الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الصحيحين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» . وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون» . رواه الترمذي وصححه. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون. وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» . رواه البخاري وغيره.
وقوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} قال مجاهد: لما قيل لها: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ} قامت حتى ورمت قدماها.
وقوله تعالى: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، أي: كوني منهم.
قوله عز وجل: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يُلْقُون أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) } .
يقول تعالى: {ذَلِكَ} الذي ذكرت من حديث امرأة عمران، وزكريا، ويحيى، ومريم، وعيسى:{مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ} ، أي: من أخبار الغيب: {نُوحِيهِ إِلَيكَ} وهذا من أعظم البراهين على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبره بها وهو أميّ لا يكتب ولا يقرأ، كما قال تعالى:
…
وقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} ، أي: في كفالتها. قال قتادة: تساهموا على مريم أيهم يكفلها فقرعهم زكريا.
قوله عز وجل: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) } .
قال ابن جرير: يعني بقوله جل ثناؤه: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ} ، {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} ، {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} أيضًا:{إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ} ، يعني: برسالة من الله. وعن قتادة قوله: {بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ} قال: قوله: كُنْ، فسماه الله عز وجل كلمة، لأنه كان عن كلمته، كما يقال لما قدّر الله من شيء: هذا قدر الله وقضاؤه. وقيل: إنما سمي المسيح لأنه مسح بالبركة.
قال ابن إسحاق عن محمد بن جعفر: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ، أي: هكذا كان أمره، لا ما يقولون فيه {وَجِيهاً} . قال: وجيهًا في الدنيا والآخرة عند الله. وقال قتادة: قوله: {وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} يقول: من المقربين عند الله يوم القيامة.
وقوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} . قال ابن عباس: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} ، قال: مضجع الصبي في رضاعه. وقال مجاهد: الكهل الحليم. وقال قتادة: يكلمهم صغيرًا وكبيرًا. وقال ابن إسحاق عن محمد بن جعفر: يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمله، كتقلب بني آدم في أعمالهم صغارًا وكبارًا، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته وتعريفًا للعباد موقع قدرته. وقال ابن زيد: قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال، وهو يومئذٍ كهل.
قال ابن إسحاق عن محمد بن جعفر: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} يصنع ما أراد ويخلق ما يشاء من بشر أو غير بشر، أي:{إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} مما يشاء وكيف يشاء، فيكون ما أراد.
قوله عز وجل: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ
وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (51) } .
قال البغوي: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ} : الكتابة والخط {وَالْحِكْمَةَ} : العلم والفقه. قال ابن إسحاق عن محمد بن جعفر: أخبر الله مريم ما يريد به فقال: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ} التي كانت فيهم من عهد موسى، والإنجيل كتابًا آخر أهدته إليه، لم يكن عندهم علمه إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء قبله.
وقوله تعالى: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} ، أي: ونجعله رسولاً إلى بني إسرائيل قال ابن إسحاق عن محمد بن جعفر: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} ، أي: يحقق بها نبوتي، وإني رسول منه إليكم.
وقوله: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ} ، قال ابن إسحاق: إن عيسى - عليه صلوات الله وسلامه عليه - جلس يومًا مع غلمان من الكتاب فأخذ طينًا، ثم قال:
أجعل لكم من هذا الطين طائرًا، قالوا: وتستطيع ذلك؟ قال: نعم بإذن ربي. ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطائر فنفخ فيه، ثم قال: كن طائرًا بإذن الله، فخرج يطير بين كفيه، فخرج الغلمان بذلك من أمره، فذكروه لمعلمهم فأفشوه في الناس وترعرع، فهمّت به بنو إسرائيل، فلما خافت أمه عليه حملته على حميل لها ثم خرجت به هاربة.
وقوله: {وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ} قال ابن عباس: الأكمه الذي يولد وهو أعمى.
قال ابن كثير: [قال كثير] من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما
يناسب أهل زمانه، فبعث عيسى السلام في زمن الأطباء، وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه.
وقوله: {وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، قال السدي: لما كبر عيسى أسلمته أمه ليتعلم التوراة، فكان يلعب مع الغلمان، غلمان القرية التي كان فيها فيحدث الغلمان بما يصنع آباؤهم. وقال عطاء بن أبي رباح: قوله:
…
{وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} قال: الطعام والشيء يدخرونه في بيوتهم، غيبًا علَّمه الله إياه. وقال قتادة: كان القوم لما سألوا المائدة، فكانت جرابًا، ينزل عليه أينما كانوا ثمرًا من ثمار الجنة، فأمر القوم أن لا يخونوا فيه، ولا يخبئوا، ولا يدخروا لغد، بلاء ابتلاهم الله به، فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئًا أنبأهم به عيسى بن مريم، فقال:{وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} .
وقوله: {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} قال: ابن جريج: قال: {وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} قال: لحوم الإِبل والشحوم، لما بعث عيسى أحلها لهم، وبعث إلى اليهود فاختلفوا وتفرقوا.
وقوله: {فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} ، قال ابن إسحاق: عن محمد بن جعفر: {فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} تبريًا من الذين يقولون فيه، يعني: ما يقول فيه النصارى، واحتجاجًا لديه عليهم:{فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} ، أي: هذا الذي قد حملتكم عليه وجئتكم به. والله أعلم.
* * *