الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس والخمسون
{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ
ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن
تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28) } .
* * *
قوله عز وجل: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً (22) } .
قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يَحْرُم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين، فأنزل الله:{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} ، {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} ، وقال أيضًا: كل امرأة تزوجها أبوك وابنك، دخل أو لم يدخل، فهي عليك حرام. وعن البراء بن عازب:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بردة إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله، ويأخذ ماله) . رواه الإمام أحمد، وأهل السنن.
قوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم
مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) } .
قال ابن عباس: حُرّم من النسب سبعٌ، ومن الصِّهر سبعٌ. ثم قرأ:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} حتى بلغ: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلا مَا قَدْ سَلَفَ} ، قال: والسابعة: ولا تنكحوا ما نَكح آباؤكم من النساء.
قال البغوي: وجملة المحرمات في كتاب الله تعالى أربع عشرة: سبعٌ بالنسب، وسبعٌ بالسبب.
فأما السبع بالسبب: فمنها اثنتان بالرضاع، وأربع بالصهرية، والسابعة المحصنات، وهن من ذوات الأزواج.
وأما السبع بالنسب: فقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ويدخل فيهن الجدات وإن علونَ، {وَبَنَاتُكُم} ويدخل فيهن بنات الأولاد وإن سفلن، {وَأَخَوَاتُكُمْ} سواء كانت من قِبَل الأب، أو والأم، {وَعَمَّاتُكُم} ويدخل فيهن جميع أخوات آبائك، وأجدادك وإن علوا، {وَخَالاتُكُم} ويدخل فيهن جميع أخوات أمهاتك، وجداتك، {وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} ويدخل فيهن بنات أولاد الأخ، والأخت وإن سفلن.
وأما المحرمات بالرضاع: فقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وجملته: أن يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
وأما المحرمات بالصهرية: فقوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وجملته: أَن كل من عقد النكاح على امرأة فتحرم على الناكح أمهات المنكوحة وجداتها وإن علون من
الرضاعة والنسب بنفس العقد، {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي
فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} الربائب جمع: ربيبة، وهي بنت المرأة، {دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} أي: جامعتموهن، ويحرم عليه أيضا بناتُ المنكوحة وبنات أولادها، وإن سفلن من الرضاع، والنسب بعد الدخول بالمنكوحة، حتى لو فارق المنكوحة قبل الدخول بها أو ماتت جاز له أن ينكح بنتها، ولا يجوز له أن ينكح أُمَّها؛ لأن الله تعالى أطلق تحريم الأمهات وقال في تحريم الربائب:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} ، يعني: أزواج أبنائكم. وجملته: أنه يحرم على الرجل حلائل أبنائه وأبناء أولاده وإن سفلوا من الرضاع والنسب بنفس العقد. وإنما قال: {مِنْ أَصْلابِكُمْ} ليعلم أن حليلة المتبنَّي لا تحرم على الرجل الذي تبناه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة زيد بن حارثة، وكان زيد قد تبنَّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
والرابع من المحرمات بالصهرية: حليلةُ الأب والجدّ وإن علا، فتحرم على الولد، وولدِ الولد بنفس العقد، سواء كان الأب من الرضاع، أو النسب؛ لقوله تعالى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وكل امرأة تحرم عليك بعقد النكاح تحرم بالوطء في ملك اليمين، والوطء بشبهة.
قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ} لا يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين في النكاح سواء كانت الأخوّة بينهما بالنسب، أو بالرضاع، وكذلك لا يجوز أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها.
قوله تعالى: {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} ، يعني: لكن ما مضى فهو معفوٌ عنه، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} .
قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني: ذوات الأزواج، لا يحل للغير نكاحُهُنّ قبل مفارقة الأزواج، وهذه السابعة من النساء
اللاتي حُرّمن بالسبب. قال أبو سعيد الخدري: (نزلت في نساء كُنَّ يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج، فتزوجهن بعض المسلمين، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهى الله المسلمين عن نكاحهن، ثم استثنى فقال: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، يعني: السبايا اللواتي سُبين ولهن أزواج في دار الحرب، فيحِلُّ لمالِكِهنَّ وطؤهنَّ بعد الاستبراء) . انتهى ملخصًا.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب؛ فهي لك حلال إذا استبرأتها.
