على أي حال، إما وابل، وإما طل.
وقوله تعالى: {وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، أي: لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء.
قال السدي: هذا مثل آخر لنفقة الرياء، أنه ينفق ماله يرائي الناس به، فيذهب ماله منه وهو يرائي، فلا يأجره الله فيه، فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته، وجدها قد أحرقها الرياء فذهبت، كما أنفق هذا الرجل على جنته، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته، جاءت ريح فيها سموم فأحرقت جنته، فلم يجد منها شيئًا، فكذلك المنفق رياء. قال مجاهد في قول الله عز وجل:{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} كمثل المفرط في طاعة الله حتى يموت. وقال عمر بن الخطاب: هذا مثل ضربه الله للإنسان يعمل عملاً صالحًا، حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه، عمِل عمَل السوء. وقال قتادة: قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} الآية، يقول: أصابها ريح فيها سموم شديد.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ} فهذا مثل، فاعقلوه عن الله عز وجل أمثاله، فإنه قال:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} . هذا رجل كبرت سنه، ودق عظمه، وكثر عياله، ثم احترقت جنته على بقية ذلك كأحوج ما يكون إليه، يقول: أيحب أحدكم أن يضل عنه عمله يوم القيامة، كأحوج ما يكون إليه؟
وقال البخاري باب قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} ، وذكر حديث عمر: أنه قال يومًا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيم ترون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} ؟ قالوا: الله أعلم، فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل. قال عمر: أيّ عمل؟ قال ابن عباس: بعمل. قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. انتهى والله المستعان.
* * *