الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال علي رضي الله عنه: ما في القرآن آية أحب لي من هذه الآية يعني: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} . وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئًا، إلا حلت لها المغفرة، إن شاء الله عذبها، وإن شاء الله غفر لها {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} » . رواه ابن أبي حاتم وغيره.
وقوله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلا إِنَاثاً} . قال ابن زيد: آلهتهم: اللات، والعزى، ويساف، ونائلة. هم: إناث يدعونهم من دون الله، وقرأ:{وَإِن يَدْعُونَ إِلا شَيْطَاناً مَّرِيداً} . وقال قتادة: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلا إِنَاثاً} ، أي: إلا ميتًا لا روح فيه. وعن مجاهد في قوله: {إِنَاثاً} . قال: أوثانًا.
وقوله تعالى: {وَإِن يَدْعُونَ إِلا شَيْطَاناً مَّرِيداً} ، قال قتادة: تمرد على معاصي الله.
وقوله تعالى: {لَّعَنَهُ اللهُ} ، أي: أخزاه، وأقصاه، وأبعده.
وقوله تعالى: {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} ، عن الضحاك: نصيبًا. قال: معلومًا. وعن قتادة في قوله: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} ، قال: البتك في البحيرة والسائبة، كانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم. وقال عكرمة: دين شرعه لهم إبليس. وعن مجاهد في قوله: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} . قال: الفطرة دين الله. وقال ابن مسعود: (لعن الله: الواشمات، والمتوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيّرات خلق الله) . وقال عكرمة: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} ، بالخصاء، والوشح، وقطع الآذان.
قال القرطبي: الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان، إلا لمنفعة خاصة في ذلك، كتطييب اللحم، أو قطع ضرر عنه. قال الحافظ ابن حجر: والنهي عن الخصاء نهي تحريم في بني آدم بلا خلاف.
يقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} ، أي: صدقت قلوبهم، وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات، وتركوا ما نهوا عنه
من المنكرات، {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} ، ويصرفونها حيث شاءوا، {خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَداً} ، أي: بلا زوال ولا انتقال. {وَعْدَ اللهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} ، أي: لا أحد أصدق منه قولاً، فوعده واقع لا محالة.
قال قتادة: ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا. فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتبنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم. وقال المسلمون: نحن أولى بالله، نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله. فأنزل الله:{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} إلى قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان. وعن مجاهد في قوله:{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال: قريش، وكعب بن الأشرف، {مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} .
قال ابن كثير: (والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئًا حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال أنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن
يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ، أي: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه، وإتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام) . انتهى. وعن الربيع بن زياد أنه قال لأبيّ بن كعب: قول الله تبارك وتعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} والله إن كان كل ما عملنا جزينا به هلكنا! قال: والله إن كنت لأراك أفقه مما أرى، لا يصيب رجلاً خدش ولا عثرة إلا بذنب، وما يعفوا الله عنه أكثر حتى اللدغة والنفخة.
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} ، قال الضحاك: فضل الله الإسلام على كل دين فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} إلى قوله: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} ، وليس يقبل فيه عمل غير الإسلام وهي: الحنيفية.
قال ابن كثير: وقوله: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} ، وهذا من باب الترغيب في اتباعه، لأنه إمام يقتدى به، حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له، فإنه انتهى إلى درجة الخلّة التي هي أرفع مقامات المحبة، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه، كما وصفه به في قوله:
…
{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} .
وقوله تعالى: {وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} ، أي: الجميع ملكه وخلقه وعبيده، وهو المتصرف في ذلك، ألا له الخلق والأمر. {وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً} ، فلا يعذب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا يخفى عليه شيء، وهو على كل شيء قدير. والله أعلم.
* * *