وقوله تعالى: {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} ، أي: كتب الله عليكم تحريم هؤلاء.
وقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} ، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها، فقال:{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} ، قال: ما وراء ذات القرابة.
وقال ابن جرير: إن الله جل ثناؤه بيّن لعباده المحرمات، بالنسب والمصهر، ثم المحرمات من المحصنات من النساء، ثم أخبرهم جل ثناءه أنه
قد أحل لهم ما عدا هؤلاء المحرمات، المبيّنات في هاتين الآيتين أن نبتغيه بأموالنا نكاحًا، وملك يمين لا سفاحًا.
وقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} قال ابن عباس: إذا تزوج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صداقها كله. والاستمتاع هو: النكاح. وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة. وفي
الصحيحين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية) .
وقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} .
قال ابن جرير: وذلك نظير قوله جل ثناؤه: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} .
وقال ابن كثير: وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك أنه كان مشروعًا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك.
وقال البغوي: ذهب عامة أهل العلم أن نكاح المتعة حرام، والآية منسوخة. وعن سبرة بن معبد الجهني: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: «يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا» . رواه مسلم.
قوله عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25) } .
قال ابن عباس في قوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} ، قال: من لم يكن له سعة. وقال مجاهد: الغنى أن ينكح المحصنات المؤمنات: {فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ، قال سعيد ابن جبير: أما من لم يجد ما ينكح الحرة تزوج الأمة.
وقوله تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} ، أي: كلكم من نفس واحدة، ودينكم واحد، والله يعلم سرائركم، فلينكح بعضكم من بعض.
وقوله تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ} أي: الإماء، {بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} ، أي: مواليهن، {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: مهورهن {بِالْمَعْرُوفِ} على ما تراضيتم به من غير مطل ولا ضرار {مُحْصَنَاتٍ} عفائف
…
{غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} ، قال ابن عباس: والمسافحات: المعلنات بالزنا، {وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} ، ذات الخليل الواحد. كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا، ويستحلون ما خفي. يقولون: أما ما ظهر منه فهو لوم، وأما ما خفي فلا بأس بذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى:{وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} .
وقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} ، ليس المراد أن التزويج شرط لوجوب الحد؛ بل المراد منه التنبيه على أن المملوك وإن كان محصنًا فلا رجم عليه، إنما حدّه خمسون جلدة. قال قتادة في قوله:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} ، خمسون جلدة، ولا نفي ولا رجم. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحج ولا يثرب عليها، ثم إن زنت
فليجلدها الحدّ ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر» . وفي رواية: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال: «إن زنت فاجلدوها» الحديث. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه خطب فقال: (يا أيها الناس أقيموا الحد على إمائكم من أحصن منهن ومن لم يحصن) . رواه مسلم. وعند أبي داود مرفوعًا: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» .
وقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، قال ابن عباس: العنت الزنا. وقال السدي: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} يقول: وإن تصبروا ولا تنكح الأمة فيكون ولدك مملوكين فهو خير لكِ.
قوله عز وجل: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً (28) } .
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} ، أي: يريد الله أن يوضح لكم شرائع دينكم، ومصالح أموركم، {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} ، يعني: طرائقهم الحميدة، {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} من الإِثم والمحارم، {وَاللهُ عَلِيمٌ} بمصالح عباده في أمر دينهم ودنياهم، {حَكِيمٌ} فيما دبر من أمورهم.
وقوله تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن
تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} . قال مجاهد: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} ، أن تكونوا مثلهم تزنون كما يزنون. وقال ابن زيد: يريد أهل الباطل، وأهل الشهوات في دينهم أن تميلوا في دينكم ميلاً عظيمًا، تتبعون أمر دينهم، وتتركون أمر الله وأمر دينكم.
وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} ، قال مجاهد: يريد الله أن يخفف عنكم في نكاح الأمة، وفي كل شيء فيه يسر. وقال ابن كيسان: خلق الإِنسان ضعيفًا، يستميله هواه وشهوته، وقال طاووس: ليس يكون الإِنسان في شيء أضعف منه في النساء. والله أعلم.
* * *